الجمعة 5 تموز (يوليو) 2019

حفلة علاقات عامة

الجمعة 5 تموز (يوليو) 2019 par علي بدوان

انتهت “حفلة العلاقات العامة” في منتدى المنامة الاقتصادي، المنتدى الذي وُلد ميتا مع غياب المعنيين، ونقصد الشعب العربي الفلسطيني وممثله الشرعي، وهو الطرف الذي تناوله المشروع، وتناول قضيته، ليس من موقع أنها قضية تحرر وطني لشعب تحت الاحتلال، بل من موقع أنها قضية إنسانية فقط، ومسألة مساعدات، ومقايضة بالمال. فكان الرفض الفلسطيني الواسع لأعمال هذا المنتدى، والذي توحّدت وأجمعت عليه كل القوى والفصائل في فلسطين بغض النظر عن مشاربها الفكرية الأيديولوجية والسياسية.
ففي ظل ترتيبات أمنية مشددة، تم افتتاح أعمال المنتدى بحضور متواضع في فندق “الفصول الأربع” الفخم، بحفل استقبال و”كوكتيل” وبحضور وحشد إعلامي، لتنتهي أعماله بعد يومين بنتائج باهتة كما قالت الصحف “الإسرائيلية”، لكنها أضافت أن الحصاد الحقيقي لأعمال المنتدى جاء من خلال توسيع حدود وبوابات التطبيع العربي “الإسرائيلي”، حيث حضر أعمال المؤتمر عدد لا بأس بها من الصحفيين “الإسرائيليين” ومن بعض الشخصيات الاقتصادية والسياسية التي كانت تعمل بالاستخبارات “الإسرائيلية” سابقا، ومنهم تسيبي ليفني وزيرة الخارجية وقبل ذلك العاملة في مجموعات (الموساد) وهي المخابرات الخارجية “الإسرائيلية”. فالصفقات والتطبيع أهم من قضايا الاقتصاد الفلسطيني عند الطرف “الإسرائيلي”.
إذًا المنتدى من الوجهة “الإسرائيلية” كان بمثابة “حفلة علاقات عامة” ناجحة، على حد تعبير (نوعا لنداو)، موفدة صحيفة (هآرتس) إلى منتدى المنامة، التي نقلت الأجواء من هناك.
المنتدى الأميركي الاقتصادي، جاء في سياقات المشروع الأميركي المعنون بــ”صفقة القرن”، الذي في جوهره، ليس سوى محاولة لتربيع دائرة مستحيلة. فالصراع بين الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية ككل مع المشروع الصهيوني، أكثر تعقيدا من التبسيط والتقزيم الذي تراه الولايات المتحدة، وبشكل مقصود، وعلى يد فريق متصهين يقوده المبعوث الأميركي اليهودي جيبسون جرينبلات، وصهر الرئيس ترامب جاريد كوشنير، حيث شن كوشنير في افتتاح أعمال المنتدى هجوما على الشعب الفلسطيني وخياراته، خلال كلمته، بل واتهم كوشنير الشعب الفلسطيني بهدر عقود من الزمن في الصراع، قائلًا إن “الفلسطينيين علقوا في إطار غير فعال، إطار من الماضي”، متهما إياهم باستخدام الموارد، والمساعدات الدولية، في التسلح. وكرر كوشنير اتهامات الكيان الصهيوني للفلسطينيين على خلفية مقاومتهم للاحتلال، معتبرًا أن الفلسطينيين “أكثر شعب تلقى المساعدات في التاريخ لكنها أُهدرت في الصراع والفساد”.
المنتدى الاقتصادي حاول إرسال رسالة ساخنة وفصيحة، فحواها: “المال مقابل تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي الصهيوني، وإقامة علاقات سياسية واقتصادية مع دولة الاحتلال، وتشييد تحالف عسكري وأمني معها على حساب الحقوق الفلسطينية التي أقرتها القرارات والمواثيق الدولية، وإلغاء حق العودة الفلسطيني وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم داخل مخيمات اللجوء والشتات، وترحيل جزء منهم إلى أصقاع المعمورة ما بين أستراليا وكندا”، وبالتالي التمهيد لتنفيذ صفقة القرن الأميركية في شقها الاقتصادي تحت عنوان مزوّر: “الازدهار من أجل السلام”، فيما تغيب الحقوق والثوابت الفلسطينية وفي مقدمتها قضايا القدس وحق اللاجئين بالعودة إلى أرض وطنهم التاريخي، ومسألة الحدود وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
