ليس هناك من عددٍ للأحزاب والجمعيات التي تطالب بإسقاط النظام في لبنان منذ 17 أكتوبر. لا قيادة ظاهرة، بل إرباك رسمي للقابضين على الدولة وضياع واتهامات ويافطات ومظاهرات وشلل. هناك ظاهرة شبابية ونسائية جاذبة بفصاحتها وقوة رفضها وثورتها تتطلّع إلى التغيير الشامل.
لكن هناك ما هو أخطر: علاء أبو فخر الشهيد الأوّل للثورة في لبنان على مشارف بيروت عند مثلث خلدة المدموغ فوق ذاكرة لبنان بوجه الاحتلال «الإسرائيلي» في ال1982.
هل يخطو لبنان نحو مرحلة الدم لا سمح الله بعد مراحل الصدمة والتنظيم والإعلام والفوضى؟
1- نشبت الحروب اللبنانية بين 1975 و1982، وتحوّل لبنان الساحة المفتوحة على العالم في كتلتين: الجبهة اللبنانية والحركة الوطنيّة يمثلان أحزاباً وتجمعات سياسية وطوائف ومذاهب وجمعيات بلغ عددها 719 في ال 1976، غابت الدولة حتى ال 1989.
2- وبهدف إثبات تاريخي لعدد الأحزاب والجمعيات في لبنان، قمت في ال 1996 مع طلاب جامعيين بدراسة توثيقية استندت فيها إلى حادثين مهمين متشابهين ومتباعدين في الزمان، لكنهما جاذبين للرأي العام سلباً أو إيجاباً: إغتيال بشير الجميّل في 14 أيلول 1982، قبل تسلّمه رئاسة الجمهورية، ووفاة باسل حافظ الأسد بحادث سيّارة في 22 كانون الثاني 1994. رصدنا أسماء المستنكرين والمعزّين في ثلاثة صحف لبنانية (النهار، السفير، الديار) خلال عشرة أيام بعد الحادثين، ووصلنا إلى تدوين 830 حزباً وتنظيماً سياسياً وجمعية في لبنان، وخلاصة ثابتة أنّ الجمعيات هي بنات الأحزاب والطوائف والمذاهب والعائلات والهيئات العربية والإقليمية والدولية في لبنان.
وللمفارقة، عثرنا على أحزابٍ مرخّصة أو سرّيّة لا يتعدّى المنتسبون إليها سوى ثلاثة أشخاص مع الرئيس الذي هو الأمين العام والناطق الرسمي باسم الحزب ومعه مرافق و/أو سائق ويتصرّف في الحياة العامّة ويصرّح ويعقد مؤتمرات صحفيّة وكأنه رئيس لحزب ضخم.
3- تصوّروا، تأسست بين 2008/9/18 و2009/9/17، 884 جمعية في لبنان أي بمعدّل ثلاث جمعيات في اليوم، إذا احتسبنا أيام الدوام الرسمي. وعندما دقّقنا في الجدول الإحصائي الرسمي لعدد الجمعيات في لبنان تجاوزنا ال 7000 جمعية. لماذا؟
لأن قانون تأسيس الجمعيات في لبنان يعود إلى العام 1909 أي إلى 110 سنوات قبل الاستقلال؟ لا تحتاج الرخصة بمقتضى المادة السادسة منه سوى التأسيس، ثمّ تقديم طلب لوزارة الداخلية والممارسة ثم الحصول على العلم والخبر ولو متأخّراً. لا فرق في لبنان كبيراً بين حزبٍ وجمعية.
4- منذ «ثورة الأرز» وما يسمى «الربيع العربي»، راجت في لبنان وفي الجامعات ثقافة الخروج من المناهج التقليدية الصدئة نحو أطنان «الكراريس» المقتضبة والكتيبات والنشرات والدعوات والمحاضرات والمقابلات الإعلامية والشعارات التي كانت تتدفّق على صناديق البريد وتحت الأبواب وعبر برامج الإعلام والمؤتمرات والأنشطة الكثيرة التي غرقت فيها وزارة الشؤون الاجتماعية، وتدور في معظمها حول عناوين جاذبة للشابات والشباب مثل:
اقرأ دستورك. كيف تنشئ الجمعيات؟ الطريق نحو الديمقراطية، جمعيات المجتمع المدني ودورها في التغيير، تحديث الإدارات ومكننتها ومراقبتها ومحاربة الفساد بهدف إصلاح النظام البائد، ثمّ تغييره، وتوجز تقارير المشاريع الكثيرة في التنمية المستدامة والحرية والديمقراطية والبطالة وحقوق المرأة والطفل والشيخوخة والمعوقين. جذب شباب وشابات لبنان عناوين وشعارات مغرية مادياً وسياسياً واجتماعياً ترعاها وكالات التنمية والدول المعنية بالشرق الأوسط الجديد وبرامج الأمم المتّحدة بمساعداتها وهباتها ومستشاريها تموّل وتدرّب أعضاءها وتجمعهم في مؤسسات وجمعيات غير حكومية أوهيئات تطوعية حاملة لبرامج التوعية والتثقيف، والتماسك والاندماج الاجتماعي ونبذ الطائفية. وبات لأفراد الجمعيات ثيابهم وقبعاتهم وشعاراتهم الظاهرة.
كانت لافتة صورة لطالبة دكتوراه على الفيسبوك بالبزّة العسكرية وتصوّب بندقية حربيّة للرماية الحيّة. سألتها، قالت: أنتمي إلى جمعية أممية والتدرب على السلاح من ضمن البرنامج. أسافر كثيراً وراتبي يتجاوز راتبك في الجامعة. قالت، هناك مئات الجمعيات المدنية الناشطة في لبنان الجاذبة لها مقارّها ومدراؤها الأجانب وبرامجها.
التغيير أكثر من مقدّس في نظري، لكنه يتيه في لبنان بين الآباء والأبناء وبين الداخل والخارج.
السبت 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019
موقع التغيير في لبنان
السبت 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019
par
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
12 /
2183464
ar أقسام الأرشيف ارشيف المؤلفين نسيم الخوري ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
18 من الزوار الآن
2183464 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 19