الثلاثاء 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2023

غزة: تحوّلات سياسية وآفاق مستقبل مجهول

الثلاثاء 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 par ناديا حرحش

ما حدث يوم أمس، السابع من تشرين الأول، سيغير الواقع السياسي المعاش بشكل مختلف كليّاً عمّا عشنا على مدار العقود الماضية.
نحن لسنا امام حرب جديدة على غزة فقط، من المحتمل أن تشمل بعض او العديد من الاجتياحات والدمار، ولكننا أمام إعادة احتلال على أقل تقدير، وعمليات واسعة من الدمار من كل اتجاه. ولكن ما سيجري على الأرض من دمار وضحايا وتضحيات، سينتج عنه فعل سياسي مختلف بلاعبين ليسوا اللاعبين الحاليين للمشهد السياسي كما نعرفه. حماس هذه المرة تستحوذ وبقوة على ما سينتج عن ردود الفعل الإسرائيلية التي لن تقل عن حرب ليست بقصيرة وخسائر بشريّة جسيمة وأضرار كبيرة.
ما جري الحديث من الآن عن حكومة طوارئ إسرائيلية، يتوحد فيها اقطاب الأحزاب المتناحرة من أقصى اليمين الى يمين الوسط، مما سيقوي الحكومة بمتشدديها الحاليين أكثر، وستنتهي الفرقة السياسية الإسرائيلية الداخلية لبعض الوقت. سيكون الرد الإسرائيلي انتقاميا وبشعا أكثر. لن يأخذهم الكثير من الوقت للتصرف، فأول تصريح من وزير الحرب الإسرائيلي هو تغيير شكل غزة على الخريطة.
التصريحات الأمريكية توحي بقبول حل عسكري شامل.
ولكن… الجميع (إسرائيل، أمريكا، أوروبا) لا يزال يتصرف بالطريقة السابقة المتمثلة بمحاولة الحفاظ على الوضع السياسي بشكله المستدام. هناك استماتة لإبقاء الحال السياسي على ما هو عليه.
حالة الهلع والخوف والغضب لدى الإسرائيليين ستتطلب من الحكومة القيام بأعمال انتقامية اشد وأكبر. ومن يعتقد ان الإسرائيليين سيخافون لدرجة الهرب مخطئ، لأن من يتابع خطى هؤلاء يوقن ان الانتقام عندهم يتحول الى انتحاري إذا ما تطلب الامر. قد يكون شعار عقيدة مسادا هو شعار المرحلة القادمة. ولكن إسرائيل اليوم امام غزة لا تمثل اليهود المتمردين على الإمبراطورية الرومانية، بقدر تمثيلها رومان ذلك الزمن.
ويمكن ان نتخيل مشهد مقاومي غزة بتمرد المكابيين الذي وقع قبل احداث مسادا بنحو ثلاثة قرون، عندما تمرد اليهود ضد اضطهاد الإمبراطورية السلوقية الذي أدى في نهاية الامر الى استقلال الحشمونيين.
وبين تمرد المكابيين وحصار مسادا على إسرائيل ان تتعلم من درس التاريخ الذي شكل عقيدة اهل هذا المكان على مدار الزمن.
على الصعيد الفلسطيني، كلام محمد الضيف، الذي أعلن فيه بدء معركة طوفان الأقصى يشي بتغيير يشي بتغيير شامل للمرحلة، ويمثل خطاباً شامل لكافة الشعوب أولا، وللشعب الفلسطيني ثانياً. ايجاز الضيف لما تقوم به إسرائيل من تجاوزات وتعديات على الحجر والبشر من كل صوب لم يكن بحاجة لبلاغة وتفخيم لغوي. فما تقوم به الحكومة الإسرائيلية يجري ببجاحه وعربدة علنية متواصلة. فلا احترام لحقوق انسان ولا قرارات دولية. على الصعيد الداخلي أعلن إنهاء التنسيق الأمني واجهزته واستعادة الشعب لثورته، وخاطب الفلسطينيين في الداخل وشملهم بتعليماته.
