في شهر يونيو المقبل سوف يكون قد مر عامان على تعيين مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى ليبيا، الدبلوماسي اللبناني السابق، غسان سلامة (يوم الجمعة 16 يونيو 2017). وإذا ما تفحصنا ما أسفرت عنه جهوده التي بذلها طوال هذه الفترة، لإعادة الأمن والاستقرار إلى ليبيا وانتشالها من حالة الفوضى التي تردت إليها منذ قيام حلف الناتو بإشعال النار فيها أولا، قبل التحول لشن الحرب الجوية عليها لتغيير النظام، فسنجد أن الحصاد يكاد يكون صفراً.
وعلى ذلك، وفي ضوء النتائج المتواضعة التي أسفرت عنها هذه الجهود، فليس بعيداً أن يعود الأمين العام للأمم المتحدة، بأمر من الثلاثي، الأمريكي، البريطاني، الفرنسي، لتعيين مبعوث جديد محل المبعوث الحالي، الذي قد لا يكون الأخير، إذا لم يكن ترشيحه هذه المرة حصيلة توافق القوى الكبرى الرئيسية النافذة في الملف الليبي، وتحديداً الشق الأهم فيه المتعلق بطريقة تقاسم الحقول النفطية والغازية الحالية والقواطع البرية والبحرية الاستكشافية.
معضلة الملف الليبي ليست وليدة اليوم، أو أحداث فبراير 2011. ليبيا كانت مقسمة الى مناطق نفوذ قبلي وجهوي منذ ما قبل الاحتلال الإيطالي لها. هنا سوف نتذكر مشروع بيڤن سيفورزا الخاص بليبيا الذي قدمته بريطانيا وإيطاليا للجمعية العامة للأمم المتحدة في صورة قرار في 10 مارس 1949، والذي كان يقضي بفرض الوصاية الإيطالية على طرابلس والوصاية البريطانية على برقة والوصاية الفرنسية على فزان، على أن تمنح ليبيا الاستقلال بعد عشر سنوات من تاريخ الموافقة على مشروع الوصاية، لكن مؤامرة التقسيم هذه فشلت في استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي قررت، على الضد من ذلك، منح ليبيا الاستقلال في موعد لا يتجاوز يناير 1952.
لكن هؤلاء اللاعبين، الاستعماريين القدماء، عادوا اليوم إلى ليبيا عبر الناتو وعبر أدوات محلية، وهم لن يخرجوا منها الا وفي أيديهم إضبارات العقود النفطية والغازية، ولو أمكن أيضا، أشكال مختلفة من التواجد العسكري والأمني.
وإلى أن تحين تلك اللحظة، فإن فشل المبعوث الأممي الحالي إلى ليبيا، يبقى محتَّما..لأن كل الوقائع المرئية والكواليسية تدلل على أن «الكبار» الذين يريدون تقاسم «الكعكة» الليبية، لا يبدو أنهم جاهزون لتبادل التنازلات والتوصل الى«صفقة» تقسَّم بموجبها أنصبة الثروة والنفوذ.
في السابق كان الكبار هم الذين يتفاوضون بصورة مباشرة على تقاسم الأراضي ومناطق السيطرة والاستحواذ الثرواتي (اتفاق سايكس-بيكو مثالا). أما الآن في القرن الواحد والعشرين، حيث لا يريد الكبار الظهور بمظهر المستعمر القديم الذي تسبقه سمعته السيئة، فيوكلون الى من يدفعون لهم (عبر مساهماتهم الكبرى في تمويل الأمم المتحدة ومنظماتها)، وهم موظفو الأمم المتحدة، لكي يقوموا بهذه المهمة نيابة عنهم، فيرفع هؤلاء تقاريرهم للكبار عن مدى إمكانية تجهيز الأطراف المحلية (في الحالة الليبية، ممثلو القبائل والمصالح الجهوية)، لإبرام الصفقة النهائية.
حتى نطاق العمل (Scope of work)، ونطاق التفويض أو التكليف (Mandate)، يحددهما هؤلاء «الكبار» للمفوضون أو المندوبون أو المبعوثون الذين يعينهم الأمين العام (بموافقة الكبار)، وليس الأمين العام للأمم المتحدة، الذي هو نفسه يزاول وظيفته بموجب تفويض وظيفي محدد. ونطاق العمل، ونطاق التفويض، محصوران فقط في العمل على تجهيز الأرضية لإبرام الصفقة النهائية. ومبعوث الأمين العام الحالي للملف الليبي، لا يستطيع، على سبيل المثال، مقاربة موضوع في غاية الخطورة، مثل البت في مصير مليارات الدولارات التي كانت مودعة في البنوك البلجيكية والبنوك الغربية الأخرى والتي تعود للدولة الليبية.
كثرة المبعوثين للدولة محل الأزمة (6 ليبيا، 4 سوريا، و 3 اليمن)، يعني أن إرادة «الكبار» (تحديداً الولايات المتحدة وبدرجة أقل روسيا)، لم تحسم موقفها بعد لإنهاء ما يسمى في لغة السياسة والدبلوماسية «حالة استدامة إبقاء الوضع على ما هو عليه». حين يحصل ذلك سيجد المجتمع الدولي نفسه، وقد دُعي على عجل للتصويت على قرار (متفق عليه سلفاً، وبموافقة ضمنية أيضاً من أطراف الصراع المحلية) في مجلس الأمن، يتضمن حلاً ينهي الأزمة.
الجمعة 1 آذار (مارس) 2019
الفشل الأممي في ليبيا
الجمعة 1 آذار (مارس) 2019
par
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
62 /
2183405
ar أقسام الأرشيف ارشيف المؤلفين محمد الصيّاد ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
21 من الزوار الآن
2183405 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 22