الأحد 14 شباط (فبراير) 2021

الملتقيات وتكاذب الملتقيين!

الأحد 14 شباط (فبراير) 2021 par عبداللطيف مهنا

يلتقي الآن تحت رعاية مصرية في القاهرة أربعة عشرة فصيلاً فلسطينيا، هي ما تدعى فصائل المنظمة مضاف إليها حماس والجهاد الإسلامي، وإن شئنا الدقة، تلتقي هناك فتح /السلطة وحماس ومعهما اثني عشرة فصيلاً.. فرادة هذا الملتقى هي في كون جدوله، وهو معروف لكم، هو جوهراً ذات ما تنادت من أجله سائر الملتقيات العديدة السابقة، ولذات الملتقين، وفي ذات المكان.. هل منكم أحداً يتذكَّر عددها؟!

وإن شئتم فبإمكانكم أيضاً إضافة ملتقيات أخرى من جنسها.. مكة المكرمة، وصنعاء، والدوحة، وغزة، وبيروت، وحتى اسطنبول.. واستطراداً، لا تبخسوه، وهو آخرها، حق مشاركته سابقاته ذات تفرُّدها التليد، لجهة ذات الهوبرة والعراضة الوحدوية التصالحية التي تسبقها، وتليد التكاذب المعتاد إبانها، وعين ذات التوافق الذي ينساه متوافقوه فور انفضاض ملتقياتها..

الفلسطينيون، وأعني ما خلا الملتقين، مترعون بمرارات هذه المرحلة التصفوية الأخطر التي تواجهها قضيتهم ووجودهم الوطني برمته، ولا أظن أن أحداً منهم ينتظر من هكذا ملتقيات تحكمها ذات الأدوات والمسارات ارتفاعاً يداني مستوى ما يواجهها..
ولو وجدت ما يدفعني كفلسطيني للكتابة عن هذا الذي هو آخرها، لوجدتني أعيد ما كتبته حول أولها.. المشكلة ليست في جداولها وإنما في مكان آخر يعيه الفلسطينيون ويزوَّر عنه تكاذب الملتقين..

على مدى أيام ما بين الرابع والسادس من تشرين ثاني/ نوفمبر العام 2007 عقد في دمشق “ملتقى المثقفين العرب والفلسطينيين”، وكمشارك كانت لي مداخلة لو أنها قيلت اليوم وليس الأمس، لأعدتها حرفياً، ولما وجدت ما أضيفه إليها، وعليه، وأزاء هذا الملتقى القاهري الأخير إعيد نشر تلك المداخلة نصاً :

- مداخلة في ملتقى المثقفين العرب والفلسطينيين

دمشق – 4/6/11/2007م

سأحاول أن اتعرض فحسب لنقطة واحدة اعتقد انها لم تأخذ حيزها المفترض بعد في هذا الملتقى وإن هي مرت ضمناً وتعرَّض لها الدكتور عبد الله الأشعل سريعاً، وسأعفيكم ما استطعت من تكرار ما سبقني إليه الزملاء….

