بعد النتائج الأخيرة التي أفضت اليها انتخابات الكنيست العشرين في «إسرائيل»، يُدرِكُ كُلُ ذي بصيرة، وكل صاحب إرادة شجاعة في ساحة العمل الفلسطيني، أن مسار العمل السياسي الفلسطيني التفاوضي مع الطرف «الإسرائيلي» يجب أن يَتَغَيّر، تَغَيُّراً ملموساً ومحسوساً، يضمن الخروج من التكتيكات والسياسات التي تقادمت.
ومن منطق المراهنات العقيمة لصالح سياسة جديدة، رشيدة، ومُبادرة وشجاعة، تقطع مع منطق التفاوض الماضي، وتفتح الطريق أمام استثمار وتثمير كل أوراق ومفاعيل القوة باليد الفلسطينية في مسار مواجهة الاحتلال وسياساته، ومواجهة مُجتمعٍ «إسرائيلي» صهيوني، بات التطرف عنوانه الرئيسي.
إن المعنى الفلسطيني في فوز نتانياهو، يَتحدد بعبارات واضحة كما أجمعت كل القوى الفلسطينية من أقصاها الى أقصاها، تلك العبارات التي تقول إن المجتمع «الإسرائيلي» غارق في تطرفه كل يوم أكثر من اليوم الذي سَبقه، والسبب الرئيسي وراء ذلك يَتَمَثّل في حالة التردي العربي والفلسطيني، التي تُزيد من اندلاق شهية المجتمع «الإسرائيلي» نحو انتهاج المزيد من تلك السياسات المتطرفة، وترفع عنده من منسوب منطق العنجهية والتطرف والتغني بلغة القوة والغطرسة والبطش.
هنا نقول، إن القطع الفلسطيني الرسمي وغير الرسمي مع الماضي القريب، الماضي التفاوضي المأزوم، بسلبياته التي فاقت كُلِ تَصَوّر، ومع سياسات المراهنات والتعويل والمناشدات، لا يتم بالحديث اللفظي الكلامي الإنشائي، ولا يتم بالتصريحات اللجوجة، ومنطق التأتأة السياسية، بل بإحداث خطوات ملموسة على الأرض تبدأ من تطبيق القرارات الأخيرة التي صدرت عن أعمال المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية أوائل مارس 2015 الجاري. وهي القرارات التي دعت لوقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، والانطلاق نحو المجتمع الدولي وهيئاته المعنية، والانضمام اليها. وقبل كل ذلك بالعودة للبيت الداخلي الفلسطيني من أجل إسدال الستار على الانقسام الداخلي، ووقف عمليات التطاحن والتآكل الداخلي في الساحة الفلسطينية، والتي استفاد منهم الطرف «الإسرائيلي» أيما فائدة.
إن الرد الفلسطيني المُنتظر على التحول اليومي في المجتمع «الإسرائيلي» الصهيوني، وشهيته المندلقة نحو سياسات التطرف، كما أشارت الانتخابات التشريعية للكنيست، يفترض به أن يكون رداً عملياً يتجاوز منطق الضغوط التي قد تقع على الفلسطينيين لثنيهم من اتخاذ أي مواقف في مسار مواجهة حكومة نتانياهو القادمة، ويدفع باتجاه كسب التعاطف الدولي، عبر التحرك الفعّال في ميدان العمل السياسي الدبلوماسي المُبادر إلى جانب المجموعة العربية، ومجموعة الدول الصديقة في العالم، المؤيدة للكفاح الوطني التحرري العادل للشعب العربي الفلسطيني، بما في ذلك بعض دول الاتحاد الأوروبي التي باتت في مواقفها أقرب بكثير للفلسطينيين من الطرف «الإسرائيلي».
إن المرحلة القادمة، حبلى بالمعارك السياسية المُتوقعة بين الفلسطينيين والاحتلال. حيث يتوقع لعملية التسوية المأزومة أصلاً أن تموت في ثلاجة الموتى بعد سباتها العميق المُمتد منذ سنوات.