الأحد 9 أيار (مايو) 2021

الديمقراطية هل هي عنوان خاطئ؟

الأحد 9 أيار (مايو) 2021 par محمد سليم قلالة

أحيانا يَنتابني شعور بأن هناك محاولة لإحباط مجتمعاتنا مرة أخرى بعنوان الديمقراطية، كما تم إحباطها بعنوان الاشتراكية غداة استعادة الاستقلال. بعد ثلاثين سنة من رفع شعار “الاشتراكية خيار لا رجعة فيه”، بعد كل تلك القرارات التي تعلقت بالتسيير الذاتي للمستثمرات الفلاحية والتأميم، وأسواق الفلاح، وشركات القطاع العام، والثورة الزراعية والتخطيط المركزي…الخ، انتهى بنا المطاف إلى التراجع عن كل ذلك وكأنه لم يكن، بل وتحميل تلك الحقبة كامل المسؤولية فيما عرفت البلاد من انتكاسات وضعف في كافة المجالات والتنكر لإيجابياتها رغم كثرتها.

وبمجرد أن حدث التحول في العالم الشيوعي والاشتراكي، نتيجة سقوط الاتحاد السوفياتي، ودون أن ننتبه إلا أن أكثر من نصفه متمثلا في الصين لم يسقط، سارعنا نحو التعددية كخيار سياسي، ونحو الانفتاح كخيار اقتصادي، معتقدين أننا عرفنا أخيرا الطريق الصحيح، فإذا بهذه الخيارات توصلنا إلى عنوان خاطئ آخر يُعرَف بمجتمع الفساد، والرشوة والتمايز الطبقي الحاد، ويمنعنا من تجسيد نمط فعّال للتنمية نخرج عبره من دائرة التخلف.

وبدل أن نقوم بمراجعة أنفسنا مراجعة دقيقة، بعد ثلاثين سنة أخرى من التجربة، ونبحث في أفضل السبل التي ستمكننا من تصحيح أخطاء الماضي، الاشتراكي، أو الانفتاحي، يبدو أننا نكاد نسلك الطريق الخطأ للمرة الثالثة عند الاعتقاد بأن الديمقراطية بالطريقة التي ينادي بها الكثير اليوم هي المخرج من كل الشرور وهي الطريق نحو التقدم والازدهار.

أعداد كبيرة من الناس يناضلون بالفعل من أجل ديمقراطية تعود فيها الكلمة للشعب، يكون سيدا وحرا، ينتخب من يمثله في المؤسسات المختلفة، ويسير ثرواته بطريقة شفافة، في دولة القانون إلى جانب باقي المثل العليا الأخرى المرتبطة بهذا الحلم، كالرّفاه والعدل والأمن… الخ. وتكاد أغلبية من هؤلاء تعتقد أنه بإمكانها ذلك، ومنها من يتصور أنه قاب قوسين أو أدنى منه… في حين أن الحقيقة الصادمة هي خلاف ذلك تماما، وينبغي الاستعداد لها من الآن.

الحقيقة الصادمة أنه حتى في العالم الديمقراطي، الذي يُعَدُّ أنموذجا للبعض ومثالا يُقتدى به، لم تبق الديمقراطية هي ذاتها ولم تعد تقوم على نفس المُثل والغايات التي كانت تقوم عليها قبل نصف قرن من الزمان. الديمقراطية اليوم في الغرب مُتحكَّم فيها من لوبيات المال والإعلام والأقليات القوية، الانتخابات فيها لم تَعد تفرز ممثلين حقيقيين للشعب، والنقاشات في البرلمانات غالبا ما تكون موجهة من قبل أقلية نافذة يُسمّيها سارج لاتوش “الديمقراطية الكاريكاتورية المتلاعب بها من قبل وسائل الإعلام واللوبيات”، ويعتبرها “كولين كراوش” في كتابه “ما بعد الديمقراطية” وسيلة لإيصال ممثلي اللوبيات القوية إلى دوائر الحكم، كما يعتبرها آخرون مرحلة في طور الاضمحلال من التاريخ السياسي للبشرية، (كوفمان في مؤلفه نهاية الديمقراطية ازدهار وانحطاط حضارة “أو هي في مرحلة هيمنة الشعبوية التي يزعم فيها الكثير أنهم ” الشعب” “مارك لازار”… وعشرات أمثالهم، يعتبرون الديمقراطية التي يعتقد الشارع في العالم “غير الديمقراطي” أنها أمله الوحيد، هي في مرحلة أفول وتَبدُّلٍ باتجاه شكل أكثر مرونة لاحتكار السلطة…

ما الذي علينا القيام به أمام هذه الحقيقة؟ كيف نجد لأنفسنا بديلا سياسيا مختلفا ملائما لحقائقنا التاريخية والسوسيولوجية؟ مَن يقوم بذلك؟ يبدو لي أن هذه هي الأسئلة الصحيحة التي ينبغي أن تُطرَح حول مستقبلنا السياسي، قبل أي إصرار آخر على البحث عن الديمقراطية كعنوان بعيدا عن إدراك محتواه… المشكلة هي في هذا المستوى وليست أبدا في الشعارات المرفوعة أو في الإصرار على تجسيدها أو حتى التضحية من أجل ذلك…



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2183594

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع محمد سليم قلالة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

38 من الزوار الآن

2183594 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 40


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40