السبت 1 حزيران (يونيو) 2019

ترامب والدعاية السلبية

السبت 1 حزيران (يونيو) 2019 par أحمد مصطفى علي

سبق وأشرنا في هذه الزاوية إلى أن احتمالات إعادة انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لفترة رئاسة ثانية نهاية العام المقبل كبيرة جدا. ورغم الأخبار السلبية التي تتصاعد وتيرتها مؤخرا من خلاف بين الرئيس وحكومته من ناحية والكونجرس من ناحية أخرى، إلا أن ذلك التوقع لم يتغير. بل على العكس، ربما كانت الخلافات الأخيرة مع السلطة التشريعية وما يصاحبها من هجوم على الرئيس لصالح الرجل واحتمالات إعادة انتخابه. والواقع أن خريطة الواقع السياسي الأميركي لم تتغير كثيرا من حيث المبررات التي سيقت من قبل بترجيح فوز ترامب بفترة رئاسية ثانية. فسياساته الاقتصادية ما زالت هي العامل الحاسم، مع استمرار نمو الاقتصاد وتراجع البطالة واستمرار معدلات التضخم منخفضة وتلك عوامل أساسية يصوت الناخب الأميركي على أساسها ولا تعنيه كثيرا السياسة الخارجية أو ما قد يعتبره العالم خارج أميركا أولوية.
ثم إن الحزب الجمهوري ما زال يقف وراء الرئيس، حتى لو برزت هنا أو هناك أصوات غير راضية عن بعض سياساته لكن وقت الانتخابات يحرص الحزب على ضمان نصيبه من السلطة، تنفيذية وتشريعية، ولا يمكنه المجازفة بالتخلي عن الرئيس الذي يحكم باسم الحزب. أما الحزب الديموقراطي المعارض، وإن كان كسب أغلبية في مجلس النواب في الانتخابات النصفية الأخيرة، فإنه ما زال غير قادر على منافسة ترامب، ولا يوجد مرشح ممن أعلنوا حتى الآن المنافسة على الترشح باسم الديموقراطيين قادر على هزيمة ترامب بما في ذلك نائب الرئيس السابق جو بايدن. ولمن يتصور أن سلسلة التحقيقات التي يدفع نحوها مجلس النواب في الكونجرس الذي تسيطر عليه أغلبية من الديموقراطيين تضر بفرص ترامب في رئاسة ثانية نقول إن العكس ربما كان صحيحا. ولهذا، لا تريد رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي الاستجابة لضغوط النواب من حزبها والبدء في إجراءات عزل الرئيس لأنها تدرك أن أسباب العزل القوية غير متوافرة، وأن المحاولة الفاشلة ستفيد ترامب والجمهوريين.
بالضبط كما يقول المثل: الضربة التي لا تقصم الظهر تقويه، وهذا ما يجري بالفعل مع الرئيس ترامب؛ فتلك الدعاية السلبية إنما تزيد من دعم قاعدته الانتخابية له ـ باعتباره مفترى عليه من معارضيه ومحاربا من الإعلام. كما أن استمرار الرئيس في دغدغة مشاعر تلك الكتلة الصلبة من مؤيديه يعوض عن أي تأثير سلبي مفترض للحملات الإعلامية والسياسية عليه. ويمكن القول باطمئنان أن ترامب نجح حتى الآن في تحويل كل الانتقادات له ولسياساته، حتى لو كانت صحيحة، إلى زيادة شعبية بين جماهير مؤيديه مستفيدا من “الدعاية السلبية” لتقوية موقفه ومحققا معدلات قبول جماهيري خلال عامين في الحكم تشجع على توقع إعادة انتخابه. وربما كانت الدعاية المجانية الأكبر لترامب لحملته الانتخابية المقبلة هي تلك القضايا التي ظن خصومه ومن يريدون التخلص من رئاسته أنها ستقضي عليه أو على الأقل ستقلل فرص إعادة انتخابه.
خذ مثلا، التحقيق على مدى عامين في قضية تعاون حملة ترامب مع روسيا لتتدخل في الانتخابات لصالحه عبر حملات إلكترونية وتسريبات تضر بالخصم الديموقراطي، مرشحة الرئاسة المنافسة هيلاري كلينتون. فرغم أن التحقيقات أدت إلى إدانات وحتى أحكام بالحبس نتيجة فساد أو تضليل عدالة أو غيره، فإن تقرير المحقق الخاص روبرت موللر لم يصل إلى نتيجة حاسمة بأن الرئيس ترامب تعاون مع الروس للتأثير في العملية الديموقراطية في أميركا. كذلك، لم يصل التقرير إلى حسم في مسألة ارتكاب الرئيس جرما جنائيا نتيجة الكذب و”تضليل العدالة”. ومع أن من الآمن القول بأن الرئيس يكذب بسهولة ويسر، إلا أن الاتهام الجنائي أمر آخر، وهو ما لم يتمكن المحققون من إثبات أنه ضلل العدالة. ومع أن التقرير لم يبرئ ترامب وفريق حملته الانتخابية تماما، إلا أنه أيضا لم يدن الرئيس ـ وهذا كافٍ لترامب ليحول القضية كلها إلى “دعاية سلبية” لصالحه وضد خصومه السياسيين.
القضايا الأخرى هي سياسات تحتمل الخطأ والصواب ويعتمد موقفك منها على زاوية نظرك وتوجهك السياسي. على سبيل المثال تلك الحرب التجارية التي يشنها ترامب على حلفاء أميركا التجاريين، فارضا الرسوم والضرائب على صادرات الشركاء لأميركا قد لا ترضي الاقتصاديين ولا يتفق معها السياسيون التقليديون الذين يعتبرونها حمائية وانعزالية وانحرافا عن منحى العولمة…إلخ. إنما أنصار ترامب يرونها كما يروج لها بشعاراته الديماغوجية “هؤلاء يسرقوننا”، “نريد اتفاقات عادلة لمصلحتنا”، “لنجعل أميركا عظيمة ثانية”، “أميركا أولا”. صحيح أن كثيرا من المتابعين، وليس بالضرورة المثقفين والمتقعرين، سيرون تلك شعارات سطحية جوفاء لا معنى لها وضارة أكثر منها مفيدة. لكنها شعارات ترضي أنصار ترامب، بل وتحفزهم وتحشدهم لدعمه حتى لو كانوا يتعرضون لخسائر مباشرة نتيجة تلك السياسات كما يحدث مع المزارعين الأميركيين الذين يخسرون نتيجة فرض الصين وغيرها رسوما على صادرات المنتجات الزراعية الأميركية إليها. والأمثلة على ذلك كثيرة، من انسحاب ترامب من اتفاق التغير المناخي إلى بناء جدار على الحدود الجنوبية مع المكسيك مرورا بدعم إسرائيل وضرب سوريا والضغط على إيران.
وهكذا يحول الرئيس ترامب ما يلقى عليه من حجاره إلى لبنات بناء حملة إعادة انتخابه في 2020.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15860 / 2184546

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع احمد مصطفى   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184546 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40