الثورة فعل دائم ومقاومة مستمرة ضد المحتل ،وليست حراكاً موسمياً يمارسه البعض – رفعاً للتكليف عن البقية – لحين من الدهر ،ثم يخبو ويتلاشى بقرار مسئول ،أو نزولاً عند رغبة قائد ،أو خوفاً من إنتقام العدو من جهة والأجهزة الأمنية من جهة أخرى ..
الثورة والمقاومة اسلوب حياة ،يتربى عليهما الأطفال مع حليب أمهاتهم ويعلمهما الكبار للصغار ،تأخذان عدة أشكال وتستخدمان عدة أدوات في مواجهة العد ،اعتماداً على طبيعة العدو ،وأشكال العدوان التي يمارسها على الشعب ،وموازين القوة بين الطرفين.
وفي حين يعتبر الكفاح المسلح والحرب الشعبية المتواصلة هي أعلى أشكال المقاومة ضد عدو يحتل الأرض ويستبيح المقدسات ،فأن هذا الشكل من المقاومة يقوم به الطلائعيون ،في حين يساندهم بقية الشعب بالتمويل والتأمين والتعبئة والتجنيد ،وكقاعدة خلفية للمقاومين ..
إلا أن هذا الأسلوب في المقاومة (إسلوب الكفاح المسلح) وإن قام به الإشداء المدربون من الشباب ،فأنه لايعفي البقية الباقية من الشعب من واجب المقاومة بوسائل وأساليب أخرى .
ولعل الإنتفاضة الفلسطينية الأولى التي سميت بإنتفاضة الحجارة هي تجسيد لما يمكن أن يقوم به الأطفال والنساء وكبار السن في إرباك العدو ، وتحويله من جيش محترف ، معدٍ للحروب الكلاسيكية النظامية إلى جنود مستدرجين إلى حارات وزواريب القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية لملاحقة أطفال يرجمونهم بالحجارة ثم يختفون في أزقة يعرفونها ويجيدون الإختفاء فيها .
لقد (بهدلت) الإنتفاضة الجيش الذي لا يقهر ،وحولت جنوده إلى مجموعة من المجانين الذين يستفزهم أطفال تربوا على العزة والكرامة،ورفضهم الإحتلال ، يستدرجوهم الى مطاردات شوارع تستنفذ طاقاتهم وتشعرهم بالصّغار لما يقومون به ،وهم المدججون بشتى أنواع السلاح ،يلاحقون أطفالاً عدتهم الحجارة ...
إن إمتهان كرامة الجيش الإسرائيلي في الأنتفاضتين مهَّدت لهزائمة اللاحقة في لبنان وفلسطين .
وحين نزعم أن المقاومة فعل مستمر وإسلوب حياة له أدواته وأشكاله المتعددة نعني أن مقاومة المحتل لها أدواتها وأساليبها وفي مقدمتها وعلى رأسها كذروة سنامها – الكفاح المسلح – حرب الشعب طويلة الأمد ،ومقاومة أنظمة الإستبداد لها أدواتها وأساليبها .. لعل النضال النقابي والجماهيري يكون مفيداً في بعض الحالات ،وفي حالات أخرى يتوجب تصعيد النضال ضد أنظمة الإستبداد والإستعانه بأدوات مقاومة أخرى،ولنا في تجارب الشعوب التي ثارت على أنظمتها الظالمة دروس وعبر .
نعود إلى مقاومة العدو المحتل ،والذي لايجوز مهادنته ،أو إعطاؤه أيَّ فرصة للراحة وإستجماع قواه ،بل يجب على المقاومة الضرب بقوة ودون هواده وبكل أسلحة المقاومة المتوفرة لديها ،حتى تنهكه وتفت من عضدة ،وتمهد لهزيمتة الكبرى بإذن الله ....
أما إذا عز على الشعب وطليعته الثورية ممارسة الكفاح المسلح على نطاق واسع موجع للعدو ،فالواجب والمفروض على هذه الطليعة وهي تعد العدة لإمتلاك كل متطلبات الكفاح المسلح وتعميم عقيدة القتال ضد العدو لتحرير الأوطان والإنسان ،فالواجب والمفروض أن لاتنسى أو تتغافل عن أنها تملك سلاحاً فتاكاً إذا أحسنت إستدعاءه وكسب ثقته وأجادت تشغيله والاستفاده من إنتشاره وهو سلاح المقاومة المدنية ،أوالشعبية ،وذلك بالخروج إلى الشوارع في مسيرات حاشدة على حواجز العدو الأمنية ،وعلى مداخل مستوطناته ،ترفع شعارات محدده ضد التنسيق الأمني ،وضد المفاوضات العبثية وضد المستوطنات ... هنا يكون دور الطليعة الثورية مهماً وحاسماُ حيث لابد أن يتصدى لهذا التحشيد ،والتعبئة،ويتقدم الصفوف من هم أهل للثقة ،ومن ذوي الأسبقية النضالية حتى يتبعهم الناس ،وتلتف حولهم الجماهير .
إن إنتفاضة شعبية ثالثة ،يخرج فيها شعبنا إلى الشوارع مطالبين بإنهاء الإحتلال ،مستفيدين من ثورات العزة والكرامة في ساحات المدن العربية ،كفيلة بإجبار العدو خلال أشهر معدودة على إخلائه مستوطناته ، والإنكفاء إلى الداخل المحتل بدون شروط مذلة يفرضها على السلطة ،مقابل فتح شارع هنا ،أو نقل حاجز هناك .
إن العودة للإشتباك مع العدو ،يجب أن يكون فعلاً يومياً ،تشترك فيه كل فئات شعبنا الفلسطيني ،إعتصامات ،ومسيرات على مداخل المستوطنات وامام حواجز العدو الأمنية ،على أن لايرفع ذلك التكليف والمسؤولية عن من هم أوسع حظاً من المجاهدين الذين لاتغفل عيونهم عن إستهداف العدو بكل ما توفر لهم من السلاح ،حتى يرحل برجسهِ عن فلسطين ،وننجز التحرير الكامل بإذن الله .