السبت 22 شباط (فبراير) 2014

ترتيب المطالب أولا..

السبت 22 شباط (فبراير) 2014 par صالح عوض

ما يحدث في بلادنا العربية من ثورات وصراعات وحروب داخلية في كثير من الأقطار لم تمر بها الأمة من قبل عبر تاريخها.. فما الذي تريده الشعوب، وما الذي تريده النخب السياسية والثقافية ؟؟ هل اقتربنا من حل مشكلاتنا أم أننا أصبحنا رهائن لواقع آخر.. ما هو السبب الجوهري لما نحن فيه من حروب؟

في بلادنا العربية أصبنا بأفهام مضطربة نحو كل مكوناتنا، نحو الدين والأمة والحضارة، والكفاح والنهضة، والتحالفات والسياسات وذلك فيما نحن نواجه تحديا حضاريا شاملا، فرضه علينا العدو الاستعماري منذ توزع البريطانيون والفرنسيون على بلادنا يحطمون فيها كل شيء، ويفككون بناها الفكرية والثقافية ويلقون في مفاصلها سمومهم، ويضعون على نواصيها من يضمن إبقاءها مخدّرة منكوسة.

والتحدي الغربي يتجدد من مرحلة لأخرى بوسائل متجددة متغيرة، يقصد بوضوح عدم ترك فرصة لنهوضنا، ولقد واجهنا ذلك بأن رفعنا لمعاركنا عناوين لم تراع ترتيب الأولويات، والبحث عن الممكن من عدمه في الزمان المناسب، وبذلنا جهودا تحت شتى العناوين إلا أننا لا نزال نراوح أماكننا في كثير من المجالات لاسيما على صعيد كرامتنا القومية وأمننا القومي.

والمتابع لعمليات النهضة أو بناء الدولة، أو المواقف السياسية العامة يستطيع أن يضع اصبعه على موطن الداء، إنه بوضوح كما أشار إليه المفكر الكبير مالك بن نبي، غياب النظرة الهندسية والتزام عملية البناء البدائي، في مثل هذه الحال تصبح أكثر المعضلات مباشرة لنا وانكشافا هي الملفتة لانتباهنا، والتي نصب عليها جهودنا وبعد فترة من الزمن نكتشف أن كل جهودنا ذهبت هباء منثورا لأنه كان يتعين علينا البحث عن سبل علاج قضية أخرى، والأمر هنا يشير إلى أهمية معرفة ما نحن بصدده من مشكلات، هل هي عرض للمرض أم أنها هي المرض؟ فما كان عرضا للمرض يكون من العبث الانشغال به عن قضايا هي المولّدة للمشكلات المعاشة.

وهذا يقودنا شيئا فشيئا لمعرفة أهمية ترتيب أولوياتنا، وتبدو العملية مثيرة للسخرية والألم عندما تطرح سؤالا على مجموعة من المفكرين والسياسيين والمثقفين فتقول من أين نبدأ؟ أو ما هي مطالبنا؟ أو ما هي المشكلات التي تعيقنا؟ ستسمع مئات الأجوبة وهذا يتضح في ما يسمى برامج الأحزاب في الوطن العربي، وما تطرحه من أفكار وخطط، الأمر الذي يعني بوضوح أن ليس أحدا منها معني باخروج من الأزمة.

في سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عمل منظم منهجي مرتبة أولوياته منذ اللحظة الصفر إلى بناء المجتمع، والقيام بواجبات الرسالة كل فعل وقول وتقرير جاء في زمانه ومكانه على طول السنوات المباركة التي عاشها النبي، نريد هنا أن نؤكد أن المراد من الإشارة إلى عهد النبوة أنه من الضروري إدراك سر الانتصار، وهو بوضوح التزام سنن العمل التي تضع خطة هندسية انطلاقا من فكرة حقيقية حيّة، وفي تجربة الإمام ابن باديس، إشارة مهمة إلى عمل حضاري منهجي مرتبة أولوياته ومطالبه، يبدأ من “اقرأ” ساعيا إلى الحرية والاستقلال، مقيما لشبكة علاقات فعّالة وسلوك ملتزم بقيم حضارية، فما كان له أن ينادي بمطلب الحرية قبل أن يكون لديه جيل من الناس يفهم لغته وأسلوبه، ويناضل من أجل الحرية والاستقلال. وفي هذا الطريق كان بناء المدارس وإنشاء الكشافة وعقد الندوات، ونشر الاعلام وتفسير القرآن والموطأ وتعليم البنات وحشد الطاقات كل في وقته وزمانه المناسبين..

