الجمعة 8 شباط (فبراير) 2019

جورج حبش .. الماضي القريب والحاضر الراهن

الجمعة 8 شباط (فبراير) 2019 par علي بدوان

مرت قبل أيام، الذكرة الحادية عشرة لرحيل الدكتور جورج حبش، أحد أبرز مؤسسي وقادة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، والحركة القومية العربية، الرجل الذي شكّل حركة القوميين العرب منذ بواكير السنوات الأولى لنكبة فلسطين من على مقاعد الجامعة الأميركية في بيروت إبان دراسته للطب البشري، وهي الحركة التي انبثقت عنها عدة أحزاب وقوى قومية على امتداد الخريطة السياسية العربية، كما انبثقت عنها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الفصيل الثاني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. فكانت قيادة الحركة مؤلفة من جورج حبش (فلسطيني)، وديع حداد (فلسطيني)، صالح شبل (فلسطيني)، حامد الجبوري (عراقي)، هاني الهندي (سوري)، أحمد الخطيب (كويتي)، جهاد ضاحي (سوري)، الحكم دروزة (فلسطيني)، مصطفى بيضون (لبناني)، ثابت المهايني (سوري)، محسن إبراهيم (لبناني)، عمر فاضل (ابن مغترب عربي في الكاميرون). فيما كان قسطنطين زريق، صاحب كتاب الوعي القومي (الصادر عام 1939) ومعنى النكبة (الصادر عام 1948) الأب الروحي لحركة القوميين العرب.
جورج حبش، اسم لا يُنسى، في المسيرة الوطنية الفلسطينية والقومية العربية المُكتظّة بعد نكبة العام 1948، والتي شهدت التحولات الهائلة التي لم تنقطع لحظة واحدة، فقد بات اسم جورج حبش محفورا في ذاكرة الأجيال الفلسطينية المتعاقبة التي رأت نور الحياة الدنيا بعد نكبة فلسطين، في الداخل والشتات، فترسّخت في ذاكرتها الحية صورة وسيرة جورج حبش الإنسان، والطبيب، وصورة جورج حبش المناضل الفلسطيني الصلب، حامل مشعل الوطنية الفلسطينية، الذي لعب دورا مهما وكبيرا في إعادة بناء الكيانية الوطنية للشعب العربي الفلسطيني أمام الحملات المستميتة التي جرت لتذويب الهوية الوطنية الفلسطينية، ومحو الشعب الفلسطيني عن خريطة المنطقة، عبر اقتلاعه من أرض وطنه التاريخي ودمج من يتبقى منه في المحيط العربي الملاصق لفلسطين.
جورج حبش، أبو الفقراء والمحتاجين، واللاجئين الفلسطينيين، صاحب العيادة الطبية التي تنقلت بين مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وسوريا ولبنان، إلى جانب صديق ورفيق دربه الدكتور وديع حداد ابن مدينة صفد الفلسطينية المحتلة عام 1948. ومعهم رعيل من نخبة شباب وأبناء فلسطين الذين تابعوا دراساتهم الأكاديمية العالية، واختاروا طريق العمل الوطني بعد تخرجهم من الجامعات.
جورج حبش، المفكر القومي، الذي ترك وراءه الكثير من البصمات في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية وثورتها المعاصرة. وبالقدر ذاته الذي جَسّدَ فيه الشجاعة والكبرياء، فقد اتسمت هذه الشخصية الضميرية ببعد أخلاقي وإنساني ليصبح المعادل الموازن للمشهد الوطني الفلسطيني الذي يحمي الوحدة الوطنية الفلسطينية وثوابتها تحت صيحة “وحدة.. وحدة ..حتى النصر”، فأنتج موقفا فلسطينيا شعبيا لم يستطع أحد من الرسميين الفلسطينيين أن يعاندوه، موقفا أكد مقولة وحدة أدوات الكفاح الفلسطيني في اتجاه البوصلة، وحل التناقضات الداخلية في إطار معادلة الوحدة الوطنية. ومن حينها أدرك الجميع بأن الحكيم جورج حبش صمام أمان الوحدة الوطنية، وهو الذي صرخ بصوته العالي يوم الانقسام الفلسطيني بعد حرب العام 1982: “الاقتتال الداخلي حرام حرام حرام”. جورج حبش، الرجل الوحدوي المسيس صاحب مقولة “وحدة وحدة حتى النصر، ففاز في ميدان السبق نحو الشارع والناس، وانغرس في الوعي الشعبي الفلسطيني، فاكتسب لقب “ضمير وحكيم الثورة”.