فالصراع، ليس مسألة تحسين ظروف معيشة، بل يدور على الأرض وحول الأرض، وهويتها. صراع لتطبيق قرارات الشرعية الدولية في مواجهة دولة الاحتلال التي ترفضها بالكامل، والإدارة الأميركية التي تقفز عنها، صراع بين مطالب الشعب الفلسطيني المحقة، في استعادة المناطق التي توجد في شرق خط وقف إطلاق النار للعام 1949 (خط الهدنة) مع مصر وسوريا ولبنان والأردن. كي تكون أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة التي تحدثت عنها الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وبات حل الدولتين بمثابة إجماع دولي.
وعليه، فإن ثمة مجموعة من العوائق التي تواجه نقل الصفقة الأميركية المسمومة، “صفقة القرن” إلى حيز التطبيق، وأهمها صعوبة، بل استحالة، قبول أي طرف فلسطيني بالمشاركة العلنية في التفاوض على هذا الأساس، بالإضافة إلى أن ثمة إجماعا فلسطينيا شعبيا على رفضها. وقد تسعى الإدارة الأميركية لإيجاد مخرج لهذا الموضوع إما بمفاوضات سرية أو تفاوض عربي بديل للفلسطينيين، فضلا عن تحفظ المجتمع الدولي خصوصا الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين تجاه “صفقة القرن” الأميركية، وهو ما اتضح في توجهات هذه القوى في الأمم المتحدة كما في مطالبة عدد من رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية السابقين في دول الاتحاد الأوروبي، والذين شغل بعضهم أيضًا مناصب عليا في الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأوروبي بتجديد المصادقة على دعمه لحل الدولتين، قبل نشر خطة السلام التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والامتناع عن دعم الخطة إذا لم تحترم هذا المبدأ والقانون الدولي. ومن بين 37 شخصية وقعت على هذا النداء، رئيس الوزراء الفرنسي السابق جان مارك أروي، ووزيرا الخارجية البريطانيان سابقا، ديفيد ميلباند وجاك سترو، وزير الخارجية الألماني السابق زيجمار جابرييل، ومنسق السياسة الخارجية السابق في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، وغيرهم من رؤساء الدول والوزراء السابقين.
إن الرفض الفلسطيني الرسمي والشعبي، ومن قبل جميع القوى والفصائل للمشروع الأميركي ولمنتدى المنامة، واندلاع الفعاليات التي تمت من مسيرات وأعمال شعبية رافضة لا يكفي للمواجهة، بل يتطلب الأمر سرعة إنهاء الانقسام الفلسطيني والتوحّد خلف برنامج سياسي وطني واستراتيجية فلسطينية موحدة لاحتواء الضرر الذي حدث ويحدث الآن. فإعادة ترتيب البيت الفلسطيني واستعادة الوحدة السياسية الفلسطينية تتطلب خطوات عملية تبدأ أولاها بالدعوة لانعقاد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذهاب إلى عقد انتخابات شاملة تفرز قيادة فلسطينية تتمتع بثقل جماهيري فلسطيني تستطيع من خلاله مواجهة المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية وتوظف الدبلوماسية الفلسطينية بما يدعم التشبّث بالحقوق الفلسطينية أمام المحافل العربية والدولية.
انتهى المنتدى الأميركي، وسينتهي مشروع “صفقة القرن”، فدعائم الظلم لا تقوى على البقاء، بل تنهار ولو بعد حين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 105 / 2183342

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

2183342 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40