الآن تستجيب للحراك هذه الشعوب المقهورة والمشتتة همومها على العلاج، ولقمة العيش والحريات والمطالب العديدة، فضلا عن كرامتها وهي ترى المقدّسات تنتهك، والأقصى يهان بفعل المستوطنين المتطرفين فتضرب هذه الشعوب ضربا أهوج يسارا ويمينا وهي فاقدة قيادة حقيقية لديها من اللياقة ما يكفي، بل نجدها أسيرة الاشاعة وكتابات على الفايسبوك تنفعل وتشتعل، ولا يستطيع عاقل أن يقول إن هذا الحراك إنما هو في صالح غير الأمة.. ونحن اليوم، لا نتكلم بلغة الاستشراف بل بلغة الراوي والشاهد على ما يجري في تونس وليبيا وسورية وسواها، وإن الجرأة والصراحة والصدق مع شعوبنا تقتضي منّا التنويه إلى أن كل تحريض لها لتخرج أو تنتفض أو تستنفر إنما هو من باب التسلية ومضيعة الدم والجهد..

أجل لدى ااشعوب مطالب واحتياجات وحقوف من المعيشية إلى الإنسانية إلى السياسية، لكن هذا لا يعني أبدا اللحاق بركب الطبّالين والمثورين إنما يعني أن تتقدم نخب الشعوب إلى الإجابة على أسئلة حقيقية وبالترتيب.. ما هي الخطوة الأولى التي يجب أن تنصب عليها الجهود، وما هي الخطوة الثانية والثالثة وهكذا، لأننا نكون فقط مخرّبين لبلداننا ومجتمعاتنا إن نحن اختصرنا المراحل وبعثرنا السبيل المستقيم.

فلو اتفقنا على التعليم مثلا في مستواه ومجالاته، وكثفت الأحزاب كل عملها على هذا العنوان الكبير لتجنيبه من الفساد والتهميش والتخلّف، وحشدت الأحزاب وراءها الشعب وفئاته للمطالبة بتوفير الغلاف المالي والخطط، والمناهج لجعل التعليم مادة التنافس والنضال لمدة 10 سنوات نكون قد استوعبنا طاقة ضرورية تؤسس لخطوات حقيقية من التصنيع بشتى أنواعه لاسيما ما يحقق لنا توفير دوائنا وغذائنا وسلاحنا، ليس المقصود في هذا المقال وضع خطة تفصيلية، إنما الإشارة إلى ضرورة إلزام أنفسنا بحزم بمنهج نهوض حقيقي يوفر لشعوبنا الوفرة والسعادة والحياة الكريمة.

مطالب الشعوب عديدة لكن لابد من ترتيب لها وإلا فستظل هذه الشعوب رهنا لكل محرّض مثور بحق أو غير حق، وبذلك نوفر الفرصة مجددا للعدو الاستعماري كي يخترق الصفوف، ويؤجج الصراع بين مكونات الشعب والأمة، وأن عدم ترتيبها يولّد من المفاسد ما هو أكثر إثما منها، ولعل في تجارب الحراك العربي دليلا واضحا.

إن للشعوب مطالب محقّة وحقوق لازمة، وهي من ينبغي التفرغ لخدمتها، ولكن طلائع الشعوب ينبغي أن لا تتورط فيما من شأنه تعميق الأزمة، وإبعاد الشعوب عن أهدافها وإلقائها في ميادين القتل والفتن، لابد من الارتقاء إلى مستوى الصراع المفروض علينا، والعمل من أجل نهضتنا وكرامتنا وعزّتنا وفلسطيننا، من خلال عمل منهجي يرتّب الأولويات ويدير باتقان أشخاصنا وأفكارنا وأشياءنا.. تولانا الله برحمته وهو أرحم الراحمين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165831

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165831 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010