ما حصل في فرنسا من حادث مؤسف يجب ان يقرأ في سياق أشمل من تصريحات المسئولين وتنديدات القادة والرسميين، بل حتى أشمل من تقارير الاجهزة الامنية، لان هذا العمل مهما كانت دوافعه وبواعثه والجهات التي تقف خلفه، ولد في مناخ دولي واوربي قابل للتفجير واشتعال الحروب والقتل والعنف..
فماذا يعني عندما تقوم طائرات فرنسا بقصف في ليبيا او تقوم مجموعات يمينية بحرق المساجد في السويد، او تقوم طائرات أمريكية بقتل المدنيين الامنين في اليمن وافغانستان والعراق.. ماذا يعني عندما تنحاز امريكا ودول اوربية عديدة انحيازا اعمى ضد مصالح الامة وحقوقها .. ان الاجابة عن هذه الاسئلة تستدعي من الادارات الغربية وضع حلول لتنقية المناخ العام الدولي من الاحتقانات، ونزع فتائل الصراعات الدامية التي لن تقف عند حدود او مجال.
وللاسف بدل ان تسعى المؤسسات الغربية لحلول حقيقية وجوهرية لارساء اسباب السلام العالمي، توجهت الى اقصر الطريق، ولكنه اخطرها .. توجهت لادانة الاسلام وتشويهه، والطعن في ثقافته وقيمه، من خلال سلوك رسمي، كما نهجت الحكومات الفرنسية بمنع الحجاب في المدارس والجامعات، وبالسماح لثقافة الكراهية ان تتواجد في جمعيات ومؤسسات تاخذ تراخيصها من الدولة الغربية.. ففي حين يعتبر جريمة حرب أي كلام ضد الصهيونية، او أي تكذيب للهلوكست، فانه ببساطة يتم تمرير مصطلح حرية الصحافة والتعبير، عندما يكون الكلام البذيء حول الاسلام ونبيه الكريم ونساء النبي..
لم يستوعب القادة الغربيون الفكريون والاستراتيجيون الدرس التاريخي في صراعنا الحضاري معهم، وأبقوا على كل ادواتهم الرديئة فيه.. فلقد سبق لهم العمل على تشويه اسلامنا ورموزه من خلال جهد واسع قام به المستشرقون، وكما قال المرحوم المفكر الكبير ادوارد سعيد: ان الغربيين صنعوا لنا شرقا من الحريم والخمور والبذخ والتفاهة، فإما ان ندخله لننسجم مع النمط الذي رسمه الغرب لنا، أما إن حاولنا التخلص من هذا المسار، وذهبنا لنعيش افكارنا ومنهجنا كما نفهمه نحن، فاننا نصبح ملاحقين من قبل اجهزة الاعلام والامن الغربية، تشويها وافسادا.
ولم يقف العدوان على امتنا الى هذا الحد.. بل اصبح القرار الغربي واضحا في حرماننا من التكنولوجيا وسر المعادن، وتتم المؤامرة علينا باستمرار، لكي نظل مستوردين للاشياء مستهلكين لما تنتجه مصانعهم، فنصبح الممولين لاقتصادهم وليس لنا الا هذه المهمة .. ويستمر اللعب بمقدارتتا وثرواتنا كما هو حاصل الان في ملف النفط والمحروقات.. حتى عدنا لا نستطيع رسم خطة تنمية لفترة زمنية معينة، ولا رسم معالم نهضة، لان كل شيء عندنا مهدد نتيجة تحكمهم في كل منافذ الحياة الدولية.
هم اساءوا لانفسهم في الحين الذي اساءوا فيه الينا.. ان عملهم المنهجي والمتواصل لتشويه الاسلام وشرعنة الاساءة للمسلمين، زرع بذور العنف في مجتمعاتهم ووفر المناخ المناسب لتولد الاحتراب بين مكونات المجتمع الواحد، حيث عاد المسلمون اليوم احد مكونات المجتمع الاوربي، بل لعل بعض الدول الغربية قريبا سيطلق عليها دولة اسلامية.. هنا تصبح الاهمية قصوى لنشر ثقافة السلام المجتمعي، وهنا يصبح القادة الاوربيون مطالبين بان يسارعوا لحماية مجتمعاتهم بمكوناتها الثقافية والدينية، وهذا يتطلب ارساء معيار اجتماعي وسياسي وامني واحد وهذا يعني التحرر من الاسلامفوبيا.. انه خير للمسلمين، سواء كانوا في المجتمعات الاوربية او في سواها وهو خير للاوربيين، ان تنشر بينهم ثقافة التعايش والاحترام والتعاون الانساني، لان النار لا حدود لها، ولان العنصرية تولد عنصرية، والعنف يولد عنفا.. تولانا الله برحمته.