لقد تأثر الشاب جورج حبش أيما تأثر بما شاهدته ورأته عيناه، ولما لامسه مباشرة أثناء نكبة فلسطين، وعمليات الترانسفير والتطهير العرقي التي طالت عموم فلسطين، ومنها مدينته، مدينة اللد الوادعة، التي أراد ديفيد بن جوريون مسحها عن الخريطة، وقتل جميع سكانها ومواطنيها، وتهجير من يبقى حيا باتجاه الأردن، عندما هاجمتها قوات النخبة من عصابات (الهاجناه) و(البالماخ) بقيادة إسحق رابين وإيجال آلون…
وكما تشير المعطيات المتوفرة، ومنها ما ذكره الدكتور والأكاديمي الفلسطيني (سيف دعنا)، وفي يوم الاثنين الموافق 22 أيار/مايو1948، دَوَّنَ مؤسس “الدولة الصهيونية” ديفيد بن جوريون في مذكراته: “علينا تنظيم مجموعة الألوية الجديدة وتعزيز [الألوية] القديمة. وينبغي إقامة لواء من أفراد (كرياتي) بقيادة (تسادوك) لدى تسلّم المدافع، يجب تدمير الرملة واللد”. بالفعل بعدها بأسبوع، في 30 أيار/مايو1948، عقب سقوط مدينتي اللد والرملة وغالبية قراهما، وطرد من بقي حيا من أهلها العرب بالقوّة، تم تدمير المدينتين، وبدأت مسيرة طويلة وصعبة في أشدّ أيام العام حرارة على الأقدام باتجاه مناطق رام الله ووسط الضفة الغربية، مسيرة الألم التي تشبه إلى حد بعيد “مسيرة الدموع” التي سارها سكان أميركا الأصليون المطرودون من وطنهم في جنوب شرق الولايات المتحدة باتجاه الشمال الغربي. وفي أثناء المسيرة سقط العشرات من سكان اللد والرملة من الأطفال والعجائز من العطش والجوع والحر وكانت جثثهم ملقاة على جوانب الطريق إلى رام الله. وكانت عائلة الدكتور جورج حبش، واحدة من تلك العائلات الفلسطينية، وكان الشاب جورج واحدا من شُهَّاد وأبناء المرحلة. تلك التجربة التي عاشها جورج حبش لحظة بلحظة، وقد زودته بطاقة هائلة لا تنضب في العمل الوطني من تأسيسه لحركة القوميين العرب، وصولا لإعلانه قيام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
كتاب (الطريق إلى بئر السبع) للإنجليزية إيثيل مانين‏ وصف بشكل جيد عملية الترانسفير والتطهير العرقي التي وقعت بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني وعذاباته، وخصوصا في منطقتي اللد والرملة، والكتاب ليس فيه “أية مبالغة، بل أظهر المأساة على حقيقتها”.
جورج حبش بقي متفائلا حتى لحظاته الأخيرة، فقد كان وفي كل صحوة أثناء مرضه يسأل عن الوضع عامة، وعن قطاع غزة المحاصر، فكان أكثر إصرارا من أي وقت نشر التفاؤل، فرغم تلك السنوات الطويلة من ليل النكبة، ما زال الإصرار الفلسطيني قائما على التمسك بالوطن وعدم اليأس رغم كل ما حصل، ولسان حال معظم أبناء فلسطين يقول: “لم يستطيعوا أن يقتلونا بإبادة شاملة. ولن نموت. إننا لم نزل هنا في فلسطين المحتلة عام 1948 شوكة في حلوقهم وفي بطن الحوت، ولا نزال بغالبيتنا اللاجئة في الشتات المحيط بفلسطين” رغم كل المأسي التي حلّت بنا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 98 / 2184163

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2184163 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40