السبت 28 آذار (مارس) 2020

كورونيات

السبت 28 آذار (مارس) 2020 par عبداللطيف مهنا

بأمر من الجنرال كورونا بات ما يقارب أغلب آهلي هذه المعمورة الآن قيد الحصارات، أو رهناً للاعتقال البيتي، وقد يلحق بهم بعد أيام بقيتهم.. هذا يعني، ومن أسف، أن عالمنا سيجرّب بعضاً مما كابده الفلسطينيون على مدى قارب القرن من حصارات واغلاقات تعددت أشكالها، ومنع تجول يكاد يكون شبه دائم، واعتقالات ومداهمات لا تلتفت لما يبررها، أما ساحاتها فقد تعددت، سجوناً، وبيوتاً، ومدناً، وقرى، ومخيَّمات، وعلى مساحة وطن هو أسير بكامله، وكله بات معتقلاً كبيراً..

لذا، الفلسطينيون أكثر الناس إحساساَ بما يصيب عالماً هم جزء منه ولا يستثنيهم، ويأملون أن يتكاتف كله لمواجهة جائحة تستهدفه جميعه، فيضع حداً لانفلات غائلة الجنرال كورونا.. لكنما لا يأملون من هذا العالم، وقد جرَّبوه طويلاً، أن يلتفت يوماً ما لما يفعله الجنرال احتلال بهم.. وكل ما يتمنوه هو أن يكف بعضه عن دعمه، وبعضه الآخر عن التواطؤ معه، وما تبقَّى منه مجرَّد الالتفات، وأقله عدم الإشاحة.

- الكورونا والنووي والبزنس!

قبل مئة عام، وبعيد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها مباشرةً، وحتى قبيل خروجه من تحت أنقاض دمارها، غزاه وباء نافسها فتكاً. لم ينج منه ما بين الخمسين إلى المئة مليون إنسان، أو ما قارب ضعف من قضوا في تلك الحرب المدمّرة. عرف من حينها بالإنفلونزا.
فيروس الكورونا من جنس الإنفلونزا، الأخير قضى بسببه العام الماضي في أوروبا عدداً أكبر مما فعل الكورونا حتى الآن. المختلف بينهما أن الجديد أكثر سرعةً من الأقدم وتباريه وتسبقه آلة إعلامية أسرع منه ولا تقل عنه فتكاً.
والعالم هو ذات العالم، المختلف أنه الآن الأكثر تطوّراً، علماً وإمكانات، والأفقر إنسانيةً، والأقل تعاوناً، والأكثر جشعاً.. الأكثر سرعةً وقدرةً على توظيف هذه الجائحة الأقوى من ترساناته النووية، سياسياً ودعاوياً، واقتصاديا، وعلى مذهب الترامبية الأميركية.
..وبدلاً من التعاون لدرء خطر يتهدد الجميع، اندلعت حمّى المنافسة، حاول ترامب السطو على المختبرات الألمانية، وشركات الأدوية، الأوروبية، والأميركية، والصينية، واليابانية، والروسية، وقريبا قد نسمع عن الهندية، تتسابق الآن للفوز بقصب السبق في اكتشاف اللقاح الكفيل بإيصال مكتشفه قبل سواه إلى مليارات أسواق عالم بات يخضع الآن في أربع جهاته لمنع التجوُّل!!!

- ألكورونا والاتحاد الأوروبي!

ليست اعراض الدونية والتبعية والاستلاب في حضرة فعالية الإختراقات الأميركية المعهودة هي العوامل الوحيدة لبادي الارتباكات ومظاهر الضعف والتراجع الضاربين اطنابهما في الوزن والحضور السياسي الدولي للاتحاد الأوروبي.. سبع وعشرون سياسة لسبعٍ وعشرين دولة تشكّل جزراً بهذا العدد سابحةً وفق مصالحها داخل بحيرة وحدته متلاطمة الأمواج، والتي يتهدد قلبها تضارب المصالح وضفافها أعاصير التحوُّلات الكونية المتسارعة.
.. إلى جانب النزوح البريطاني باتجاه عراه وروابطه الأنجلوسكسونية، فوحدهما اجتياحا الهجرة والكورونا تكفَّلا بافتضاح وهن عرى هذه الوحدة.. مشكلة الاتحاد الحقيقية، والقارة العجوز إجمالاً، والذي لم تتوحَّد جزره حتى في مواجهة كورونا، هي أن حصاد كل ما تقدم يصب كله في طاحونة الشعبوية التي باتت تطل برأسها بقوة في بيئة امتلكت وحدها تاريخياً امتياز انطلاق فيروسات أشد وأدهى فتكاً من الكورونا.. الاستعمار والفلسفات العنصرية والفاشية..

- جعجعة كورونية مزمنة!

