الأحد 2 أيلول (سبتمبر) 2018

الحل الذي يكادُ أن يَلفُظَ أنفاسه

الأحد 2 أيلول (سبتمبر) 2018 par علي بدوان

في الانتقالات التدريجية لمسار الرؤية السياسية والعملية في الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، بدأ يتبلور مفهوم حل الدولتين في بواكيره الأولى منذ اقرار البرنامج المرحلي (برنامج النقاط العشرة) صيف العام 1974 في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني التي عُقِدَت في العاصمة المصرية القاهرة، بالرغم من أجواء المعارضة التي سادت طرح البرنامج إياه من قبل بعض القوى والشخصيات الفلسطينية من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، وحقق هذا الأمر انتقالاً هاماً منذ أواخر العام 1988، وتحديداً بعد الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني التي عُقِدَت في الجزائر العاصمة، وكانت الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى في أوج تصاعدها، فتم طرح مشروع حل الدولتين استناداً لحزمة قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وهو أمر تحفظت عليه بعض قوى وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تصوّت إلى جانبه سوى حركة فتح ذات الأغلبية في المجلس الوطني الفلسطيني ومعها الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي الفلسطيني (حزب الشعب الفلسطيني حالياً)، بينما اتخذت كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وجبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية موقفاً متحفظاً من المشروع ومن الإشارة للقرار الدولي 242 ومن مسألة الإعتراف به، وغابت عن أعمال المجلس في حينها كما هو معروف كلاً من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/القيادة العامة، ومنظمة الصاعقة.
أخذ مفهوم حل الدولتين بالتبلور أكثر فأكثر بعد الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس الراحل ياسر عرفات في دورة أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي التأمت في جنيف في 14 ديسمبر 1989 بعد أن رفضت الولايات المتحدة إعطاء تأشيرة دخول لياسر عرفات، وفي الخطاب المذكور أعلن ياسر عرفات قبوله بالشروط الثلاثة المعروفة التي قدمتها الإدارة الأميركية عبر وزير خارجيتها جورج شولتز في حينها، واطلق بعد إعلانه قبولها دعوته لحل الدولتين، فيما أعلنت وقتها الإدارة الأميركية عن فتح أبواب الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية بشخص سفيرها روبرت بيلليترو، وتوقفت جلسات الحوار بين منظمة التحرير الفلسطينية والإدارة الأميركية بعد قيام تنظيم جبهة التحرير الفلسطينية (بقيادة أبو العباس) العضو في منظمة التحرير بعملية فدائية على شواطىء تل أبيب في أيار/مايو 1990.
وللدقة والموضوعية فإن مجموعة حزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا) التي كانت قد انشقت عن مجموعة نايف حواتمة (الجبهة الديمقراطية) أوائل العام 1990، كانت الطرف الأول الذي بدأ بالترويج لمصطلح “دولتين لشعبين” عبر تعاميمها السرية التي كانت توزعها داخل تنظيم الجبهة الديمقراطية قبل أن تتبلور كحالة تنظيمية وسياسية خرجت لاحقاً من جسم الجبهة الديمقراطية. وفي تلك الفترة لم تكن حركتي حماس والجهاد الإسلامي قد بلورتا مفاهيمهما السياسية البرنامجية الآنية، سوى برنامجهما العام الذي يقول بفلسطين وقف إسلامي من نهرها الى بحرها.
