الأحد 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020

سلطة الفلسطينية: من انجاز الاستقلال الى انجاز الانتصار على “المنسّق”

الأحد 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 par ناديا حرحش

بينما كنت اقلّب محطات التلفزة توقفت أمام إحدى المحطات الفلسطينية (والتي كانت تبث برنامجا عن قرار إسرائيل بتوسيع احدى المستوطنات ما بين القدس وبيت لحم وكانت الشارة الإخبارية مثبتة على العبارة التالية: (توسيع مستوطنة جغعات هاماتوس يهدف الى قطع التواصل الجغرافي بين مدينتي القدس وبيت لحم – الموقف الأوروبي-…
. وكان هناك ما يبدو مساءلة للمتحدث باسم الاتحاد الأوروبي عن موقف الاتحاد بهذا الصدد.
المطلوب موقف أوروبي!! كيف سيكون الموقف الأوروبي بعد اعلان الانتصار الفلسطيني العظيم؟ قلت متسائلة.
فلقد تزامن هذا مع اعلان السلطة الفلسطينية انتصارها على صفقة القرن وإعادة التنسيق الأمني.
بالبداية، لم اعر الامر الكثير من الأهمية، وفكرت ان ما جرى من اعلان خرج من توافقات إسرائيلية فلسطينية على ضوء خروج ترامب المرتقب، وربما مفاوضات تجري، ومحاولة إعادة الأمور الى “نصاب طبيعي” ما.
لا اعرف كذلك ما هو الطبيعي المرتجى؟ الوضع قبل الكورونا، ام الوضع قبل اعلان الحل من الاتفاقيات من قبل الرئيس الفلسطيني؟ ام الوضع قبل وفاة رئيس المفاوضات؟ ام الوضع قبل اعلان صفقة القرن؟ او الوضع قبل اعلان إسرائيل عن شروعها بالضم؟ ام الوضع قبل اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية تباعا؟ ام الوضع بعد اعلان إسرائيل توسيع المستوطنة المذكورة أعلاه؟ وما هو الوضع الذي سنكون عليه اليوم؟
هذه الفجوة التي تتسع في هوها وعمقها وابعادها تبدو وكأنها تسحبنا جميعاً الى داخلها، كانهيار السدود او الانهيارات الثلجية. انهيار يسحب معه كل شيء الى اللا شيء.
الحقيقة يصعب الإشارة الى مكان محدد للخلل، فلم يعد هناك خلل. هناك كارثة نعيشها ولم يعد تحديد مكان بعينه لدرء الكارثة يجدي أي نفع. نعيش على تصريحات مدوية نعرف جيداً انها مليئة بكل شيء الا الحقيقة. فارغة من كل معنى الا الصدى المزعج للفراغ. .. وصلت الى حد سخرية العدو بنا!
إعلان السلطة العودة للتنسيق، بدا للوهلة الأولى وكأنه جراء تسريب لرسالة بعثها المنسّق الأمني الإسرائيلي إلى وزير شؤون التنسيق من الجانب الفلسطيني، عضو مركزية فتح حسين الشيخ. وتداول الرسالة يبدو مثيرا في تفسير حالة الضياع الذي نعيشه بداخل متاهة مليئة بالانهيارات، التي لا نلبث نتحرك نحو مخرج محتمل حتى تنهار علينا. فما تم تداوله بكتاب باللغة الإنجليزية على انه عودة التنسيق الأمني وانتصار السلطة والانجاز التاريخي واعترافها ورضوخها للاتفاقات المشتركة لم يكن الا رد المنسق الأمني الإسرائيلي على رسالة حسين الشيخ بعد أكثر من شهر لكتاب الأخير. حيث جاء كتاب المنسّق الإسرائيلي ليؤكّد على “انّ إسرائيل ستستمر بجباية الضرائب على حسب الاتفاقيات الثنائية بين الطرفين التي لا تزال سارية على الأطراف. وأنّ رفض الجانب الفلسطيني اخذ مستحقات الجباية المترتب على دفع الفلسطينيين لضريبة المقاصة ليس مشكلة الجانب الإسرائيلي، لأنه -على حسب المنسق الإسرائيلي -“وللأسف” ان عدم اخذ أموال الضرائب المستحقة كان قرارا فلسطينيا. “
تساءلت لوهلة عن فحوى الرسالة التي تم بعثها من قبل الجانب الفلسطيني وبدأت بالتخمين حتى جاءني الوزير الشيخ بالجواب اليقين من خلال مقابلة أجراها معه تلفزيون فلسطين، أكّد فيها على انه – الشيخ – كان قد بعث سائلا المنسق ما يلي: “هل ما زالت الحكومة الاسرائيلية ملتزمة بالاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل”؟
سؤال الشيخ للمنسق كان في تاريخ ٧ تشرين الأول، ورد المنسق عليه بما تم الإعلان عنه كانتصار وإنجاز فلسطيني جاء بتاريخ ١٧ تشرين الثاني.