يفترض أننا هنا ننطلق من موقع المثقف الملتزم بقضية شعب ومصير وطن، بل المعني بوجود وطني برمته هو قيد التهديد، اضافةً لهموم أمة بكاملها… ننطلق من موقع الحامي المفترض لما اصطلح عليه ذات يوم بما يعرف بالمنطلقات والمبادئ والثوابت والمسلَّمات التي غادرنا الشهداء وضحوا طوابيراً بأرواحهم من أجلها..
أعني المنطلقات والمبادئ التي اندلعت من اجلها ثورتنا الوطنية المعاصرة، أو الثوابت والمسلمات التي ليست هي الوطنية فحسب، وإنما القومية أيضاً والإسلامية، فيما يتعلق بالصراع في بلادنا.
وعليه، كان الأحرى بنا، أو الأدق، ونحن نتحدث عن المنظمة وإعادة بنائها، أن نقول استعادة المنظمة إلى خطها الوطني وإعادة الاعتبار إلى ميثاقها الوطني الذي تم العبث به… اعادتها منظمة تحرير لا تمرير.. لأنكم جميعاً متفقون، وفق اعتقادي، على أنها، أي المنظمة، في حكم المختطفة راهناً، والمرتهنة من قبل فريق ادار ظهره لتلك المنطلقات والأسس والثوابت والمسلَّمات التي ذكرناها.. بل هم لم يبقوا عليها حتى الآن، إلا لما تبقى من وظيفة لها في نظرهم، ألا وهى أن تبصم على خاتمة تنازلاتهم القادمة وفق املاءات من يملي عليهم… تبصم على التنازل عن حق العودة، الذي هو في حقيقته جوهر قضيتنا، وبالتالي إتمام التصفية النهائية المرادة لها من قبل جبهة أعداء شعبنا وأمتنا.
إذن، ومن موقع المثقف حارس الحلم، المفترض أنه المعني بالاستراتيجيا في سياق الصراع تاركاً التكتيك للسياسي الغارق في حسابات الممكن، أقول إن المهمة جلل، وأكثر من معقدة، ولا أقول هي مستحيلة أو فوق الطاقة، كما لا يستقيم تنطحنا لأخذ دورنا الريادي حيالها، بل ولا هو ممكن، دونما التوقف بصدق وعناد وشجاعة أمام أخطر المظاهر التي تتسم بها حالة الانحدار الذي تعيشه ساحتنا الوطنية، المتمثلة فيما اطلق أنا عليه حالة التكاذب السائد، أو هذا الدرك الذي ادمنته من أسف هذه الساحة، بحيث استمرأ خطابنا السياسي والثقافي في العقود الأخيرة غواية السطو على المصطلحات وتجريدها من مضامينها ولوكها مفرغة من جوهرها بشكل أقل ما يقال فيه أنه مشين ومهين للموروث الوطني الهائل المعمَّد بالدم، بحيث يجري باستخفاف تردادها دون الالتفات للحقائق التي يفترض أنها تختزنها أو تكتنز معانيها..
سأكتفي في مداخلتي هذه بالإشارة فحسب إلى جملة من هذه المصطلحات، باعتبار أن إعادة الاعتبار لها هو البداية لرحلتنا الضرورة للقيام بواجبنا كمثقفين في نضالنا من أجل استعادة شعبنا للمنظمة، بما تعنيه لنا نضالياً ومعنوياً كمنجز كفاحي تاريخي هام لثورتنا المعاصرة، وكحاضنة مفترضة لنضالنا الوطني.. هذه المصطلحات المطلوب إعادة الاعتبار لها، أو تلك التي هي اليوم ضحية التكاذب الذي من أسف ينغمس فيه الكثيرون، بسوء أو حسن نية، وكلا الحالين وارد.. وأمر الآن على بعضها:
– الوحدة الوطنية.. كيف؟ وعلى أي برنامج؟ وفي أي سياق يخدم أية استراتيجية؟ وبالتالي أي تكتيك نعتمده ليخدم هذه الاستراتيجية… أو هي وحدة ترتكز إلى أية ثوابت ومبادئ وأهداف؟
… أي بمعنى آخر، بين من ومن؟
على أي برنامج حد انى يمكن القول إنه مجمع عليه وطنياً؟ بمعنى الاجماع عليه من كافة قوى شعبنا وشرائحه ومواقعه وطناً وشتاتاً، ولا أقول فصائله فحسب؟! أي هل هي وحدة قوى شعب أم توافق حفنة فصائل؟! وأكرر: وحدة الشعب بكامله وطناً وشتاتاً أم ما تبقى من كانتونات الضفة والقطاع؟
… وصولاً إلى طرح السؤال التالي: كيف يمكن أو يتسنى لنا الجمع بين برنامج مقاوم وآخر مساوم؟
– الحوار الوطني… وأيضاً بين من ومن؟ وهنا، أي حوار وطني يمكن تسميته بهذا الاسم لا يشمل أو لا يجتمع فيه كافة الوان الطيف الفلسطيني السياسي والنضالي، وكافة القوى والفعاليات والرموز والشخصيات الوطنية، وطناً وشتاتاً… وعندما أقول وطناً، ففي المقدمة منه أهلنا في المحتل من فلسطين عام 1948.
ثم الحوار على ماذا؟
