السبت 1 حزيران (يونيو) 2019

التحولات الديمغرافية على أرض فلسطين التاريخية

السبت 1 حزيران (يونيو) 2019 par علي بدوان

تُشير المعطيات الإحصائية المختلفة، والصادرة عن عدة جهات فلسطينية معنية إلى أن أعداد المواطنين الفلسطينيين المقيمين حاليا على أرض فلسطين التاريخية باتت أكثر بقليل من أعداد اليهود على امتداد أرض فلسطين التاريخية. وحسب الإحصائيات والمعطيات “الإسرائيلية” ذاتها، والتي صدرت أوائل أيار/مايو 2019، يُقيم في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر نحو خمسة ملايين فلسطيني (باستثناء الفلسطينيين في القدس المحتلة).
فقد كانت “دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية” قد نشرت أوائل أيار/مايو 2019، معطيات رقمية حول عدد السكان في “إسرائيل”، بمناسبة ما أسمته “يوم الاستقلال”، وحسب المعطيات الجديدة، فإن عدد السكان بلغ نحو تسعة ملايين وتسعة آلاف نسمة، لكن هذا المعطى يشمل الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة، البالغ عددهم حوالي 350 ألفا، حسب إحصائية من نهاية العام 2017. وأضافت المعطيات أن أعداد اليهود في فلسطين التاريخية (أراضي العام 1948 + المستعمرات المقامة في القدس والضفة الغربية) بلغ 6,738,500 ويشكّلون نسبة 74.8% من السكان، بينهما عدد المواطنين العرب الفلسطينيين نحو 1,970,200 نسمة داخل حدود العام 1948، ويشمل المقدسيين، ويشكلون نحو 21.8% من السكان في “إسرائيل”. واذا أضفنا أعداد مواطني الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن أعداد المواطنين الفلسطينيين الموجودين الآن على أرض فلسطين التاريخية تقترب من سبعة ملايين مواطن. فعدد سكان فلسطين فوق داخل الأراضي المحتلة عام 1967 يبلغ نحو خمسة ملايين مواطن، بينهم نحو مليونين من لاجئي العام 1948، حيث سجّل قطاع غزة أعلى نسبة سكانية في العالم.
البحث في النقاش المُتعلق بالتطورات السكانية والديمغرافية على امتداد أرض فلسطين التاريخية، مُستمر منذ سنوات داخل دولة الاحتلال، فالواقع وفقا للخبير الديمغرافي “الإسرائيلي” البروفيسور (سيرجيو ديلا فيرجولا)، والذي يعتبر أهم خبير في الديمغرافيا اليهودية، هو أنه “سيكون هنا عرب أكثر بقليل ويهود أقل بقليل خلال السنوات القليلة القادمة، وأغلبية عربية فلسطينية على المدى الأبعد”. وقد كرر (سيرجيو ديلا فيرجولا) تلك الاستخلاصات خلال الفترات الأخيرة.
الدراسات “الإسرائيلية” ذاتها، والصادرة عن مراكز دراسية مختلفة في فلسطين المحتلة وحتى في الولايات المتحدة، تتوقع أن يزداد عدد الحريديم (اليهود المتدينين) بين السكان اليهود بالتالي حلة التطرف داخل “إسرائيل” وهو ما أشارت إليه نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة الواحدة والعشرين في ابريل/نيسان 2019، ولكن التقديرات تؤكد أن مجموع اليهود على أرض فلسطين التاريخية لن يتغير بصورة دراماتيكية، خصوصا بعد نضوب مستودع الهجرات الخارجية الاستيطانية باتجاه فلسطين المحتلة، حيث تراجعت تلك الهجرات بشكل كبير، وباتت شبه متوقفة حتى من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وخصوصا وأن 58% من يهود الولايات المتحدة انصهروا في المجتمع الأميركي كما تقول الدراسات الأخيرة في زواج التماثل، وتعبير “انصهار” في المفهوم اليهودي هو أن المنصهر، الذي تزوج من غير يهودية، لم يعد يهوديا، بل أصبح متماثلا ومنصهرا في المجتمع الأميركي مع الغالبية السكانية.