الأكيد، انه لا يمكن فهم ما علاقة أي شيء بالآخر، ولم يعد هناك فرق بين ما تقوم به حكومة السلطة من تصريحات، وفهم الشعب للتصريحات. فكما تقرر السلطة انهاء عقاب إسرائيل بإعادة التنسيق الأمني والاعلان عن افشال خطة القرن بمجرد عدم فوز ترامب بالانتخابات الامريكية، وكأن مشكلة السلطة مع إسرائيل هي أمريكا وتحديداً ترامب شخصياً، وبخروجه ستنتهي مشاكلنا وستحل القضية الفلسطينية وسيستطيع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تخطي الصراع القائم. وكأن إسرائيل ومنسقيها الأمنيين وحكومتها كانت تأخذ التعليمات من أمريكا، ومن بنى المستوطنات هو أمريكا، ومن يداهم ويقتل ويهدم هو أمريكا. وبخروج ترامب سيخرج الشر وستحل الأمور!
وعودة الى الرسالة التي أعلن عنها حسين الشيخ، والتي جعلت الشعب يفهم ان الرسالة تتضمن إعادة التنسيق الأمني. -وهنا عليّ التأكيد انني ظلمتُنا نحن الشعب بإخراج الأمور من نصابها- لأن الامر لم يكن ابدا عدم قدرتنا على ترجمتنا لرسالة المنسق، ولكن ما جرى هو اعلان حسين الشيخ نفسه على صفحته الرسمية ما يلي بناء على الرسالة المذكورة: “على ضوء الاتصالات التي قام بها سيادة الرئيس بشأن التزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة معنا، واستنادا الى ما وردنا من رسائل رسمية مكتوبة وشفوية بما يؤكد التزام إسرائيل بذلك. وعليه سيعود مسار العلاقة كما كان.”
لا يمكن الا ان نسأل: من الذي ترجم رسالة المنسق لحسين الشيخ؟ حتى ترجمة جوجل لا تعطي هذا الانطباع!
بكل جدية اسأل مرة أخرى؟ هل المشكلة بالقيادة التي لا تتكلم الإنجليزية؟ ام المنسق الذي يكتب بالإنكليزية لتضيع الترجمة كما حدث؟ ام المشكلة بالشعب الذي يصدق ترجمة الترجمة التي قام بها صاحب القيادة هنا؟ ام ان القيادة وصلت الى هذه الدرجة من الاستماتة بإعادة التنسيق الذي يعرف الجميع انه لم يتوقف الا من ارجاع الأموال الضريبية لأصحابها، وهو امر تعنتت فيه السلطة ولم يكن لإسرائيل علاقة فيه. حيث تم معاقبة الشعب في تسجيل موقف أرادته السلطة، ورجعت عنه.
وقد نفهم جميعا، أن السلطة تريد ان تجد أي مبرر من أجل إعادة العجلة للوضع السابق لإعلان الرئيس حِلّه من الاتفاقيات، الذي لم يتوقف منه الا أموال المقاصّة كما ذكرت سابقا. بالنهاية، هناك ضرر كبير على السلطة وعلى الشعب من عدم أخذ أموال الناس المستحقّة في ظل ازمة اقتصادية واجتماعية متأثرة ابلكورونا. وقطار التطبيع الذي انطلق بلا أي استحقاق للسلطة، وكأن السلطة تريد اللحاق بذلك القطار قبل تفويتها لمحطات أخرى.
مع كل تخبّطي في محاولة الفهم، بين الاشاعات وتشويه المعلومة وتغريض المنسق الإسرائيلي، كان عند تلفزيون فلسطين واللقاء الخاص الهام الذي أخصّه تلفزيون فلسطين الخبر اليقين.
اعترف بأنني لا أزال أصاب بالصدمة في كل مرة أرى بأمّ عيني وأسمع بأذني ما أسمع. كنت أفضّل أن يكون كل ما فكّرت به وحلّلته وانتقدته مجرد كلام وسائل تواصل لا يمكن التحقق من دقتها.
ولكن … على ما يبدو انّه فاتني الكثير..
هناك انجاز واستحقاق وانتصار واحتفالات … تذكّرتُ اعلان الحرب زمن حرب الخليج ودق طبول الانتصارات التي تمنيناها للعراق.
مذيع تلفزيون فلسطين تكلّم بإسهاب عن “الإنجاز السياسي الهام العظيم الذي حققه الرئيس الفلسطيني في إطار الجهود والحراك الدبلوماسي والسياسي الذي وصل به الرئيس والقيادة الفلسطينية الليل بالنهار بالقيام به (للإنجاز الكبير) وأيضا بالصمود والثبات الذي واجهه سيادته بحكمته وشجاعته في التصدي لما كان يعرف بصفقة القرن التي باتت بكل تأكيد مع هذا الإنجاز السياسي خلف ظهورنا”!!!
هؤلاء يتكلمون بكل جدية. وللتأكيد كان هناك الوزير الشيخ شخصيّاً ليزفّ لنا الانتصار العظيم.
شعرت لوهلة انّ الاحتفال بإعلان وثيقة الاستقلال بالخامس عشر قبل يومين قد تحقق أخيراً وها هو الاستقلال قد اتى!!! عفوا… التنسيق قد عاد!
