السبت 11 أيار (مايو) 2019

تحت ضغط الابتزاز الاقتصادي

السبت 11 أيار (مايو) 2019 par علي بدوان

جاء التقرير الأخير للبنك الدولي بشأن أوضاع قطاع غزة، صادما، بل وصاعقا جدا، فالتقرير، الذي نشرت صحيفة (هآرتس) “الإسرائيلية” قبل عدة أيام مقاطع مهمة منه، يقول: “قطاع غزة يشهد أخطر تدهور اقتصادي، بصرف النظر عن سنوات القتال”. حيث يُشير التقرير بشيء من التفاصيل للوضع الاقتصادي في قطاع غزة والضفة الغربية، ويُظهر أن معدل النمو في الاقتصاد الفلسطيني هو 0.9٪ فقط، وأن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قد انخفض، وأن الاقتصاد في عام 2018 تقلص بنسبة 7٪ في قطاع غزة، باستثناء السنوات التي شهدت فيها جولات وعمليات عسكرية “إسرائيلية” ضد القطاع. كما تباطأ النمو في الضفة الغربية، ولم يتم تسجيل نمو في الاقتصاد الفلسطيني.
وترافق التقرير إياه، مع بيان رسمي أصدره النائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار المفروض على القطاع يوم الثلاثين من نيسان/أبريل 2019، أشار إلى أن الارتفاع المتزايد لمعدلات البطالة في القطاع لا يمكن احتماله، وأن اقتراب معدل البطالة في غزة من ستين بالمائة، هو النسبة الأعلى عالميا، وهذا يتطلب جهودا فلسطينية عربية إسلامية دولية لتلافي آثار هذه الحالة الخطيرة والتي تهدد آلاف الأسر والعائلات الفلسطينية الواقعة تحت نير الفقر والفاقة والعوز، والتي تعاني معاناة شديده في ظل صعوبة حصولها على مستلزمات الحياة الأساسية، خصوصا وأن حوالي ٨٥٪ من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر، وأن معدل دخل الفرد اليومي بلغ دولارين يوميا, فيما حوالي ٩٠٪ من المصانع والورش والمحال التجارية تتكبد خسائر مالية فادحة بسبب الحصار ما جعلها تقلص من أعمالها بشكل جزئي أو حتى لدرجة الإغلاق الكامل وهذا طبعا ينعكس سلبا على إجمالي الحالة الإنسانية والمعيشية. ولا ننسى هنا، أن قطاع العمال والخريجين من أهم الشرائح المتضررة بسبب الحصار الممتد لأكثر من ١٢ عام حيث زاد عدد العمال المعطلين عن العمل في غزة عن ٣٠٠ ألف عامل يعيشون في ظروف اقتصادية وإنسانية في غاية الصعوبة.
وبالنظر إلى نمو السكان الفلسطينيين في مناطق العام 1967، بحوالي 3٪ سنويا، فإن هذا يمثل انخفاضا في الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 2٪ تقريبا وتدهور في متوسط مستوى معيشة الفلسطينيين. وقد ارتفعت البطالة إلى 31٪ في الضفة الغربية وإلى أكثر من 60٪ في قطاع غزة. وهو ما تم تقديمه إلى مؤتمر الدول المانحة AHLC، التي اجتمعت في العاصمة البلجيكية بروكسل في 30 آذار/أبريل 2019، بحضور رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد الدكتور محمد أشتيه.
إن تقرير البنك الدولي بشأن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، يُشير إلى التطورات الأخيرة، حين رفضت السلطة الوطنية الفلسطينية استلام الأموال المجباة من قبل سلطات الاحتلال لقاء الضرائب على المواد المتدفقة لأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية (الأراضي المحتلة عام 1967) عقب قرار دولة الاحتلال خصم 138 مليون دولار من إيرادات الضرائب التي تجمعها من الفلسطينيين، من أجل تقليص المدفوعات التي تدفعها السلطة الوطنية الفلسطينية لعائلات الأسرى في سجون ومعتقلات الاحتلال. ومن شأن هذا التقليص أن يساعد على تدمير اقتصاد السلطة الوطنية الفلسطينية المتواضع أصلا، وأن يؤدي إلى زيادة ديونها من 400 مليون دولار إلى واحد مليار دولار. وتشكّل المدفوعات الضريبية التي تجمعها “إسرائيل” للسلطة الوطنية الفلسطينية 65٪ من ميزانيتها. وكانت السلطة الوطنية الفلسطينية قد قررت ردا على التقليص “الإسرائيلي”، رفض تسلم كل أموال الضرائب. ونتيجة لذلك، اضطرت إلى خفض الأجور العامة للموظفين والعاملين بأجهزة السلطة الوطنية بنسبة 30٪، وتخفيض المدفوعات الاجتماعية الأساسية وزيادة القروض من البنوك المحلية.
إن التطورات الأخيرة على صعيد الوضع الحياتي، والاقتصادي والمعيشي، في الضفة الغربية وقطاع غزة، دفع بالمديرة الإقليمية للبنك الدولي في الضفة الغربية والقطاع، ومديرة شؤون الاستراتيجية والعمليات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، آنا بيردي، للقول مؤخرا: “تبدو الحاجة ملحة جدا لقرار عاجل من أجل منع انهيار آخر في النشاط الاقتصادي ومستوى المعيشة”.
وأضافت: “إن الاقتصاد الفلسطيني الذي لم يشهد نموا حقيقيا في عام 2018، يواجه الآن صدمة حادة على صعيد المالية العامة، بسبب الأزمة بشأن تحويلات إيرادات المقاصة. ومن الضروري إيجاد حل على وجه السرعة للحيلولة دون مزيد من التدهور للنشاط الاقتصادي ومستويات المعيشة، فإيرادات المقاصة تشكل مصدرا رئيسيا لدخل الموازنة العامة، وتشعر كل شرائح السكان بآثار هذه الأزمة المستمرة في ظل حالة الضعف التي يشهدها الاقتصاد”.
أخيرا، إن الفلسطينيين واقعون الآن تحت ضغط الابتزاز الاقتصادي لدفعهم للقبول بالخيارات السياسية المطروحة عليهم أميركيا و”إسرائيليا” تحت عنوان “صفقة القرن”، حيث تبدو أضحوكة السلام الاقتصادي، لعبة تحاول دولة الاحتلال تمريرها على الشعب الفلسطيني؛ فالأساس في الأمر كله يتمثل في إنهاء الاحتلال، حيث لا يمكن بناء اقتصاد فلسطيني في ظل وجود الاحتلال، فـ”إسرائيل” هي جزء من الحرب الاقتصادية ضد الفلسطينيين في سياق الضغوط عليهم لدفعهم للاستسلام والموافقة على “خطة سلام” غير مقبولة. الأوضاع المعيشية والاقتصادية في قطاع غزة تزداد صعوبة وتتفاقم مع استمرار الحصار وغياب حلول عملية واقعية وتجاهل المجتمع الدولي للحالة الإنسانية الكارثية التي يعيشها مليونا فلسطيني في قطاع غزة، وثلاثة ملايين في الضفة الغربية ومعها القدس الشرقية المحتلة عام 1967، عدا الشتات الفلسطيني الذي يعيش بدوره أوضاعا صعبة خصوصا بالنسبة للاجئي فلسطين في سوريا ولبنان.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 63 / 2183528

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2183528 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40