السبت 11 كانون الثاني (يناير) 2020

“إسرائيل” والتمييز في التعليم ضد العرب

السبت 11 كانون الثاني (يناير) 2020 par علي بدوان

تحليل واقع التعليم في الوسط العربي في فلسطين المحتلة العام 1948، يعطينا الدلالات القاطعة بوجود سياسات تمييز رسمية “إسرائيلية” عنصرية، تجلّت في إهمال التعليم في الوسط العربي على مختلف المستويات، والتمييز ضده عبر فوارق الميزانيات المالية الحكومية المخصصة للتعليم وتطويره، خصوصا في مجالات التعليم العالي. فلم ينل التعليم العربي إلا الفتات، والقليل مما يحصل عليه التعليم العبري اليهودي بأقسامه المختلفة، سواء الرسمي، أو غير الرسمي، أو التعليم الديني اليهودي، وقد زادت حدة تلك السياسات التمييزية خلال فترة الحكم العسكري التي امتدت من العام 1948 وحتى عام 1966.
إن الهوة كبيرة ومتزايدة بين الميزانيات المصروفات المقدمة للمدارس اليهودية، عنها للمدارس العربية، فسلطات الاحتلال تسعى لإبقاء الجهل، والابتعاد عن العلم والتعلم والتعليم، سيد الموقف في الوسط العربي في الداخل، في زمن بات فيه العلم والتعلم والتعليم حاجة ماسة لعموم البشرية في كل مكان، ويقع على عاتق كل دولة تأمين التعليم المجاني لكافة مواطنيها بغض النظر عن الدين، أو العرق، أو اللون، أو الانتماء الإثني.
فالفجوة بين جهازي التعليم العربي والعبري (اليهودي) ملحوظة، وملموسة، في جميع المجالات، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج مختلفة تماما من شأنها أن توضح أن جهاز التعليم العربي متخلف جدا عن الجهاز التعليمي العبري (اليهودي)، ولا يؤدي الدور المنوط به، سواء بصورة مطلقة أو بمقارنته بالجهاز العبري (اليهودي). فهناك فوارق من حيث الطاقم التعليمي، والتقصير الحكومي المقصود في تأهيل المدرسين العرب وفي البنى التحتية للمدارس العربية وتجهيزاتها، وارتفاع نسب التسرب في المدارس العربية دون المساعدة على تقديم العلاجات الناجعة لتك الظاهرة السلبية، خصوصا في منطقة النقب، وتدني نسب النجاح في البكالوريا (البجروت) وبالتالي تدني نسب الطلبة العرب المؤهلين للدراسات الجامعية والأكاديمية العليا. ووجود مشكلة كبيرة في البيئة التعليمية العربية من حيث البنية التحتية والتجهيزات والميزانيات، وتمايز البيئة المهيأة والمرصودة في الميزانيات لصالح البيئة التعليمية اليهودية. وعلى سبيل المثال بلغت ميزانية وزاره التعليم للعام 2005 حوالي 25.9 مليار شيكل. كما بلغت الميزانية المحددة لتطوير التعليم في إطار ما تطلق عليه سلطات الاحتلال (الأقليات) (أي العرب أصحاب الوطن الأصليين) للعام 2005 حوالي 39.2 مليون شيكل من ضمن ميزانية شاملة بلغ 1.048 مليار شيكل للدائرة التربوية، أي أن النسبة المخصصة للأقليات تقل عن 4%. وهذه هي الميزانية الوحيدة لتطوير التعليم العربي وهي ميزانية قليلة جدا مقارنة بالميزانية المخصصة للتعليم العبري التي تقدر بنحو 96% من إجمالي المخصصات التعليمية. وبالتالي يبلغ مجموع ما ينفق على الطالب اليهودي 560 شيكلا، مقابل 210 شواكل لنظيره العربي أي أن الطالب العربي يحصل على 37.5% من حصة اليهودي. وترجع هذه الفجوة إلى الفارق في مخصصات وزارة التربية التي تخصص للطالب العربي ما يساوي 54.5% مما تخصصه للطالب اليهودي.
ويُعَدّ التعليم المهني، وخصوصا التكنولوجي بتخصصاته وجوانبه المختلفة، من المجالات البارزة التي تظهر فيها الفجوات الكبيرة بين جهازي التعليم اليهودي والعربي الفجوة، ففي حين أن 60% من الطلاب اليهود يدرسون في المرحلة فوق الابتدائية من مراحل هذا التعليم، فإن نسبة الطلاب العرب لا يتجاوز 15% ومن هؤلاء يدرس 50% من الطلاب اليهود مهنا تكنولوجية مقابل 20% من الطلاب العرب. إضافة إلى ذلك فإن 36% من الطلاب اليهود في هذا المجال يتخصصون بمهن تكنولوجية تعتبر ذات مكانة عالية ويكثر الطلب عليها في سوق العمل، في مقابل 19% من الطلاب العرب الذين يدرسون عادة المهن التقليدية (نجارة، حدادة وغيرها) بمستوى متدن جدا.
عدا عن كل ذلك، تفرض سلطات الاحتلال مناهجها المتعلقة بالمواد الاجتماعية والتاريخ، وتقدم روايتها المزعومة بشأن فلسطين، وتعتبر تلك المناهج جزءا أساسيا من مناهج المدارس العربية في الداخل، لتلقين التلاميذ والطلاب العرب الموقف “الإسرائيلي” من القضية الفلسطينية، ورغم ذلك فإن تلك المناهج لا تجد من يعتبرها بالوسط العربي رغم فرضها على المدارس العربية، فالتعليم المنزلي المضاد للعلوم الاجتماعية والتاريخ في الوسط العربي تُعيد بناء ثقافة ومعلومات التلميذ والطالب العربي، بما يتوافق مع الحقيقة الوطنية الناصعة التي تحاول سلطات الاحتلال “ليها من عنقها”، وإجبار الطلبة العرب على الاقتناع بها.
وعليه، يخوض الشعب العربي الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1948، في هذا الإطار المتعلق بالعلم والتعليم، والتحصيل العلمي، معركة كبرى لنيل حقوقه في هذا المجال، ولتكريس وجوده فوق أرض وطنه التاريخي، ولصيانة حقوقه في التعليم، والتعليم العالي، بالرغم من كل مضايقات وسياسات دولة الاحتلال التي لم تتوقف لحظة واحدة، والتي تسلك سلوكا عنصريا أكدت عليه لجنة مناهضة كافة أشكال التمييز العنصري، التي أشارت في تقرير أخير لها بأن: “إسرائيل تمارس سياسات عنصرية ضد الشعب الفلسطيني في ممارسات سياسية بعينها”.
إن تحقيق العدالة للشعب العربي الفلسطيني، وحقه في العلم والتعليم في الداخل المحتل عام 1948، وهذا لا يخص الفلسطينيين في الداخل فقط، بل هو الجامع الفلسطيني العام الذي تتولى وكالة الأونروا جانبا منه، يفتح هذا الطرح المجال واسعا أمام التشديد على الحقوق الوطنية والقومية للشعب الفلسطيني في الداخل، بما فيها حقوق المواطنة الكاملة في الحياة بحرية وكرامة، والعلم والتعليم والتحصيل العلمي العالي، وباعتباره الشعب الأصيل وصاحب الأرض والوطن، وهو ما يفترض أيضا تعاطيًا مختلفًا مع حق العودة للاجئي فلسطين، ومع مفهوم حق تقرير المصير للفلسطينيين، وهو المدخل لبناء أي مشروع وطني فلسطيني جامع بين الداخل والشتات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2183905

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2183905 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40