الأحد 13 كانون الأول (ديسمبر) 2020

الأزمة الاقتصادية في الضفة والقطاع

الأحد 13 كانون الأول (ديسمبر) 2020 par علي بدوان

لا شك بأن الأزمة الاقتصادية التي يَمُر بها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقطاع، فضلا عن سوريا ولبنان، والضائقة التي تَمُر بها السلطة الوطنية الفلسطينية، قد تضاعفت وازدادت، مع انتشار جائحة كورونا (كوفيد 19)، وانتشار تلك الجائحة بشكل كبير دون وجود مقوِّمات جيدة لمكافحة تلك الجائحة، وفقدان الأسانيد التي تساعد فعليا على الحد من انتشارها. وقد عبَّرت وكالة الأونروا عن ذلك بصراحة وشفافية عبر نداءاتها الأخيرة التي أطلقتها للدول المانحة، وعموم الأسرة الدولية، لمد يد المساعدة لها حتى تتمكن من الحد من انتشار تلك الجائحة ومكافحتها حيث أمكن. فقد أكدت الوكالة في بيانها الأخير قبل أسبوعٍ واحد من كتابة هذه السطور، وعبر اجتماعها (الافتراضي) في العاصمة الأردنية برئاسة المفوض العام فيليب لازاريني، للدول المشرفة (لبنان + الأردن + سوريا + مصر + السلطة الوطنية الفلسطينية) والدول المانحة عن الحاجة الماسة لرفع الميزانية الخاصة والمتعلقة بمكافحة فيروس (كوفيد 19) في عموم مواقع اللجوء الفلسطيني في الداخل والشتات.
إن الواقع الصعب للشعب العربي الفلسطيني، من الزاوية الاقتصادية والمعيشية، تفاقم بشكل مروع خلال الفترات الأخيرة، وعلى سبيل المثال، وحسب التقديرات، واستنادا إلى معطيات مكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني، فإن نصف مليون فلسطيني تقريبا في الضفة الغربية فقدوا مكان عملهم وغرقوا في ديون من جراء الأزمة المتولدة عن جائحة كورونا. وتزايد أعداد العاطلين عن العمل الموجودين في حالة “بطالة مزمنة”، منذ بداية الأزمة، بداية آذار/مارس 2020. أما فلسطينيي الشتات، خصوصا لبنان، ونسبيا سوريا، فحدث ولا حرج، فجائحة كورونا تضرب مخيمات وتجمعات فلسطينيي لبنان، وليس لهم من معيل سوى وكالة الأونروا، والهلال الحمر الفلسطيني بإمكاناته المتواضعة، وهو ما زاد من تفاقم أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية إضافة للوضع الصحي.
وحقيقة، إن تلك الأزمات الاقتصادية والمعيشية، لم تتأتَّ نتيجة جائحة (كوفيد 19) وحدها فقط، بل كانت بالأساس تتدهور نتيجة عدة عوامل:
أولها: وضع سلطات الاحتلال الإسرائيلي يدها على أموال (المقاصة) الخاصة بالضرائب المجباة جراء دخول البضائع أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، والتحكم بها، واستغلالها للضغط السياسي على السلطة الوطنية الفلسطينية، واحتجاز تلك الأموال لفترات طويلة كما حدث في الأشهر الأخيرة، قبل الإفراج عنها بعد صعود الرئيس الأميركي الجديد (جو بايدن).
ثانيها: مضايقات الاحتلال الإسرائيلي، والتأثير السلبي على المستثمرين الفلسطينيين القادمين من خارج فلسطين، ومعهم سيولة مالية، تُمكنهم من بناء المشاريع الإنتاجية، وتشغيل اليد العاملة، حيث لعبت مضايقات الاحتلال الإسرائيلي دورا كبيرا في “تطفيش” وخروج أصحاب رؤوس الأموال، وفشلهم في بناء مشاريع إنتاجية في الضفة الغربية والقطاع، وبالتالي حرمان قطاعات واسعة من الفلسطينيين من فرص العمل التي توفرها تلك المشاريع.
ثالثها: اتفاق باريس المُجحف، والموقع بين السلطة الوطنية الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1994، وهو الاتفاق الذي ربط الاقتصاد الفلسطيني باقتصاد دولة الاحتلال الإسرائيلي، ووضعه تحت رحمته. وبالتالي لا بد من إعادة النظر بهذا الاتفاق، وإعطاء الاقتصاد الفلسطيني استقلاليته، باعتباره اقتصاد الكيان الفلسطيني، الذي كان لزاما استقلاليته بعد انتهاء الفترة الانتقالية وفق أجندات (أوسلو) عام 1995، ليصبح اقتصاد الدولة الفلسطينية، مستقلا تماما عن اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي، وعن سياسة دولة الاحتلال الإسرائيلي الإلحاقية للاقتصاد الفلسطيني.
رابعها: تباطؤ تدفق الأموال من الدول المانحة والمتبرعة إلى الميزانية العامة لوكالة الأونروا، بل وشحها، أمام المهمات الكبيرة الملقاة على عاتقها، وأشير إلى أن كاتب هذه السطور من لاجئي فلسطين في سوريا الذين يتلقون المساعدة الطبية من الوكالة، لكن تلك المساعدة (أدوية) تراجعت مع تراجع الميزانية العامة للوكالة، واتساع مهماتها وواجباتها في مجتمع لاجئي فلسطين في الداخل والشتات.
أما على الضفة “الإسرائيلية”، وبحسب المسؤولين في جهاز “الأمن الإسرائيلي”، فإن انتشار فيروس كورونا، وتفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي في الضفة الغربية والقطاع، غيَّر صورة الوضع، واعتبروا أن سيناريو انهيار السلطة الفلسطينية واندلاع موجة مواجهات واسعة في أعقاب ذلك “بات أكثر واقعية”، وكما يقول العرب نقلا عن الإمام علي كرم الله وجهه: “الجوع كافر، ولو كان رجلا لقتلناه”.
إن خشية وهلع المسؤولين في جهاز “الأمن الإسرائيلي” يتمحور حول النتائج التي قد تتمخض عنها تلك الأزمات في الوسط الفلسطيني، فالأزمة الاقتصادية تشتد، وتردي الوضع الاقتصادي يُمكن أن يقود إلى انفجار الوضع في الداخل، لذلك يقترح العديد من قادة أذرع الأمن في دولة الاحتلال الإسرائيلي التخفيف عن الفلسطينيين في مواجهة الأزمة الاقتصادية، الناجمة عن وباء كورونا، والتي يصفها المسؤولون “الأمنيون الإسرائيليون” بأنها “الأخطر في العقد الأخير”، وفي سياق المواجهة مع الفلسطينيين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 436 / 2183441

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2183441 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40