الجمعة 4 كانون الثاني (يناير) 2019

جردة حساب لأوضاع القطاع المحاصر

الجمعة 4 كانون الثاني (يناير) 2019 par علي بدوان

في جردة حساب سريعة، كان العام المُنصرم 2018، العام الأسوأ حياتيا واقتصاديا على عموم الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1967 في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وخصوصا على القطاع، وعلى اقتصاديات القطاع وحياة الناس اليومية بجوانبها ومستوياتها المختلفة، جراء تواصل الانقسام الفلسطيني الداخلي المستمر منذ صيف العام 2007 وتفاعلاته السلبية والتي لم تتوقف حتى اللحظة الراهنة من جانب، إضافة للحصار “الإسرائيلي” الظالم، المُطبق على القطاع برا، جوا، وبحرا للعام الـ12 على التوالي من جانب آخر.
وحقيقة الأمر، أن حصار قطاع غزة، وخفض تمويل وكالة الأونروا وتراجع ميزانيتها العامة، وتراجع خدماتها بشكل عام نتيجة الحرب المجنونة التي بدأت بشنها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على وكالة الغوث (الأونروا)، ساعد على بروز بدايات حالة الانهيار في الوضع الاقتصادي والحياتي للناس نهاية العام الفائت 2018. وهنا يشير النائب عن القطاع في المجلس التشريعي الدكتور جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار على القطاع إلى أن هناك نحو خمسين مليون دولار خسائر شهرية مباشرة وغير مباشرة للقطاع الاقتصادي (الصناعي والتجاري) في غزة، بسبب الحصار والأزمات المتفاقمة، أي (نحو600 مليون دولار سنويا). وأن نحو2500 مصنع وورشة ومحل تجاري أُغلقت في غزة بسبب الحصار، والأرقام في تزايد خاصة مع نهاية العام الفائت 2018.
إن كل تلك الاعتمالات التي تجري في القطاع، وعلى صفيح ساخن، أدّت في نتائجها لارتفاع نسب البطالة والفقر والفاقة والعوز بشكل غير مسبوق على الإطلاق من عمر الاحتلال للقطاع، إذ تجاوزت نسبة البطالة خلال الربع الأخير من العام 2018، نحو54,4%، فيما تجاوزت نسبة الفقر نحو55%، ويتوقع أن تصل 60%.، وذلك وفق المعطيات الرسمية التي قدمتها ونشرتها الهيئات الدولية العاملة في قطاع غزة، وخصوصا منها وكالة الأونروا.
ووفق تلك المعطيات، فإن معدل التوظيف في قطاع غزة وصل منذ خمس سنوات إلى الــ”صفر” مقارنة بما تخرجه الجامعات الفلسطينية سنويا، خصوصا مع الاعتماد على بند التشغيل المؤقت في وكالة الأونروا، فضلا عن أن 80% من التجار ورجال الأعمال أوقفوا خلال 2018 نشاطاتهم وأعمالهم الاقتصادية، بل وبات بعضهم يفكر بالهجرة إلى خارج القطاع وفلسطين. فالفترات الأخيرة من العام المنصرم 2018، شهدت إغلاقا لمحال تجارية ومصانع وورش ومتاجر بسبب الواقع الكارثي، وهو ما زاد من أعداد العاطلين عن العمل من عمال وفنيين، إضافة للخسائر الكبيرة.
إن انفجار الوضع في القطاع، منذ انطلاقة مسيرات العودة في مواجهة قوات الاحتلال على محيط غلاف قطاع غزة، يلخص إلى حد كبير الدرجة العالية من التململ والإحباط في صفوف أبناء الداخل الفلسطيني، جراء الوضع القائم، حيث أرسل الشعب الفلسطيني عبر تلك المسيرات رسائله الواضحة والصارخة للمجتمع الدولي، حيث يتحمل الاحتلال ووجوده واستمراره المسؤولية الكاملة تجاه ما يجري في الأرض المحتلة، وفي القطاع من تردٍّ عام لحياة الناس وخصوصا على مستواها الحياتي والاقتصادي وتفاقم ظواهر الفقر والعوز.
