تمر الذكرى التاسعة والثلاثين ليوم الأرض في فلسطين، وعلائم الثبات والبقاء راسخة في صفوف عامة مواطني الداخل الفلسطيني المُحتل عام 1948. فالترانسفير أصبح من الماضي وخلف التاريخ، وممارسات الحكومات «الإسرائيلية» المُتعاقبة فَشِلت ولن تفضي لنتائج مُحددة على صعيد «أسرلة» من تبقى من أبناء فلسطين فوق أرضهم وطنهم التاريخي داخل حدود العام 1948.
نَجَحَ فلسطينيو الداخل في عبور الامتحان الصَعب والقاسي طوال العقود التي تلت النكبة، فكسروا إرادة الاحتلال وصنعوا إرادة جديدة، باتت اليوم أكثر تماسكاً من أي وقتٍ مضى في الدفاع عن الأرض وعن الوجود وعن التاريخ والهوية الوطنية والقومية، وفي الثبات والبقاء على أرض الوطن في حيفا، ويافا، واللد، وعكا، وسخنين، وعربة البطوف، ودير الأسد، ودير حنا، وعيلبون، وأم الفحم، وكفر مندا، وكفر كنّا، وراهط، وفي عموم النقب.
إن مواطني الداخل من أبناء فلسطين، المُتجذرين فوق تراب وطنهم التاريخي داخل ما يسمى بـ «إسرائيل» وبصمودهم وتفانيهم وإصرارهم على البقاء فوق أرضهم، تركوا بصماتهم على اتجاهات التغيير، حيث تزايد التأثير العربي كقوة سياسية وديمغرافية مهمة، لهم مكانتهم في الصراع في المرحلة المُقبلة، فتعاظم الصعود في الانتماء الوطني جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني الواحد الموحد في الداخل والشتات، وفي الصراع ضد نهب الأرض وتدمير القرى العربية، ومن اجل إزاحة كابوس التمييز العنصري والسير نحو الكينونة الوطنية الموحدة للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.
ومما لا شك فيه بأن إعادة بلورة الهوية الوطنية لفلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 لم تكن وليدة لحظاتها، كما لم تكن «صاعقة في سماءٍ صافية»، بل جاءت في سياقٍ مُستمر من التحوّل على أنقاض نكبة عام 1948، وبرز هذا التحوّل بشكلٍ مُميز أثناء هبة يوم الأرض في (30 مارس 1976) في مناطق الجليل والمثلث والنقب.
إن عملية إعادة بلورة الهوية الوطنية والقومية لفلسطينيي الداخل عام 1948، تتغذى في جانبٍ كبير منها من سلوك سياسي واجتماعي بمضمون طبقي عند الأغلبية اليهودية الصهيونية الرسمية الحكومية والحزبية التي تَدفَع بفلسطينيي الداخل دون أن تدري نحو مواقع العملية الوطنية والقومية العربية، فهناك اتجاه عام يتوالد وتَدفع به الحالة المُجتمعية اليهودية التي تَتصرف مع العرب الفلسطينيين داخل حدود العام 1948 بمنطق اللامساواة في أي من مجالات الحياة، منطق «أولاد الجارية» والتمييز العنصري والطبقي.