الجمعة 21 كانون الأول (ديسمبر) 2018

التلازم مع المقاومة الشعبية

الجمعة 21 كانون الأول (ديسمبر) 2018 par علي بدوان

إن تكامل أشكال النضال المختلفة، بما فيها العمل الشعبي الانتفاضي، يجعل منها كرة ثلج تتعاظم ولو ببطء مع كل إنجاز جزئي، لكنها تتدحرج لتكبر، فهي فعل تضامني، تشاركي، تراكمي، ورافعة من روافع المقاومة المُتعددة الأنماط بيد الشعب الفلسطيني في ظل الاختلال الهائل في موازين القوى العسكرية على الأرض لصالح الاحتلال.
الأرض الفلسطينية تشتعل تحت أقدام جيش الاحتلال ومجموعات المستوطنين، وسياسات الإعدام الجماعي تمارسها دولة الاحتلال دون رادع، ودون التفات للقانون الدولي. وفي هذا المسار من المتوقع أن ترتفع حدة المواجهات الدائرة في مناطق مختلفة في الضفة الغربية، فالضغط يولّد الانفجار، وسياسات الاحتلال تقود الأمور نحو المواجهة الشاملة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 وحتى في الداخل المحتل عام 1948.
وفي هذا، علينا أن نقول بأن العوامل الموضوعية والذاتية المحيطة بالشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، تَدفَع نحو تعزيز كل أشكال وأنماط وأساليب المقاومة، ومنها المقاومة الشعبية كواحد من الخيارات الممكنة في مواجهة الاحتلال على أرض فلسطين، في ظل الانكسار المفجع في موازين القوى على الأرض، وفقدان الروافع والأسانيد الداعمة.
لقد شكّلت المقاومة الشعبية تاريخيا مقدمة موضوعية لنشأة حالات مسلحة من أشكال المواجهة مع الاحتلال، وكانت الأداة الأكثر تكرارا على أرض فلسطين في وجه الاحتلال المباشر، وقبل ذلك في مواجهة سلطات الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية على أرض فلسطين قبل النكبة.
إن العمل، كل العمل، يجب أن يكون باتجاه إنهاء الاحتلال، بكل الوسائل، بالعمل الفدائي المسلح، ووفق استراتيجية المقاومة الشعبية الشاملة بكل أشكالها. والمقاومة الشعبية، شكل فعّال من أشكال المقاومة التي تتضافر مع كل الأساليب والأنماط الممكنة، وقد خبرها الشعب الفلسطيني على مدى محطات متتالية من تاريخه الحديث، وهي تعني فيما تعنيه الانخراط المباشر لمختلف فئات وقطاعات الشعب في المواجهة المباشرة مع المحتل بمختلف الوسائل، والمشاركة الفاعلة في تحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية شكّلت المقاومة الشعبية جزءا أساسيا من أدوات المشروع الوطني الفلسطيني منذ المراحل المبكرة لمقاومته لسلطات الانتداب البريطاني على فلسطين، ولا ننسى في هذا المقام الإضراب والعصيان المدني الشامل في فلسطين قبل النكبة، حيث كان أوسع وأطول إضراب وعصيان مدني عرفه التاريخ في حينها. كما كانت المقاومة الشعبية حاضرة في محطات المقاومة الأقرب زمنيا، في الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى نهاية العام 1987، وفي هبة النفق 1996، وصولا إلى بدايات انتفاضة الأقصى صيف العام 2000.
إن ضمان استمرارية النضال الوطني الفلسطيني، وإنهاك الاحتلال في مواجعه، ورفع تكلفته اليومية، لا بد من الإبداع في إيجاد أشكال مختلفة للكفاح الفلسطيني في المرحلة القادمة، من العمل المقاوم الفدائي المسلح، إلى سلاح المقاطعة، إلى النضال الشعبي عبر الفعاليات الكفاحية اليومية متعددة الأشكال، مع تبني مقاومة مدنية واسعة النطاق طويلة النفس، يشارك فيها الشعب الفلسطيني كله، وتعيد اللحمة التي تكاد تكون مفقودة بين مكوناته، وتجعل هذه المقاومة المدنية الشعب الواقع تحت الاحتلال أقل فأقل خنوعا ليصبح عصيا على السيطرة أكثر فأكثر، وعندئذ يخسر المحتل أمام العالم بأسره سلطته حتى لو ظلت قوته العنفية والقمعية موجودة.