وعليه يتوقع خبراء يهود في الديمغرافيا أنه خلال مئة عام لن يبقى يهود في أميركا الشمالية. ويتوقعون بناء على ذلك أن تقل على المدى البعيد أعداد اليهود على أرض فلسطين التاريخية، بينما يتوقع أن ترتفع نسبة المواطنين العرب الفلسطينيين أصحاب الوطن الأصليين. وهذه حقائق ولا يُمكن التهرب منها. وكل هذه هي تحوّلات بطيئة. والمسألة المهمة هي أن لهذه التحولات تبعات سياسية كبيرة جدا. وخصوصا تجاه مسألة ما يُسمى الأغلبية اليهودية ومفهوم “الدولة اليهودية” المفتعل أصلا، والذي بدأ يطفو على السطح منذ عقد من الزمن، حين طرحه بنيامين نتنياهو وغلاة المتطرفين في “إسرائيل” لتعطيل عملية التسوية المأزومة أصلا، وتعطيل “حل الدولتين”.
لقد أثارت المعطيات التي تتحدث عن التوازن الديمغرافي بين العرب واليهود بين النهر والبحر، أي على أرض فلسطين التاريخية، قلقا متزايدا داخل دولة الاحتلال ولدى صناع القرار الأمني والسياسي والعسكري، حيث رأى مؤيدو حل الدولتين أن هذه المعطيات تؤكد ضرورة “الانفصال عن الفلسطينيين” وبقاء أغلبية يهودية كبيرة في “إسرائيل” (أي داخل حدود العام 1948 والمستعمرات المقامة في القدس الشرقية والضفة الغربية والجولان السوري المحتل)، بينما رفضها “اليمين الإسرائيلي” اللاهث وراء ضم كامل الضفة الغربية لدولة الاحتلال كما حدث بشأن الجولان السوري المحتل بقرار ضمه الجائر والمرفوض، معتبرا أنها معطيات خاطئة ولا تعكس الواقع الديمغرافي.
من جانب آخر، يوجد معسكر داخل الكنيست “الإسرائيلي”، معسكر الضم والاستيطان والتهويد، يصف هذه التوقعات الديمغرافية بأنها مجرد هراء، ويدّعي أن المعطيات غير صحيحة, ومنهم عضو الكنيست المتطرف يهودا جيليك، الذي يعاند الحقائق ويختفي خلف الإصبع الصغير، لكن هذه هي الحقائق هي التي تتقدم على أرض الواقع رويدا رويدا ومن دون انحراف… والآن تعيش دولة الاحتلال في واقع الدولة الثنائية، هذا إذا سلّمنا بوجود ما يُسمى “قومية يهودية”، وهو أمر منافٍ للمنطق على كل حال، فاليهودية دين وليست قومية، فالمسلم الماليزي ليس عربيا على سبيل المثال.
إذا، نحن أمام حقائق تتشكّل رويدا رويدا على الأرض، حقائق عنيدة، لا يمكن مسحها، أو تجاهلها، أو إعادة تطويعها. فالشعب الفلسطيني ثابت وراسخ بوجوده على أرض وطنه فلسطين، أما فلسطينيو الشتات (اللاجئون الفلسطينيون في دول الطوق: في سوريا ولبنان والأردن) فحق العودة ينتظرهم حتى لو طال الزمن وتعددت الالتواءات والمصاعب. حيث ما زالوا يقيمون على حدود فلسطين في دول الطوق وحلم العودة يعشش في دواخلهم، وهم من فجّر انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة بعد النكبة في الأول من كانون الثاني/يناير 1965.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 2369 / 2183471

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2183471 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40