الأحد 6 آذار (مارس) 2022

اوكرانيا: عالم جديد يتشكل ولكننا لسنا جزءا منه

الأحد 6 آذار (مارس) 2022 par ناديا حرحش

قد يبدو ان الحرب الروسية الأوكرانية للوهلة الأولى حربا لا ناقة لنا فيها ولا جمل. قد نكون في أحسن احوالنا كالجمهور المنقسم بين فريقي كرة القدم ريال مدريد وبرشلونه. والحقيقة ان لا مصلحة لنا في هذه الحرب سواء كانت حربا بين فريقين ام كانت حرب تقاطب قوة جديدة تتفرد فيها أمريكا بقيادة العالم.
لا يمكن قراءة ما يجري بدون المراجعة الحقيقية للماضي الذي ترتب على أساسه حكم العالم كما نعيشه اليوم.
ولكن المشكلة تبقى عند استحضار الماضي الى الحاضر بوقائعه المشابهة بطريقة ما، ان من كان يدير لعبة الأمم ويتشارك فيها في الماضي لا يشبه من يديرها اليوم لا من قريب او بعيد.
عندما تحول العالم وتقسم بين قوى التحالف الغالبة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وما تلاها، كانت الدول تدار من شخصيات قوية، جادة، قادرة، متطلعة. كان سباق تلك القوى بنشر فكر او أيديولوجية تستطيع ان تحكم وتدير العالم، وتقتل وتبيد بدهاء واجرام، إمّا يرفعها او يزيلها من التاريخ.
يبدو ان حرب اليوم تدار بطريقة الحروب السابقة مع فارق أساسي ان أمريكا ويلسون وروزفلت ليست أمريكا بايدن. وروسيا لينين وستالين ليست روسيا بوتين.
امريكا تحتاج الى رئيس أكثر وعيا وادراكا وحنكة وفهما لما يدور في فلكة. وروسيا تحتاج الى سفاح قاتل مستعد للإبادة بلا هوادة من اجل بقائه.
طبعا، بايدن ليس مغيبا تماما غير مدرك، وبوتين ليس بريئا او مسالما. فكما بايدن يستعيد امجاد قوته بروزفلت، يبدو ان بوتين يحاول استعادة امجاد قوته بستالين.
الحرب العالمية الثانية أخرجت أكبر قوتين استخدمتا الفتك والقتل والابادات التطهيرية التي قرر العالم حينها ان التخلص من الشيطان الأكبر هتلر هو الهدف الأسمى. ستالينغراد (١٩٤٣) بضحاياها التي اجتازت ارقامها المليون وضعت روسيا على رأس حربة القوة، وهيروشيما ونغازاكي (١٩٤٥) جعلت من أمريكا أكبر قوة في العالم، على الرغم من إبادة ثلث السكان لتخلف مئات الالاف من الضحايا وتشويه الجينات الخلقية في المدينتين حتى يومنا هذا. لم يكن القاء القنبلتين الذرتين مبررا حتى في اعقد حالات الحاجة بالحروب. كانت الحرب قد انتهت تقريبا وحسمت المكاسب والخسائر لمن انتصر ومن خسر. ولكن ارادت أمريكا ان تلقن اليابان درسا بسبب بيرل هاربر قبل سنوات (١٩٤١).
ومن بعدها صارت تقاس قوة ستالين بعدد ضحاياه. لم يكن بالإمكان عدهم، فقرر التاريخ اجمال ضحاياه بما يزيد عن المليون قتيل عن كل سنة من سنوات حكمه ال٢٦. الصين شكلت كذلك جزءاً مهما من هذه المعادلة، فكان يحكمها ماو تسي تونغ الذي حكم الصين بالنار والحديد.