أعلن الضيف نفسه قائدا للشعب الفلسطيني وكل مؤمن وحر في العالم بتفويض شعبيّ.
بالتأكيد ان الضيف حسم اليوم من هو اللاعب المركزي والحقيقي والوحيد لما سيأتي.
من السهل القول ان إعادة احتلال غزة لن يلحق اذى بغزة أكثر من الأذى الذي تعيشه منذ انسحاب شارون احادي الجانب منها سنة ٢٠٠٥. ربما كذلك يمكن القول ان الاجتياح البري خسارته ليست بقدر الخسائر الجوية، خصوصا ان هناك الكثير من الرهائن الإسرائيليين الان والأرجح انهم في مناطق مختلفة متفرقة بالقطاع. ولكن كما ذكرت سابقا، ان دخل الإسرائيليون بعقيدة مسادا، فلن يكترثوا كثيراً او اطلاقاً للتضحية بالرهائن. فمنذ الامس لم يتوقف القصف الجوي على غزة، لتتصاعد ارقام الشهداء بسرعة جنونية.
منذ اعلان محمد الضيف بدأت المواجهات بالضفة من اتجاهات مختلفة. ارتقاء سبعة شهداء بالأمس ينذر كذلك بما هو قادم.
من ناحية اخرى، ان الدمار والقتل الذي سيلحق بغزة سيكون له تبعاته في ردود الفعل في الضفة، ولن تكون السكاكين عنوان المرحلة القادمة، ولكن الأسلحة. وعلى ما يبدو مما نشهده انها ليست في أيدي هواة. رأينا ذلك في العمليات التي نفذت في تل ابيب العام الماضي، ورأيناها اليوم عندما هاجم الافراد المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة.
من ناحية سيقاتل الفلسطينيون ببسالة، في داخل غزة بالتأكيد وخارجها كلما سنحت لهم فرصة.
ولكن بعيدا عن الحراك الذي سيخرج من الافراد، سواء بحمل سلاح، او سكين، او خطف إسرائيلي، او الاستيلاء على سيارة او مكيف كما رأينا في مشاهد الأمس، لا بد من التوقف مليّا امام النزول العسكري الذي حصل في مستوطنات غلاف غزة. كان هناك بلا أدنى شك فشل عسكري إسرائيلي يستدعي إقالات واستقالات من جانبهم، ولكن كان هناك قوات فلسطينية قسّاميّة مدرّبة بشكل مذهل. كنا نتابع ما يجري وكأننا وسط عرض عسكري متقن للغاية.
مهما حاولت ان أرى مشاهد الامس ببعض العبثية، لا يمكنني الا ان أرى الاتقان المطلق في كل ما جرى، خلال النزول العسكري وما تلاه من إطلاق الناس للهجوم وكأننا في مشهد غزو من تاريخ لزمن شجون آفل، الأمر الذي بعث على التساؤل كيف يصبح الجلاد في لحظة غفلة ضحية لضحاياه؟
لقد شهد الإسرائيليون بالأمس، لأول مرة منذ احتلالهم لهذه الأرض ومن عليها، معنى ان تكون ضحية. ضحية لحظة غفلة وعجز وعزل امام جموع سلاح وقوة. وشهدنا نحن الفلسطينيين لحظة قوة بدت خياليّة، ولكن بات واضحاً أنها ليست فقط حقيقية، بل وتنطوي على الكثير من الجدّيّة.
في هذه الحرب من اجل وجودنا امام حربهم من اجل تصفيتنا، لا يمكن ان تحسب الهزائم والانتصارات بنفس الميزان.
نحن شهدنا للتو طيّ صفحة من التاريخ كما عشناه على مدار عقود على المستوى القيادي. وهذا يعني أننا أمام سطر سياسة جديدة ومختلفة، لن يكون اللاعبون الحاليون فيها صنّاع واقعنا القادم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2184571

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع ناديا حرحش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2184571 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40