عندما كانت البندقية في كف الفدائي، توافد شباب الأمة من مشارقها ومغاربها للالتحاق بقواعد الفداء المناضل، وما كان لأحد، وهي في ذاك الكف، أن يجرؤ حينها، وفرداً كان أم نظاماً، على نفض يده من قضية الأمة المركزية في فلسطين.
وعندما أسقطت الانهزامية التسووية هذه البندقية، وأحالت المناضلين إلى متقاعدين، نفض النافضون أيديهم من القضية، وتآمر المتآمرون عليها، وطبَّع المطبّعون، وجهر المتصهينون سراً بصهينتهم علناً، وغدت اللعثمة الخيانية جعجعةً وقحة وفاجرة على طريقة جعجع..
لذا وما الغرابة في أن يحتجز الأشقاء المصريون قارب صيد فلسطيني قبالة ساحل غزة التي يساهمون في حصارها، أو ألا يجد عميل من مثل جعجع بأساً في أن يستغل جائحة كورونا فيطالب بعزل فلسطينيي اللجوء في لبنان ووضعهم جميعاً تحت طائلة الحجر..
.. تذكروا، قبل جعجع وصف الوزير نيقولا فتوش الفلسطينيين في لبنان ب“النفايات البشرية”.. هذه اعراض حالة كورونية انعزالية عميلة ومزمنة تلتاث هؤلاء الانعزاليين المتصهينيين تاريخياً ولا ولن تفارقهم..
.. ولكن لا تنسوا أيها الفلسطينيون أن للبنان الشقيق وجه آخر هو المشرق دائماً، لأنه المقاوم والمنتصر للبنان ولفلسطين ولأمته وهو الأبقى، وما ينطبق عليه ينطبق على هذه الأمة بأسرها..

- إنسانية الغرب.. أسئلة لا تبحث عن إجاباتها!

أكثر من يتحدَّث عن الديموقراطية، وحقوق الإنسان، وحماية الأقليات، ومحاربة الإرهاب، في عالمنا هو الغرب. وأكثر من يستخدم كل من هذه وتلك انتقائياً، بمعنى، كلمة حق يراد بها باطلاً، أي توظيفها في خدمة عدوانية استعمارية متأصلة ضد ما يعني عنده الآخر، الذي هو عداه، ولا يخضع لهيمنته، وبالتالي عدوه، وقد يستثنى منه التابع والخانع مؤقتاً، أي ما دامت له فيه حاجة، هو الغرب.. الغرب الذي لا يسأل نفسه أبداً، ولا هو في وارده، الأسئلة التالية:
من ذا الذي أباد في القارتين، اللتين صدف وأن اكتشفهما فكانتا بالنسبة له قارتين جديدتين، بمعنى أنهما قبلها عنده كانتا غير موجودتين، فاسماهما عندما عثر عليهما الأميركيتين، الشمالية والجنوبية، وسمَّى أهلهما الأصليين لخطأ جغرافي وقع فيه هنوداً، ثم ميَّزهم بأن جعلهم حمراً.. أباد في الشمالية فقط 100 مليونا، وفي الجنوبية 50 مليونا؟
ومن ذا الذي ليستعمرهما استعبد الأفارقة فاصطادهم وساقهم رقيقاً مقيَّدين في أصفادهم مكدسين في سفن قراصنته عبر الأطلسي، فأباد بالتالي 180 مليوناً 77% منهم ماتوا في الطريق، فألقي بجثثهم في اليم، أي قبروا في المحيط، أو ما سبق وأن اسماه العرب بحق بحر الظلمات؟!
ومن ذا الذي أباد من أهل ما اسماها استراليا، أو أصحابها الأصليين، 20 مليوناً.. ومن ذا الذي لم يتورَّع عن شن فضيحة أسمها حرب الأفيون على الصين؟!
.. ومن هي القارة التي ما من غيرها، إلى جانب لوثتها الاستعمارية، فرَّخت فيها ونمت أبشع صنوف الفلسفات العنصرية والفاشية، ومنها النازية والصهيونية، واشعلت حربين كونيتين في قرنٍ واحدٍ أبيد في الأخيرة فحسب خمسون مليون إنسانٍ، ومن ذا الذي ألقى بقنبلتيه النوويتين على مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين فأصبحتا أثراً بعد عين؟!
وفيما يخصنا، من هو هذا الذي اصطنع اسرائيله في احشاء أمتنا ليفصل مشرقها عن مغربها وتكون ثكنته المتقدمة في بلادنا.. اسرائيله، التي يعدها امتداده العضوي، والتي ارتكب صهاينتها منذ أن افتعلوا كيانها 70 مجزرةً، ومسحوا من الوجود 531 قرية فلسطينية، ويعيش الفلسطينيون منذ ما ينوف على السبعين عاماً على افتعالها محرقةً مستمرةً؟!
.. واستطراداً، من ذا الذي كبَّد الجزائر لكي تتحرر من ربقته، وعبر ثلاث ثورات، أكثر من مليونين ونصف شهيد، والعراق، حصاراً وغزواً وما بعدهما، ما لا يقل شهداء عنها.. من الذي رعى الكارثة السورية التي تقترب من العقد، وبالمباشر تعهَّد الليبية، ولا ينفك يشد على أيدي تحالف المتصهينين النفطيين لإدامة ويلات المصيبة اليمنية المريعة؟!
.. هذا غيظ من فيض ما لحق بأمتنا، عددنا منه هنا أمثلة لا يمكن إلا أن نعرّج عليها لجسامتها، وما دونها كان الكثير الذي لم نتعرَّض له ولم تسلم منه بقعة واحدة منها.. وبعد هذا يتحدثون عن الإرهاب الذي اصطنعوه حين تسببوا أصلا به، ورعوه ليستخدموه، وسمَّنوه ليزعموا من بعد محاربته، وفي نفس الوقت، وبلا خجل، يطلقونه على من يواجه عدوانيتهم ويقاومها..
.. في بلادنا مثل شعبي يقول: “القوي عايب”، وهذا العايب كرتوني، ومثله يقاوَم ولا يساوَم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2183450

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2183450 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40