يعني ان العالم الجديد قوي بمن قتل واجرم ببشاعة أكثر. وبعد الحرب الباردة التي شغلت العالم بين القوتين العظمتين على مدار عقود بعد الحرب العالمية الثانية، تتحقق مقولة جورج اورويل سنة ١٩٤٥ عندما كتب:” أنظر الى العالم بأسره، الانجراف لعدة عقود ليس من اجل الفوضى، بل لإعادة العبودية.”
فالرأسمالية كما الشيوعية لم تكن أهدافها الا العبودية. احداها استخدمت الديمقراطية والأخرى استخدمت الاشتراكية للاستقطاب والتحكم.
روزافلت حصل على جائزة نوبل للسلام، ولينين الرفيق الذي نشر الفوضى لإنهاء فساد القيصرية ليعم استبداد الشيوعية، وماو القائد الاب، وستالين الرجل الفولاذي الذي جعل الروس يذوبون الفولاذ لدعم صناعة السلاح. ليموت الشعب ويبقى القائد.
والعالم في تجاذبات نحو مصالحه من حيث الدول. فمن اقترب من أي قطب يصبح أقرب للعظمة او للسخط. كل يلعب في لعبة الأمم على حسب حجمه ومقدرته وتأثيره.
ربما تلوح بالأفق البعيدة لأوروبا فرصة لاستعادة قوتها من خلال أمريكا بطريقة امبريالية جعلت العالم الامبريالي ينقسم الى عالم اول وعالم ثان، نزلت فيه روسيا مرتبة بتبنيها للشيوعية المتهالكة.
العالم ينقسم اليوم بين عالم متهالك وعالم مندثر.
العالم المتهالك يتمثل بما نراه من تحالفات ضد روسيا في محاولة قد تصيب لضرب قوة الصين. فبقدر ما تبدو الاحجام مختلفة بقوته ومكانتها وحجمها الا انها تشكل أهمية في الصراع الحقيقي بحرب باردة بين أمريكا والصين لم تنته بانهيار الاتحاد السوفييتي. وكما دخلت روسيا الحرب العالمية الأولى بحجة التدخل لحماية – محميتها- صربيا بعد اغتيال ولي عهد النمسا على يد طالب صربي، وإعلان الإمبراطورية النمساوية المجرية الحرب على صربيا. تدخل أمريكا واتباعها اليوم الحرب لمساندة اكرانيا – محميتها- من الامتداد والخطر الروسي.
تتكشف التحالفات وتسقط كل الأقنعة في مثل هذه الحروب الوشيكة. يخرج الجميع من اللعبة ويبقى الأقوياء. في هذه الحرب تبدو إسرائيل وكأنها اللاعب الذي قد يصبح مركزيا في لعبة الأمم. مثلما كانت عرابتها أمريكا قبل الحرب العالمية الاولى.
يقال، ان السياسية هي فن الممكن. وهذا ما تستطيع ان تتقنه إسرائيل بلعبة الأمم.
فكما نرى اليوم امامنا كيف تصاغ الحريات وتفسر الديمقراطيات ويتم خوض الحروب من اجل الإنسانية. يبدو لنا جليا ان حقوق الانسان هي الحقوق التي تقرره القوى المهيمنة. الحق والباطل يقرر مسبقا ويتم حسمه إعلاميا وبكل الطرق حتى يدخل الى عقولنا ويقنعنا عنوة، ان لا حق غير الحق الذي تقرره القوة الكاسبة المهيمنة على مجرى الكون.
فلا يهم ما اقترفته هذه القوى وتقترفه. فبعد عقود من التجيير والاستقطاب مع او ضد محاور الخير او الشر التي تقرره لنا أمريكا، تقف إسرائيل كمن يقف على حبل رفيع يحسم وصولها الى نهاية الطريق. ان وقعت قد تخسر، وان وصلت ستكسب الكثير. كما حدث من جعل جريمة النازية بحق اليهود، والأتراك بحق الأرمن اكثر فظاعة واهمية في عقولنا حتى يومنا هذا من فظاعة الجرائم التي ارتكبت في تلك المناطق من ذلك التاريخ وخلفت عشرات الملايين من الضحايا.