المذيع قام بقراءة الإعلان الذي قدمه الوزير الشيخ على صفحته بتأكيد كلامه والتشديد على كلمة “مكتوبة” بالنسبة للمراسلات مع الجانب الإسرائيلي. وأعاد التأكيد والتشديد انّ ما جرى – من مراسلة- ” إذن الانجاز الذي ألزمَ إسرائيل بالاتفاقيات الموقّعة برسائل مكتوبة”!
للأمانة، قام الوزير الشيخ بشكرنا نحن الشعب وأعطانا الحق بهذا الاستحقاق والانجاز التاريخي، لأنه لو لا صمودنا وتحملنا مع الرئيس والقيادة جميعها وعدم رضوخنا الذي شجع القيادة على الاستمرار بالمقاومة!
الإنجاز العظيم والتاريخي بالنسبة للوزير الشيخ انّ هذه الرسالة والتي وصلت من قبل المنسق والذي شاركها مع الشعب للتأكيد على الشفافية هي الرسالة الوحيدة والأولى في زمن نتانياهو “مكتوبة وموثقة تعلن التزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة”.
كان هناك تصريحات مهمة للشيخ بصدد هذا الإنجاز والانتصار لشعبنا الفلسطيني وقيادتنا العظيمة متعلقة بعودة الأمور مع الجانب الأمريكي الى نصابها الأولى وان صفقة القرن لم تعد موجودة!! (لا اعرف ما الذي اختلف بإدارات الامريكية المتعاقبة سوى لعب ترامب فوق الطاولة لا تحتها، واعلانه المباشر لكل شيء عبر تويتر، فلا مجال لعدم معرفة ما يجري من ادق التفاصيل الى اكثرها غلاظة). والحقيقة انني لن أتكلم في هذا أكثر، فيكفي مأساوية رسالة المنسق والانجاز غير المسبوق!
بالتأكيد، اننا نتمنى ان يكون بخروج ترامب فرصة لإعادة تصويب العلاقة مع أمريكا وغيرها، ولكن كيف يعقل لقيادة رسمية ان تعلن انتصارها بسبب خروج ترامب مهزوما بالانتخابات، وإعلان هزيمته كأنه انتصار الرئيس الفلسطيني؟ وكأن عشرات ملايين الأصوات التي اسقطت ترامب كانت تصوت للرئيس الفلسطيني؟
ام ان ما يجري هو لوثة الحاجة الى انتخابات؟ هل يمكن ان تعتبر القيادة الفلسطينية انتخابات أمريكا التي أخرجت ترامب هي كذلك انتخابات عامة فلسطينية حسمت لمصلحة الرئيس والقيادة الفلسطينية؟
ستنتهي مشاكلنا بانتهاء مرحلة ترامب.. وكأن من أسقط ترامب هو صمود السلطة الفلسطينية وكبرياء الرئيس.
الان وبذهاب ترامب لن تتم تصفية القضية الفلسطينية، ما جرى هو انتصار كبير! هذه العبارات ليست عبارات مجازية استخدمها. لا انها عبارات تم استخدامها من قبل الوزير الشيخ ومذيع البرامج واكد عليها بخطاب ناري أكثر اشتعالا المحلل الذي تم استضافته في الحلقة الذي أكد ان الرسالة الموجهة من المنسق هي عبارة عن إقرار إسرائيل بالهزيمة!
كنت اظن ان الشعب مسؤول عن الترجمة الخاطئة، وأنّ ما حصل كان تسريباً لوثائق سرّية. وكدتُ اظلُمني وأظلُم الشعب من جديد. ولقد جاء الرد الإسرائيلي سواء من قبل المنسق أو مساعده او الصحافة الإسرائيلية بالاستهزاء كأكبر رد. لأنه للحقيقة، ما الرد الذي يمكن ان ترد به إسرائيل. فمستوى ما حصل لا يتعدى المنسق ومساعده.
مؤسف جدا، ان يصل المستوى الرسمي الفلسطيني بإعلان انتصاراته وإنجازاته بسبب رسالة تلقّاها من موظف تنسيق برتبة عسكرية لا اظن انها رفيعة حتى. وان يتم اهداءها وكأنها انجاز للرئيس.
كان بوسع الرئيس ان يتصل هاتفيا بنتانياهو، والا يرد نتانياهو، ومع هذا يعلن انتصارا اهم من هذا الذي حصل. لأنه بنهاية الامر كان سيكون هناك رسالة او طلب بغض النظر عن الرد او عدمه من رئيس الى رئيس وزراء.
مؤسف ان توصل السلطة نفسها الى هذا المستوى المتدني من الفعل السياسي الذي لا يرقى حتى الى مستوى روابط القرى في القرن الماضي من حيث التنسيق والتدبير.
اكاد أقول ان ما جرى من اعلان لانتصار وإنجاز مؤسف ومجحف حتى بحق الرئيس الفلسطيني ولا يرضه له حتى من يكرهه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 55 / 2184582

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع ناديا حرحش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184582 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40