اعلى مفهوم الثوابت والمسلَّمات مثلاً؟! أم على سبل حمايتها والنضال من أجلها؟ أم على لعبة التشاطر والتذاكي للتخلى عنها؟ ثم ، واقعاً، هل هناك حقاً من توافق وطني فعلي على الأرض حتى على الثوابت والمسلمات؟! وأعني هنا توافق كافة القوى المتنطحة اليوم للفعل السياسي؟
هذا يجرنا إلى مصطلح ثالث يكثر استعماله في ساحتنا زوراً وبهتاناً ألآ وهو برنامج الاجماع الوطني… ترى على ماذا نجمع، إذا لم نجمع على فلسطين… فلسطين التاريخية التي هي لنا وحدنا، وليس لعدونا حق في سنتيمتر واحد اغتصبه منها؟ وإذا لم نجمع على خيار المقاومة والنضال بعناد يرتفع أهدافاً وأداةً ووسائل إلى مستوى تحريرها، وليس من أجل التفاوض للتنازل عن أغلبها لكي يعطونا ما تيسر منها؟!
… أو إذا ما تسنى لنا أن نجمع على أمر، ترى ما لذي حري بنا أن نجمع عليه سوى تحريرها وغير الاجماع على المقاومة سبيلنا لذلك؟
واسمحوا لي أن أقول في هذه الحالة، هل هناك من برنامج اجماع وطني عرفته ساحتنا غير الميثاق الوطني المغدور والذي تم العبث به؟
لقد تم العبث حتى بما تعنيه فلسطين.. بعضهم يقول فلسطين من رفح إلى جنين.. وصولاً إلى كيلومترات أبو مازن التي ذكرها وهو يعد العدة للارتحال إلى أنابولس !!!
أيها الأخوة لن اطيل عليكم، هذه عينة فحسب، وأمر سريعاً على بعض آخر، حيث لا يجوز اغفال التعرض له، ولو مررت به بدون تفصيل، مثل السلطة الفلسطينية، والمقصود هنا بالطبع هذا المخلوق ألأوسلوي الأشوه.. أي السلطة البلاسلطة التي تقبع تحت احتلال!
بل واستطراداً، أي دولة، أو بالأحرى دويلة موهومة يُرفع شعارها ويتم التنازل برسمها، بعد أن هوَّد العدو ما يقارب التسعين في المئة من فلسطين؟!
واستطراداً أيضاً، هناك من يتغنى بالرئاسة، ويلهج بلقب فخامة الرئيس الفلسطيني، ويحدث عن الشرعية الرسمية الفلسطينية الخ!
أقول لهؤلاء: رئيس على ماذا؟ وعلى من؟ من هم الذين رأسوه عليهم؟ ومن انتخبه؟ بمعنى كيفية اختياره وظروفها، او هل هناك علاقة لفلسطينيي الشتات وهم الأغلبية، وفلسطينيي المحتل عام 1948، وهم المغيبون، بذلك؟ هل هوى سوى رئيس لسلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود الأوسلوية المقامة تحت الاحتلال ووفق اشتراطاته، في كانتونات الضفة والقطاع؟
قد يقول قائل، إنه رئيس المنظمة؟
وأية منظمة؟ ما دمنا نحن الآن نلتقي لكي نتوخى سبل إعادة بنائها، أو نتدارس حظوظ استعادتها لخطها الوطني؟!
ثم أيها الأخوة، لنردف هذه التساؤلات بسؤال آخر هو أكثر من ضرورة للخروج من ازمة العمل الوطني الراهنة، سؤال نوجهه هنا لأنفسنا، وللوطنيين بعامة، كيف يمكن الجمع بين متحارجتي السلطة والمقاومة؟!
أيها الأخوة، هناك المزيد من هذه المصطلحات، التي تقارب عادةً في ساحتنا ككلمة حق يراد بها باطل، لن استطرد في سردها، لأنها ربما مرت، ولو لماما، في كثير من مداخلات الزملاء التي سبقت، مثل الشرعية الدولية ، الشرعية العربية، الحل العادل والشامل والدائم.. دون فلسطين أو حق العودة.. الخ، ولعل أكثر هذه المصطلحات طرافةً هو رفع التسووين شعار الاستقلال، في حين ان الأمة بكاملها راهناً تفقد، ويومياً، المزيد من استقلالها..
أيها الأخوة، أية منظمة ممكن أن نعيد بنائها أو نستعيدها لخطها الوطني، دون إعادة الاعتبار لميثاقها موحِّد ارضنا وانساننا… منظمة تحرير لا تمرير؟؟!!
وأي دور مفترض للمثقف في ذلك البناء وتلك الاستعادة، إذا هو لم يتصدى أولاً وقبل كل شيء لهذا التكاذب المزري الذي يعكس هذا الانحدار الذي تعيشه ساحتنا.. ؟!!
.. وشكراً



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2183372

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

30 من الزوار الآن

2183372 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 30


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40