كما يحدث في السنوات الأخيرة امام اعيننا، فضحايا اليمن وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا لم تعد ترقى حتى للذكر.
ونحن هنا، شعوبا عربية وقيادات ننظر وننتظر. نصوت لاحد الأطراف ونهز سياطنا نحو أحد الأطراف. لا تأثير لنا ولا أهمية. فلقد عبر عنا التاريخ وتعفرت بنا حوافر الزمن فصار وجودنا عدما.
وعلى الرغم من ان في هذه الحرب التي تدور دوائرها على الطغاة وتطحنهم وتبدد حلفائهم او تقربهم، يبقى وجود إسرائيل كلاعب مركزي على الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة لها بهذه الحرب. الا ان العلاقة الداعمة لكل من طرفي الحرب لإسرائيل هي المعضلة. فروسيا علاقتها بإسرائيل علاقة اب بابنه من زواج عرفي، وعلاقة اكرانيا بإسرائيل كعلاقة هذا الابن من الزواج العرفي بأمه.
تقدمت التكنولوجيا وتطورت أدوات الحرب منذ التهديد بكبس الزر الذي قد ينهي العالم ويزيله. ولأننا لسنا الا هباء منثورا في عدمية وجودنا بهذا الكون لا نفهم من هذا السباق الفتاك الا بما يسمح لنا بالاصطفاف هنا او هناك ورمي النكات أحيانا والتنبؤات أحيانا. وبين تنبؤات رقمية بنهاية إسرائيل والتهليل لها، وضرب صاروخ نووي عليها او ما قدر لهذه الأسلحة ضربه، فالخطر المحدق بإسرائيل بالتأكيد محدق بنا. ففناء إسرائيل بهذه الطريقة يعني فناءنا. ولكن خروج إسرائيل منتصرة يعني خروجها هي فقط منتصرة، ويعني فناءنا المستمر كذلك.
وكما في وضعنا عند مشاهدة مباريات كرة القدم بين المحترفين، الانتصار لبرشلونة او لريال مدريد. أجد نفسي اتابع ما يحدث بالتصفيق للفريق الغالب. فلا أثر لنا في هذه المباريات والحروب ولا تأثير. نصفق، نطبل، نهلل منتصرين لانتصارات لا تعنينا. ونبكي، نتباكى، نلطم، ونشجب انتكاسات لا تعنينا. والاهم.. ان اصطفافنا بين تأييد وتنديد لا يعني أحد.
العالم الجديد يتشكل بالفعل، ولكننا لسنا جزءا منه.
فمهما حدث، بينما ترفع إسرائيل شعارات انهاء الاحتلال الروسي على أوكرانيا، ستستمر في احتلالها ومخططها الاستيطاني ونهجها العرقي بالتخلص من أكبر عدد ممكن من هذا الشعب بين قتل وهدم واعتقال وتنكيل، وتطويع ما تبقى منه لخدمتها. تتمدد السلطة بفسادها لندخل مرحلة جديدة بإعادة افتتاح كازينو اريحا بإدارة ابن الرئيس مع شريك اسرائيلي، ونعد العدة لمحاسبة جمعية في بيت لحم بسبب صورة جمعت أعضاء الجمعية مع مجموعة من الالمان ومستوطن متطرف – جليك- في زيارة لها.
وإذا ما انتهت الحرب لمصلحة روسيا، ستستمر كذلك إسرائيل بنفس النهج. فهذا العالم البقاء فيه للقوي الاصلح. القوة هي الحق، والسطوة هي قانون الصلاح. ونحن سننتظر لعل الدوائر تدور على بغي إسرائيل ذات يوم…. ونحن مجرد غبار تعفّره رحى طواحين المعارك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2184563

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع مقالات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184563 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40