في الشهيّة النووية ونبرتها المتصاعدة

السبت 19 كانون الثاني (يناير) 2019 par نسيم الخوري

تأسّس هذا النص على جمع أربع ملاحظات/‏‏ملامح شكّلت مربع الشهيّة والنبرة النووية المتصاعدة والتي تذكّرني بالأسطورة الدينية «تؤلّف ولا تؤلّفان» التي تجاوزتها البشرية بسلام نحو الألفية الثالثة. سقطت العلاقات الدوليّة في «قدر» الحروب الباردة فور انتهاء الحرب العالمية الثانية في ال 1945 ولكنّها عادت توقد تحته منذ 1989 تاريخ سقوط الاتحاد السوفييتي:
1- نقل كلام بوتين (18/‏‏10/‏‏2018) حول المخاطر النووية محرّفاً إلى العربيّة. صحّحه لي صديق صيدلي يجيد الروسية كما يأتي: «العقيدة النووية لروسيا دفاعية لا تشمل مبدأ شن الضربة الاستباقية، لكن نظام الإنذار المبكر يرصد لدينا عملية إطلاق الصواريخ النووية خلال ثوان معدودة وفي العالم أجمع... كل معتدٍ، عليه أن يعلم أن العقاب لا مفر منه وستتم محاسبته وسحقه... سيكون ذلك كارثة عالمية بالطبع وسيكون الردّ نوويّاً، لكنّ الفرق بيننا وبينهم أنّهم «قزدخنوت» أي سيفطسون في الجحيم، لكنّنا سنذهب إلى ال «راي» أي إلى الجنة».
من نحن ومن هم؟ لن أذهب في تفسير مفاهيم الجنّة والجحيم التي تتعلق بنبرة موسكو وأوروبا وأمريكا الإسلاموفوبيا والديموجرافيا والإرهاب. إنّ متابعة ما يكتب في العالم موصوم بالأساطير والعقائد الحامية المتنوعة و«هرمجدون» ونهاية العالم، يضع الأرض بين خطرين: الخطر الذرّي (بفتح الذال) والخطر الذرّي (بكسرها).
2- يبدو العالم في نظر ألكسندر زاسبيكين السفير الروسي في لبنان في مقابلة صحفية ( 14/‏‏1/‏‏2018) بأنّه المكان الأكثر خطورة في 2019. «تنتشر مخاوف في دوائر القرار الكبرى، لأنّ سلوك أمريكا وحلفائها الغربيين، يدفع باتجاه الحرب من دون مسؤولية، حتى إن الحديث عن حرب نووية مقبلة من الممكن أن يتحوّل إلى حقيقة بسبب خطأ ما، وهو ما يهدّد البشرية بأكملها». ويضيف: «التهوّر الغربي هو المسؤول، وتحديداً محاولات أمريكا عبر انقلابات في الأنظمة الأخرى معادية لروسيا، وتحريك الجماعات من بقايا النازيين والمتطرفين الطائفيين وتغذية نزعات اليمين في أوروبا بذريعة أزمات اللجوء، ودعم الإرهاب في الشرق الأوسط وشرق آسيا وشمال إفريقيا، وشقّ الكنيسة الأرثوذكسية، وصولاً إلى نشر الدرع الصاروخية على حدود روسيا وإسقاط الاتفاقيات الدولية، وآخرها اتفاقية الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى».
3- «إسرائيل» تغير على سوريا قاصدة إيران المهدّدة بفعل الضغوط والحصار بتسريع التخصيب النووي. إذا اقتربت إيران من القنبلة النووية بعد ستة عقود من التجرجر والتراجع والمماطلة، فقد تنشأ سياسة ردعية جديدة تكبّل «إسرائيل» وتعيد رسم التوازنات والصراعات والتسويات الشاملة في ظلّ الخواف النووي الغامض. لماذا الغامض؟
لإدراج مختصر الخريطة النووية:
أمريكا الدولة النووية الأولى عبر تفجيرها التجريبي في صحراء «نيومكسيكو» ( 16 يوليو/‏‏تموز1945) ثمّ ضد اليابان ( 6 و 9 أغسطس/‏‏آب 1945). حاولت احتكاره قانونياً في الأمم المتحدة عبر مشروع «برنار باروخ»، لكن الاتحاد السوفييتي رفضه ممتلكاً النووي في 1949 ومطلقاً في ال 1957 صاروخ «سبوتنيك» أول قمر صناعي إلى الفضاء. ضمّت السبحة النووية بريطانيا وفرنسا والصين أي الدول الخمس الظافرة بالحرب العالمية الثانية .
صعدت الهند (1974) السلّم النووي، ثمّ باكستان (1998) تطالبان بنزع شاملٍ للسلاح النووي. طغا غموض حول نووية «إسرائيل» وجنوب إفريقيا التي تخلّت مع البرازيل والأرجنتين عن الشهوة النووية بسبب تكاليفها المرهقة لإمكانات الدول المالية والخاضعة لضغوط أمريكية.
وقّعت 14 دولة على معاهدة «تلاتلولكو» في المكسيك بتحريم السلاح النووي في أمريكا اللاتينية وبوشر بتنفيذها في 25 /‏‏1 /‏‏1969. وبعد عقدٍ من المفاوضات الصعبة في الأمم المتحدة، تمّ توقيع معاهدة الحد من إنتاج الأسلحة النووية أو المساعدة على إنتاجها أو الحصول عليها أو نقلها أو انتشارها 1 تموز(يوليو) 1968 وبوشر بتنفيذها في 5 آذار/‏‏مارس 1970. وأعلن الفضاء الخارجي منطقة خالية من السلاح النووي .
4- واضح التسارع النووي وأسلحة التدمير الشامل وارتفاع النبرة النووية. نحن نبحث عن جواب غير الذي أعلنه صموئيل هنتنجتون مؤلف «صراع الحضارات» الذي تخيّل أن نزع السلاح يفترض حكومة عالمية مسلّحة بما يتخطى نوايا الدول واستراتيجيتها في الحروب بسبب الاختلافات العقائدية والمصالح، وتكون قادرة على ردع الدولة المعتدية على أخرى، مع أنها حكومة ستوصم حتماً منذ الآن بالديكتاتورية المطلقة.