لبنان الرسمي والشعبي مربك بشكلٍ مقلق في أزماته المتفاقمة، وخصوصاً تداعياتها في ظواهر العوز والفقر الداهمين.
لم تعد الكتابة سرّاً أو عيباُ في أرجاء الدنيا، وبمعظم اللغات، وخصوصاً في بلدان الخليج العربي الأقرب والأكثر دفئاً، التي طالما شكّلت الحضن النظيف والمنتظم لاستقبال شباب لبنان وتوفير فرص العمل لهم وتحقيق نجاحاتهم قبل الأزمات الضخمة المداهمة التي رمت باللبنانيين مؤخّراً في مثلّث عسير، عبّأ زاويته الأولى تدهور المصارف والاقتصاد المفاجئ، بينما عبّأ الزاوية الثانية «الثورة» أو الحراك كردّ فعل طبيعي على التدهور المريع قبل وصول الكورونا. إنّ لبنان الرسمي والشعبي مربك بشكلٍ مقلق في أزماته المتفاقمة وخصوصاً تداعياتها في ظواهر العوز والفقر الداهمين وصولاً إلى الاهتزاز الأمني والاستقرار. هي أسباب مزمنة كانت تنسلّ خجولة تحت ستائر سياسية لكنها تخفي خلفها الكثير من الأسباب الخطرة الناتجة عن سلسلة تاريخية تناكفيّة في السياسات العامّة والخاصّة التي أدّت إلى تلك الانهيارات الضخمة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية والنقدية.
وأعتقد جازماً بأنّ حاجات الأسر اللبنانيّة التي يداهمها الفقر بوتائر متصاعدة وخطرة تتجاوز ما تقدّم، باعتبارها العنوان الوطني الأوّل أوالسطر الأوّل فيما يفترض أن يكتب أوينشر في الداخل والخارج، خارج السياقات المملّة.
لماذا هذا الإفصاح؟
1- كانت نسبة العاطلين عن العمل، وفقاً للأرقام والنسب الإحصائيّة الرسميّة خلال عام 2018 قد وصلت إلى 12.%، أي ما يمثل 223000 طالب عمل، لكنّها ارتفعت إلى 320000 عاطل عن العمل الكلي أو الجزئي مع حلول نهاية عام 2019. ومع اشتداد الأزمة المالية والاقتصادية والنقدية، في الربع الأول من عام 2020 وتوقف 114000 مؤسسة عن العمل، نهائيا أو مرحلياً، قفز عدد العاطلين عن العمل، الدائمين والمؤقتين، إلى 800000 لترتفع نسبة العاطلين عن العمل حتى نهاية شهر مارس /آذار الفائت إلى 43 % من طالبي العمل.
2- يمكن تقديرعدد اللبنانيين المتضررين من الحراك و«الثورة» أولاً، ومن التزام المنازل ثانياً، ب 700000 عاطل عن العمل، نهائيا أو مؤقتاً، ليصل مستوى الفقر إلى حدود ال 40% من الأسر، التي وصلت أعدادها إلى 500000 أسرة لبنانية أو مقيمة بشكل شرعي، باستثناء اللاجئين والمهجرين.
3- يقدر متوسط العاملين في الأسرة بحوالي 1.7 أي أقلّ من عاملين، وبالتالي نتوقّع أنّ عدد العائلات التي يمكن أن تفقد معيلا لها ستكون ما بين 450000 و 500000 أسرة، إذ يمكن أن يطال الفقر ما بين 1800000 شخص ومليوني شخص.
4- تقدّر كلفة المساعدة لهؤلاء الفقراء ما بين مليار ونصف المليار دولار حتّى نهاية يوليو/تموز 2020. توزّع هذه المساعدات للّذين فقدوا أعمالهم نهائياً أو الذين لا يمكن لهم أن يجدوا عملا، وهناك عجز فاضح في إمكانية إيجاد قروض لأصحاب المؤسسات المتعثّرة.
ما العمل؟
إذا كان العالم يواجه أزمة اقتصادية متفاقمة نتيجة صراع القوى العظمى التي تسعى إلى الهيمنة على معظم مقدّرات الكون، وخصوصاً أمريكا والصين وغيرهما، وتحديداً مع تعاظم أزمة التصدي لوباء كورونا المستشري في العالم، فإنّ 25% من القوى العاملة في هذا العالم سيخسرون وظائفهم لتنضم أسرهم إلى 33% من سكان الأرض الذين يعيشون أساساً دون معدل الفقر المطلق وحتى المدقع، إذ يبلغ معدل إنفاق الفرد اليومي أقل من 4 دولارات يومياً، بما يرفع نسبة الفقراء في العالم إلى ما يتجاوز ال 50% من المقيمين على الكرة الأرضية، أي ما يصيب 4 مليارات نسمة بالفقر.
في ضوء ما تقدّم سيواجه اللبنانيون أزمات أكثر حدة من تلك التي يواجهها مختلف سكّان الكرة الأرضية إذ سوف يرتفع معدل الفقر المدقع إلى ما يزيد على 60% من المقيمين على مختلف الأراضي اللبنانية، وستتزايد أعداد الجائعين من يوم إلى آخر بعد ضمور الإنتاج الزراعي ونضوب الموارد وإقفال المصارف وتهريب الأموال والثروات ورمي معظم الأزمات المستفحلة منذ عشرات السنين على الحكومة الفتيّة التي يفترض أن تحلّ المعضلات كلّها، في ظلّ غياب المسؤولين العملي الذين استنزفوا المال والثروات العامّة وباتوا يتناكفون ولا يتشاركون في ورش الخطط والقرارت المطروحة بما يفاقم العجز المتوقّع والمنتظر يوماً إثر يوم.
RLS