إن الحصار الجائر المستمر لقطاع غزة، أدى أيضا لتراجع الخدمات الصحية، ونضوب المواد الضرورية كالأدوية والعقاقير الطبية، والتجهيزات الفنية وأدوات الجراحة وغيرها في المشافي الفلسطينية في القطاع، فمنذ انطلاق “مسيرات العودة”، يوم 30 آذار/مارس 2018، ذكرى يوم الأرض بالمناطق المحتلة عام 1948 (30/03/1976) اغتال جيش الاحتلال خلال الأربعة أشهر الأخيرة من العام 2018، أكثر من 150 فلسطينيا (منهم صحافيون ومسعفون وأطفال ونساء…) وأصاب أكثر من 1700 بالرصاص الحي ونحو14 ألف آخرين بالرصاص المغلف بالمطاط وبالشظايا والمقذوفات الأخرى، وهو عدد يفوق مصابي عدوان العام 2014، وتحتاج إصابات العديد من الجرحى إلى المزيد من العمليات الجراحية الدقيقة، ولكن قطاع غزة يفتقر إلى الأدوية وإلى المعدات الطبية، وتعتبر جروح الأعيرة النارية من الناحية الطبية “جروحا ملوثة”، لأن الرصاصة التي تدخل إلى الجسد البشري تحدث التهابا مرتفعا قد يتطور سلبا، فيما تشكل الكسور المفتوحة، والملتهبة خطرا على حياة المصابين، فيضطر الأطباء إلى بتر الأطراف المجروحة والملوثة وهو ما يزيد من نسب الإعاقات، ونسب ذوي الحاجات الخاصة بين الناس حيث يؤدي ارتفاع عدد الإصابات الخطيرة إلى ارتفاع عدد المعوقين والمقعدين ومبتوري الأطراف في غزة مما يؤثر على حياة السكان والأُسَر وعلى الحياة الاقتصادية والاجتماعية في هذا الجزء من فلسطين، بشكل يفوق الصعوبات القائمة في الضفة الغربية أو أي مكان آخر من أرض فلسطين المحتلة. إضافة لذلك لا يسمح حال المنظومة الصحية المتداعية في القطاع والتي ينقصها الكثير من اللوازم في غزة باستقبال ومعالجة عدد مرتفع ومتزايد من الجرحى…
إنَّ إنهاء الوضع المأساوي في القطاع، وتقديم الحلول الجذرية المطلوبة للوضع الصعب، تتطلب إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي أولا، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ثانيا، وقبل كل شيء رفع الحصار الظالم عنه ثالثا، ورفع يد دولة الاحتلال من التحكم بالمعابر من وإلى القطاع، وبالتالي فتح كافة المعابر التجارية والسماح بحرية الاستيراد والتصدير ومنع قوائم الممنوعات، وربط غزة بالضفة الغربية رابعا. فضلا عن ضرورة قيام الجهات العربية والإسلامية والدولية بالتدخل لدى المجتمع الدولي لرفع الحصار “الإسرائيلي” الجائر، وإنهائه، ومساعدة الفلسطينيين على ترميم الصدع في بيتهم الداخلي عبر إعادة توحيد أوضاعهم وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإنهاء الانقسام الداخلي، فضلا عن تقديم الدعم المالي لمجتمعٍ ولمنطقة أنهكها الاحتلال ووجوده منذ نحو خمسين عاما، ورفع ميزانية وكالة الأونروا التشغيلية، وتطوير خدماتها لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين الذين يُشكّلون نحو65% من سكان ومواطني قطاع غزة.
ستبقى غزة شوكة في حلق الاحتلال، فقد صمد القطاع وأهله، صمودا أسطوريا خلال السنوات الطويلة منذ نكبة العام 1948 وحتى الآن، وتكسرت النصال على أبوابه، وبيد شعبه الثائر، ولم تستطع سنوات الاحتلال الطويلة من طي ملف القضية الفلسطينية، وخصوصا منها حق العودة، حيث انطلقت المسيرات الأخيرة تحمل عنوان مسيرات العودة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2183769

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2183769 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40