وينطلق المُتحفظون على مشروع حل الدولتين من قوى التيار القومي واليساري وحتى من بعض الجهات داخل حركة فتح من واقع أن هذا الحل يعني بشكلٍ أو بأخر تنازل عن أكثر من (80%) من أرض فلسطين التاريخية. وشطب حق العودة الذي يُمثّل جوهر قضية فلسطين. وأن حل “دولتين لشعبين” يعني التفاوض على نسبة الأراضي التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية، وهنا يكمن الخطر من وجهة نظرهم، وهو الخطر الذي فتح شهية الكثيرين من قادة “إسرائيل” الذين قال العديد من زعاماتهم “إنَّ الدولة الفلسطينية لجميع الفلسطينيين” ليصير الهدف من دولتين لشعبين الى التخلص من المواطنين العرب الذي بقوا صامدين فوق أرض وطنهم بعد عام النكبة في الداخل المحتل عام 1948، وباتت أعدادهم تفوق مليونا ونصف المليون مواطن، وبالتالي الوصول إلى دولة يهودية خالصة، كما يدعو الآن قادة معظم احزاب الخريطة السياسية في “إسرائيل” أصحاب شعار “الدولة القومية” و “الدولة اليهودية النقية”.
أما على الطرف الآخر من المعادلة الفلسطينية، ومن وجهة نظر باقي القوى وعلى رأسها حركة فتح، فإن “حل الدولتين” مشروع وطني تراكمي في سياق العملية الكفاحية المرحلية، كما هو مشروع تكتيكي تصادمي مع الموقف “الإسرائيلي” والأميركي، فضلاً عن كونه يحظى بقبولٍ دولي باعتباره مُستنداً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبالتالي يُمكن له أن يُحشّد العالم والمجتمع الدولي خلف المطالب الفلسطينية العادلة، وهو مايتضح الآن حين نرى أن الموقف الدولي يؤيد وبقوة مبدأ حل الدولتين ويرى به الخيار الأساسي لحل القضية الفلسطينية، دون المساس بوجود أبناء فلسطين على أرض وطنهم في الداخل المحتل عام 1948، وعلى أن يتم حل قضية اللاجئين وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وخاصة القرار 194 القاضي بحقهم في العودة والتعويض.
وكما هو ملاحظ بالنسبة لحل الدولتين، فإن الحل يكاد يبدو الآن، وفي الوقت الراهن مستحيلاً، حيث الإنحياز الأميركي الفاقع والصارخ لدولة الإحتلال، وفي ظل فجاجة السياسية الأميركية التي يقودها الرئيس دونالد ترامب والطاقم المُتصهين المحيط به، خاصة بعد قرار ترامب بشأن القدس واعترافه بها كعاصمة للدولة العبرية ونقل سفارة واشنطن اليها، وتجفيف مصادر الدعم لوكالة الأونروا ومحاربتها، والسعي لتفكيكها وتحويل مهام عملها للدولة المضيفة وتغيير تعريف اللاجىء الفلسطيني.
كما أنَّ ـ “إسرائيل” لا تريد الإعتراف بحق الفلسطينيين في القدس الشرقية، ولا الرجوع لحدود العام 1967 ولا تفكيك المستعمرات، بل تريد دولة اسمية للشعب الفلسطيني بدل الحقوق، وليس دولة بحقوق (أكثر من حكم ذاتي بقليل وأقل من دولة بكثير) مع شطب حق العودة الذي يُشكّل لباب القضية الفلسطينية وعنوانها الأساس. وعليه إن حل الدولتين بات في مهب الريح بل وفي موت سريري حال لم تقدم الإدارة الأميركية على تغيير مواقفها المعلنة والعملية تجاه الشعب الفلسطيني، وهو ماقد يفتح الباب، وعلى المدى الأبعد، أمام حل الدولة الواحدة الذي تخشاه دولة الإحتلال بشكلٍ كبير، بل ويثير الهلع عندها، ويبدو بأن هذا الحل سيكون الحل الممكن والواقعي في نهاية المطاف.

