يَمُر الوضع الفلسطيني في لحظاتهِ الصعبة، بعد الانتكاسات الأخيرة التي وقعت في الذكرى العاشرة لرحيل الرئيس ياسر عرفات في قطاع غزة، وما تلاها من عودة أجواء التوتير والشحن والتسخين غير المُبررة في البيت الفلسطيني الداخلي، وبروز بوادر مُقلقة مع غياب الحكمة والاقتدار في معالجة ذيول ما وقع من أحداث مؤسفة يَرفُضهَا كلُ عاقل، وكل حريص على مصلحة الفلسطينيين.
فما وقع في قطاع غزة، ومع رَفضِهِ وإدانته، كان ومازال من الممكن معالجته بتروٍ وحكمة، وبروحٍ عالية من الندية والإيجابية، يتم من خلالها تجنيب الوضع الفلسطيني الهبوط نحو مزالق جديدة، ليس الفلسطينيون بحاجة لها، وفي وقتٍ تحتاج فيه المعادلة الفلسطينية لتصحيح توازنها عبر العودة لترجمة اتفاق المصالحة الوطنية الشاملة إلى واقعٍ عملي وملموس على الأرض، والانطلاق نحو تَفكيك كل العُقد التي ما زالت تعترض البدء بعملية توحيد عموم المؤسسات بين الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، والبدء بإعادة إعمار ما تم تدميره في قطاع غزة بعد العدوان «الإسرائيلي» الأخير.
فحماية الوحدة الوطنية هي بوابة إعادة الإعمار وفك الحصار عن القطاع، حيث لا إعمار مع الخلافات الداخلية.
كما يَمُرُ الوضع الفلسطيني في لحظاتٍ حاسمة أيضاً، مع بوادر نهوض وطني عارم في وجه الاحتلال، واندلاع المواجهات اليومية بين أبناء القدس ومواطنيها مع سلطات الاحتلال وأجهزة أمنه ومجموعات المُستوطنين الذين باتوا يجولون ويصولون دون رقيب أو حسيب، ويتمادون في ممارساتهم الاستفزازية وحتى الدموية بحق أبناء القدس من عموم المواطنين الفلسطينيين.
فالفلسطينيون، بدؤوا بشق مرحلة جديدة في العمل الشعبي المُتعدد الأشكال والأنماط وحتى الأساليب، التي بتنا نَسمَعُ بها كل يوم، والتي يبادر للقيام بها العديد من الفتيان والشبان، ومن كوادر وأعضاء بعض الفصائل الفلسطينية ونشطائها، كنشطاء حركة الجهاد الإسلامي وحماس وفتح، ونشطاء اليسار الفلسطيني من أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وبعيداً عن تقييم تلك الأساليب، التي قد يتحفظ البعض عليها، كعمليات الطعن بالسكاكين والمدي و(الشباري)، وعمليات الدهس بالسيارات التي وقعت خلال الأيام الماضية، واستهدفت عدداً من جنود الاحتلال ومن مجموعات المستوطنين، وقد امتدت من القدس إلى الخليل جنوب الضفة الغربية، إلا أن تلك الأساليب تَحمِلُ رسائلها وتعبيراتها البليغة والفصيحة، والتي تقول إن الاحتقان وصل إلى حدوده العليا عند عامة الناس من أبناء فلسطين، وخصوصاً المقدسيين منهم، مع استمرار سياسات الاحتلال والاستيطان ونهب الأرض دون رادع، واستمرار اعتداءات المستوطنين، واقتحام باحات المسجد الأقصى، وإغلاقه أمام جمهور المؤمنين في أوقاتٍ مُختلفة.
كما تحمل رسائلها التي تقول بأن ردع الاحتلال وسياساته وكَسر انفلات المستوطنين، يُجيز للناس اشتقاق كل السُبل المُمكنة لرفع هذا الظلم، ولفت انتباه العالم والمُجتمع الدولي لما يجري في فلسطين، والعمل من أجل وضع حدٍ لسياسات الاحتلال في ظل انشداد المجتمع الدولي لأزماتٍ جديدة ومُشتعلة في المنطقة بعيداً عن قضية فلسطين.