بدل أن نعتبر انخفاض أسعار البترول في هذه المدة إشارة حاملة للمستقبل ينبغي أن نبني عليها محاولة تكيفنا معه بمختلف سيناريواته المحتملة، تجدنا نسير باتجاه تطمين الناس بأن لا شيء سيتغير، وأن الأمور ستستمر على حالها ولا خوف علينا من الغد، وكـأننا نُنتج ما نستهلك ولدينا من القدرة على الاكتفاء الذاتي في جميع القطاعات لعقود من الزمن، أو أن المستقبل صديقنا ولن يغدر بنا أبدا...
مشكلتنا اليوم تكمن في هذا النمط من التفكير: إما أننا نخاف من المستقبل خوفا غير مبرر يدفعنا باتجاه منع أنفسنا من الحركة ومن المبادرة ومن الحديث عنه، أو أننا نثق فيه ثقة عمياء وكأنه لن يفاجئنا أبدا.
والواقع أن التعامل مع المستقبل ينبغي ألا يكون لا بهذه الصفة ولا بتلك، بل بصيغة كيف نعيد صناعته باستمرار بما يتناسب وحاجات الأجيال القادمة انطلاقا من معطيات اليوم والغد؟ كيف نحقق المشهد المستقبلي الذي نريد لبلادنا في العشرين أو الخمسين سنة المقبلة انطلاقا من الإشارات الحاملة للمستقبل التي نراها اليوم وإن كانت مؤلمة أو سيئة أو غير مُطَمْئِنة؟ كيف نشرع انطلاقا من ذلك في بناء الغد الذي نريد؟ أي كيف نستغل أي إشارة حاملة للمستقبل مثل الانخفاض المفاجئ لأسعار النفط، أو التهديد الأمني الوشيك، لنُطلق تفكيرا جماعيا مهيكلا تُشارك فيه كل شرائح المجتمع من أبسط مواطن لديه حلم يريد أن يحققه إلى أعلى خبير يمتلك المعطيات والأدوات المنهجية، للدفع بالمجتمع للمشاركة في صناعة مستقبله بنفسه من خلال اختيار الأفضل من بين البدائل المطروحة أمامه وتبنيها والتفاعل معها إلى أن تتحول إلى واقع ملموس هو المستقبل الذي يريده لأبنائه.
هذا هو المنهج الذي ينبغي أن نتعامل به مع بوادر أزمة تلوح في الأفق، من غير تهويل ولا تخويف ولا طمأنة زائدة على الحدود قاتلة لكل مبادرة قادرة على الفعل والتحدي.
هذا هو المنهج الذي يبعدنا عن الأسلوبين الخاطئين اللذين ما فتئنا نتعامل من خلالهما مع التحديات: أسلوب النعامة التي تضع رأسها في التراب كلما أحست بالخطر الداهم، أو أسلوب رجل المطافئ الذي يبقى في انتظار أن يشب الحريق ليسارع في حالة استعجالية لإطفائه كما نفعل باستمرار عند تعاملنا مع الأزمات المختلفة...
كلا الأسلوبين ينبغي أن يُستبدلا بنظرة استباقية تقوم على الاستعداد المستمر لأي تغيير قادم، على يقظة إستراتيجية دائمة تستشعر عن بعد المخاطر القادمة، لا على تطمين غير مبرر للناس بأن ناموا كل شيء بخير، المستقبل صديقنا..