مقال

- الصنميات في العمل الفلسطيني

الابتلاء العام الذي حَدَّ من تطور الفكر والعمل السياسي الفلسطيني، وأصاب الجسم الفلسطيني بمكوناته الفصائلية والحزبية بالأزمة، انطلق من الصنميات التي حكمت سياسات معظم تلك الفصائل والأحزاب والقوى التي غيّبت الجانب النقدي، واستعاضت عنه بلغة القيادة المعصومة والينبغيات، مع غياب العمل المؤسساتي الحقيقي والجدي، ومع إدارة الظهر للدروس والمحطات الثمينة التي مرت بها الحركة الوطنية الفلسطينية، والتي دفعت بها نحو التقوقع والتكلس والتحول إلى مايشبه الأحزاب السلطوية، كما هو حال العديد من الأحزاب السلطوية الحاكمة في بعض بلدان العالم الثالث، حيث إنتقلت الأحزاب المشار إليها من “الراديكالية العالية” الملونة بالألوان الجيفارية والكاستروية والماوية والتروتسكية وحتى الديمقراطية الليبرالية … الخ، إلى أحزاب “أيديولوجيا المنافع والجمهور الفضفاض “وبلباس” البراجماتيا المفتوحة السقف، وتالياً لم تجد من يدافع عنها إبان الأزمات كما حصل في الاتحاد السوفييتي السابق عندما أنهارت دولة الترسانة النووية وحزب العشرين مليون عضواً ولم تجد شوارع موسكو فرداً واحداً يدافع عن الإتحاد السوفييتي أو عن الحزب البلشفي الذي قاد الإتحاد السوفييتي لأكثر من سبعين عاماً.
حالة الممانعة للتجديد في الفكر والممارسة والعمل تَبَدَّت في الحالة الفلسطينية بشكلٍ فاقع، فالذين “يألفوا ولا يأنفوا” من كبح تدفق الدماء الشابة داخل أنسجة مؤسسات العمل الفلسطيني، والرافضين لنظرية “تدافع الأجيال الايجابي”، و”إحلال الجديد مكان القديم”، هؤلاء من دخل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية سنوات تأسيسها أو بعد ذلك بقليل، ومازالوا في مواقعهم “كأيقونات آثرية من التاريخ الروماني” رغم تجاوزهم السن القانوني و”سن التقاعد البشري”، وبعضهم تجاوز الثمانين من عمره واقترب من نهاية العقد التاسع دون أن يترك المجال لأجيال الشعب التي نمت في ميدان الحركة الوطنية والمقاومة والانتفاضة لتأخذ دورها في قيادة المؤسسات، فما زالوا خالدين مخلدين في قيادة مؤسساتها ماداموا على قيد الحياة، والنقد هنا لايمس بالضرورة أهمية دور القديم وعطائاته، ولاخميرة تجربته، لكن هذه الخميرة تصبح عديمة الفعالية ومؤذية حال بقائها حيث هي. وحسناً ماوقع في الدورة الثالثة والعشرين الأخيرة للمجلس الوطني الفلسطيني، والتي عقدت بداية أيار/مايو 2018 وفيها تم اختيار لجنة تنفيذية جديدة للمنظمة.
لقد سيطرة تاريخياً، القاعدة التجريبية على الحالة الفلسطينية والعمل الوطني في إطار المؤسسة الوطنية الجامعة كما هو مفترض ونعني بها منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك على حساب الإشتقاق البرنامجي القائم على فكر متطور وعلى إستيعاب عميق لمراحل ومحطات العمل الوطني الفلسطيني المختلفة منذ العام 1965.
والتجريبية التي نقصدها هنا لا تنتج عملاً أبداعياً متميزاً في السياسة والممارسة، ولاتنتج فكراً ألمعياً متألقاً، ولا تنتج كذلك رؤية واستشفاف وتقدير جيد للموقف، بمقدار ماتنتج سياسات قائمة على قاعدة (لنجرب ونرى) وتراجع في الاشتقاق الفكري ومرواحة بالمكان، وهي قاعدة أدت في نهاية المطاف للوقوع في مطبات كبرى كان ثمنها أليماً وقد تم دفعه من كيس وحساب الشعب الفلسطيني.
إن مرض التجريبية في العمل السياسي بجوانبه الفكرية والعملية في الساحة الفلسطينية وبشكلٍ عام، دفع نحو إحلال حالة الجمود والتقوقع في البنى السياسية والمؤسساتيه الفلسطينية.
ومع هذا، وحتى لانتهم بالمغالاة من قبل بعض المتسرعين، وبنظرة موضوعية بعيدة عن الاختزال التهديمي، أو النقد الجارح في تقييم مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية، وعموم الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة بكل عثراتها وسلبياتها، فإننا يمكن أن نتلمس الكم الهائل من الانجازات التي حققتها منظمة التحرير الفلسطينية عبر مسارها الشائك، وأولى هذه الانجازات تمثل في الدور التاريخي الذي قامت به منظمة التحرير في الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني، وفي لملمة شتاته القسري، وتالياً في إعادة بعث وبلورة كينونتة الوطنية بعد سنوات من محاولات الشطب والطمس والاقتلاع القومي، وفي إعادة تثبيت حضوره على خارطة الصراع في الشرق الأوسط كشعب أصيل من شعوب المنطقة له الحق الكامل في تقرير مصيره، وفي إيجاد الحل العادل لقضية اللاجئين من أبنائه الذين يشكلون نسبة 65% من تعداده في الداخل والشتات، وهكذا انضمت المنظمة الى الأسرة الدولية منذ العام 1974، وكسرت زجاج “الحقيقة المزيفة” التي قامت عليها وروجت لها الدولة العبرية الصهيونية من أن “فلسطين أرضاً بلا شعب لشعب بلا أرض ” وأنه ” لايوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني”.
ان منظمة التحرير الفلسطينية وعموم فصائل العمل الوطني الفلسطيني وقد بلغت من العمر عتياً، كان ومازال يفترض بها أنها تجاوزت مرحلتي المراهقة “المبكرة والمتأخرة” بمعنى الفكر والممارسة، لكنها لم تستطع الى الآن أن تتجاوز حالة التفكك والانقسام بين أطرافها المختلفة، بسبب من تعقيدات الحالة الفلسطينية، وواقع الجغرافيا السياسية وما تفرضه من إستحقاقات تبدو أحياناً أكبر من إمكانيات الفلسطينيين أنفسهم، وأكبر من أن يستطيعوا أن يلجموا تفعيلاتها، وصعوبة تحقيق التوازن الفلسطيني الديناميكي في المعادلة الاقليمية دون التأثر بمتحولات المعادلة على جانبيها. ولكن كل هذه الأسباب لاتبرر في حال من الأحوال فقدان وحدة “القرار والارادة” واستمرار الإنقسام الفلسطيني السياسي الذي يدلل في جوهرة على أزمة في العمل وفي الفكر السياسي الفلسطيني.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 59 / 2183333

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2183333 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40