من الواضح جداً الرفض الأردني الكبير و«المُستميت» لما تُسمى «صفقة القرن» الأمريكية، التي تطمح إلى حل الصراع العربي «الإسرائيلي» لمصلحة الأخيرة. وعدم إنجاح هذه الصفقة هو قضية سيادية ووجودية لعمّان، فلا نجد محفلاً إلا وقد عبّرت فيه عن امتعاضها من تلك الصفقة التي تسلب ما تبقى من حقوق بدل أن تسترجع المغتصب منها، ودائماً تؤكد عمّان أنها لن تسمح بتمريرها، وخرج عاهل الأردن الملك عبد الله مراراً وتكراراً، ليؤكد وحدة القدس والأراضي الفلسطينية، وأهمية قيام دولة فلسطينية، وأن الوصاية الأردنية على المقدسات راسخة، ولن تزعزعها أي صفقة مهما كانت تتمتع بدعم أمريكي، وكان حديثه واضحاً صلباً لا مواربة فيه.
اللغة التي سار عليها عاهل الأردن ومن خلفه القيادة الأردنية، لا تدع مجالاً للشك للارتدادات السلبية الجمّة ل«صفقة القرن» على الأردن، فبنود الخطة الأمريكية تمس أول ما تمس الوصاية الهاشمية على الأقصى أو على الأقل تُضعفها، فمن خلال البنود التي سربت أو التي يتم تداولها، فإنها تمنح «إسرائيل» القدس بكاملها، وبما تحويه من رموز إسلامية ومسيحية، وتعطيها الحق الكامل في التصرف بها، وتسلخ أي وجود للفلسطينيين والعرب في المدينة، في حين أن الخطة تشمل توطين الفلسطينيين في الأردن، ولطالما أبدت عمّان رفضها لهذا الأمر، فهي تحتفظ بحق كل لاجئ فلسطيني بالعودة إلى أرضه، وأكدت مرات عدة أن الوطن البديل لن يمر، وأن الحل لا يمكن أن يكون إلا بدعم إنشاء دولة تضم الكل الفلسطيني.
الصفقة الأمريكية لا تستهدف الفلسطينيين فقط؛ بل تمتد خيوطها السامة نحو المحيط العربي، فالإدارة الأمريكية تحاول فرض الأمر الواقع، وإجبار الدول على القبول ببنودها المُذلة، ولو كانت على حساب السيادة والوجود، وأكثر ما تمس الأردن؛ لذا فمن الطبيعي أن تتعرض هذه الدولة لكثير من الضغوط؛ لتتنازل، وهو ما دفعها لتأكيد أن التاريخ الأردني هو بفلسطين، وأن أمجاد الجيش سُطرت بالأراضي المقدسة، وأن المساس بها خط أحمر، في رسالة واضحة موجهة لمن يحاولون ممارسة سطوتهم على الضفتين الشرقية والغربية.
الإدارة الأمريكية وضعت كل ثقلها في دعم «إسرائيل» وهي لن تتوانى في حرق كل شيء لمصلحة ربيبتها، فهي منحت القدس والجولان للمحتل، وأعطت ما لا تملك إلى من لا يستحق، في حين أن صفقتها تسير على نفس نهج سياستها المنحازة، فقد سربت صحيفة ال«واشنطن بوست»، «أن الصفقة لا تقر بوجود دولة فلسطينية؛ بل تنص على بعض الحوافز الاقتصادية، مقابل سلام دائم»، وهو يعني أن الضفة ستبقى غارقة في المستوطنات، وأنه لا أراضي ستعاد للفلسطينيين، ولن تكون هناك سيادة، فضلاً عن أنها ستسقط القدس واللاجئين من حساباتها.
ولكن الرهان على إفشالها يتمثل في الوعي الفلسطيني ومن خلفه العربي، الرافضين لها جملة وتفصيلاً، وخصوصاً الأردن التي ترى فيها شوكة قد تغرس في خاصرتها إن لم تعمل على إنهائها في مهدها، وبما أنها واجهت رفضاً من الشعبين (الأردني والفلسطيني)، وبديهي من بقية الشعوب العربية، فإنه لن يكتب لها النجاح، ولن تكون أمراً واقعاً، مهما سعت أمريكا أو حاولت الإقناع بقبولها.
الجمعة 19 نيسان (أبريل) 2019
الأردن و«صفقة القرن»
الجمعة 19 نيسان (أبريل) 2019
par
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
112 /
2183518
ar أقسام الأرشيف ارشيف المؤلفين علي قباجة ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
24 من الزوار الآن
2183518 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 25