إن تكامل أشكال النضال المختلفة، بما فيها العمل الشعبي الانتفاضي، يجعل منها كرة ثلج تتعاظم ولو ببطء مع كل إنجاز جزئي، لكنها تتدحرج لتكبر، فهي فعل تضامني، تشاركي، تراكمي، ورافعة من روافع المقاومة المُتعددة الأنماط بيد الشعب الفلسطيني في ظل الاختلال الهائل في موازين القوى العسكرية على الأرض لصالح الاحتلال. كما هو عمل فعّال لا يجوز التقليل من شأنه وأهميته أو الاستهتار به، فهو عمل يستطيع أن يرسم خطواته على الأرض، وأن يترك آثاره القوية في مواجهة الاحتلال على المديات الطويلة، ولنا أكثر من مثال حي وطازج في سياق ما ذهبنا إليه، وأقرَبُه المثال الجنوب إفريقي في جوهره ومضمونه وفكرته ــ مع بعض الفوارق عن الحالة الفلسطينية ــ حين انتصرت إرادة شعب جنوب إفريقيا على نظام الأبارتهايد بالعمل السلمي الديمقراطي الواسع المترافق مع نمو وتطور الحراك الدولي المساند على مدى زمني طويل نسبيا استمر لنحو تسعين عاما، فسقط نظام الأبارتهايد والبانتوستنات وتحوّلت جنوب إفريقيا دولة لكل مواطنيها على قاعدة الصوت الواحد للمواطن الواحد بغض النظر عن لونه أو جنسه، وصعد نيلسون مانديلا كأول رئيس أسود للبلاد بعد أن قاد الكفاح السلمي الديمقراطي في بلاده، وقضى من أجل ذلك نحو ربع قرن من الزمن في سجون نظام الأبارتهايد قبل انهياره.
إن خبرات كثيرة صنعتها العديد من شعوب العالم في مسارات كفاحها السلمي الديمقراطي المتعدد الأشكال والأنماط من أجل الاستقلال والتحرر الوطني بما في ذلك الخبرات التي أكتسبها الفلسطينيون أنفسهم، حيث عليهم الاستفادة منها، وأن لا يبخسوا هذا الشكل وهذا النمط الكفاحي. ففي ظروف ومعطيات الحالة الفلسطينية يكتسي هذا النمط أهمية كبرى، برهنت عليها نتائج الانتفاضة الكبرى الأولى التي انطلقت نهاية العام 1987، حيث اقتصرت فعالياتها على العمل الشعبي الواسع كالمظاهرات والإضرابات مع استخدام الحجارة وزجاجات المولوتوف بوجه الاحتلال، وقد استطاعت أن تُعيد للقضية الفلسطينية حضورها الكبير إلى طاولة المجتمع الدولي، وأن تستقطب اهتمام وتضامن شعوب العالم على أوسع مدياتها، وأن تدق أبواب العالم بأسره. هذا النمط السلمي من الأعمال الوطنية والكفاحية، لا بد وأن يُعطي (أكُلَهُ) ونتائجه المثمرة ولو بعد حين، فهو عمل سلمي ديمقراطي وحضاري بامتياز، يتقبله الرأي العام على امتداد المعمورة، ولا يستطيع أحد أن يطعن به أو أن يطعن بمصداقية ودوافع أصحابه وحملة رايته، أو أن يتهم أصحابه بـ”الإرهاب”. كما هو عمل طويل النفس يحتاج لمتابعة ومراكمة، كما يحتاج لأفراد ونشطاء على درجة جيدة من الوعي السياسي ممن لديهم الاستعداد للمضي بهذا المشروع وفتح الأبواب أمامه، كما يحتاج لمشاركة منظمات المجتمع المدني وبالتالي إشراك أوسع قطاعات الناس.
العمل الكفاحي يفترض به أن يتناسب حسب معطيات كل مرحلة، وأحيانا كثيرة من الممكن أن يتم تغليب شكل على آخر، مسنودا بعناصر الدفع والترجمة من أفراد وقوى وتيارات، لنجد الحالة الفلسطينية العامة أمام مقاومة شعبية فعّالة، ومقاومة متعددة الأشكال، تستفيد من الحجم الكبير نسبيا للكتلة السكانية الفلسطينية على أرض فلسطين التاريخية، وتسبب حالة ضغط حقيقية على الاحتلال ووجوده، وترفع من تكلفته الباهظة، مع تحويل المقاومة الفردية إلى حالة شعبية حيوية وقابلة للاستمرار، باعتبارها قابلة للانتشار الشعبي، ولتحقيق هدف الوصول للتحرر والاستقلال، وقبل كل شيء حق اللاجئين بالعودة.
ومن هنا، إن استشفاف المرحلة التالية من العمل الفلسطيني، ترجّح ضرورة اعتماد استراتيجية النفس الطويل المبني على النظر إلى مدى تاريخي. إلى ممارسة كل أشكال المقاومة، من العمل الفدائي المسلح، ومنها الأنماط والأساليب المناسبة لكفاح يومي مرير وطويل الأمد، في المقاومة المدنية التي ينتظم من خلالها كل الشعب الفلسطيني، وبالعمل على جلب واكتساب المزيد من تعاطف شعوب العالم وتضمنها على امتداد المعمورة، وهو ما بات يلحظ في نشاط وعمل الحملة العالمية لمقاطعة “إسرائيل” وفرض العقوبات عليها (bds)، والتي يقودها متطوعون من فلسطين وعموم العالم وخصوصا من دول الغرب الأوروبي حَقَقَت تلك الحملة جملة من النتائج الطيبة والإيجابية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 47 / 2184396

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2184396 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 3


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40