على الصفحة الأخيرة من مطبوعة للمنظمة الوطنية للمجاهدين بولاية ميلة، صورة أب وأم، حولهم سبعة أبناء هم (مسعود، محمد الطاهر، حسين، رابح، عمار، عبد السلام ورشيد)، كُتب في أعلاها المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء: “أسطورة الفداء” الإخوة مغلاوي"... بمجرد أن نظرت إلى صورهم في هذا اليوم الأغرّ، عيد النصر 19 مارس (أمس)، جالت بذهني أكثر من خاطرة: لماذا ضحّت هذه العائلة بكل أبنائها، وارتقوا شهداء عند ربهم أحياء يُرزقون؟ أي أمّ هذه التي قدمت 7 أبناء في سبيل الله والوطن؟
أيّ والد هذا الذي لم يبخل على أمته بكل هذا الصمود والصبر؟ أين نحن من هذه التضحيات اليوم؟ هل مازلنا نَذكُر شهداءنا ونَفيهم حقَّهم في عيد النصر؟ هل مازلنا نَذكر تضحيات المرأة الجزائرية من أجل هذا الوطن؟ وبماذا علينا أن نكافئها؟ هل بقوانين تَدفع بأسرتها نحو التغريب؟ أم بعودة إلى فهم عمق التضحية التي قدّمتها، وعمق الروح التي كانت تقاوم بها المستدمر الغاصب؟
وماذا لو علمنا أن بالشرق والغرب وبالجنوب والشمال أمهاتٍ وآباءً من هذا الجيل الفذ، ممن قّدموا عظيم التضحيات لكي نحيى اليوم في بلدنا أعزَّة غير أذلة؟ ماذا نقول لأمهاتنا على وجه التحديد: بعنا البترول ولم يكف، ونسعى لبيع الغاز الصخري ولن يكفي، ونجتمع لنسنّ قوانين لتغريب المجتمع ولا يكفي؟ وأنتن اللائي غادرتن هذه الحياة قبل الفوز ببيت يأويكن أو الاستمتاع بأدنى خيرات هذا الوطن، الذي بذلتن فلذة أكبادكن لأجل تحريره؟
هالني الموقف، فرفعت سماعة التلفون وكلمت الأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين بميلة، السيد محمد بن داس، عسى أن يمدّني بتفاصيل أكثر، فجال بي في دوار أولاد القائم بلدية سيدي خليفة (ولاية ميلة)، حيث عاشت هذه العائلة الشهيدة، وذكّرني بالخنساء أم الشهداء، وقال إن الوالدين التحقا بالرفيق الأعلى غداة الاستقلال في صمت، قبل أن يُغادرا كوخهما الريفي المتواضع، ولعلّهما لم يكونا على علم بأن مسعود واسطة عقد أبنائهما (من مواليد 1932)، كان أول شهيد يرتقي إلى جوار ربه في ولاية ميلة (الناحية الثالثة التاريخية. المنطقة الأولى الولاية الثانية) في 21 ديسمبر 1954... أما أن يحلما بأن تكون عائلتهما موضوع أشرطة وأفلام ومسرحيات تُذكّر الجيل الصاعد بتضحيات السلف، فتلك مسألة أخرى علينا تجسيدها...
انتهت مكالمتي، ليس بحزن شديد، إنما بأمل كبير: أن بلادي الجزائر التي استطاعت امرأة من ريفها العميق اسمها “خطابي فطيمة” أن تقدم كل هؤلاء الشهداء، بإذن الله، لن تسقط أبدا...