الأحد 9 أيار (مايو) 2021

جذور ثقافة الخلط بين نظام الحكم والوطن والدولة

الأحد 9 أيار (مايو) 2021 par عبدالله الاشعل

تمهيد: أشرنا في مقالات سابقة بأننا نفضل أن نصلح العلاقة بين الحاكم العربي والمواطن، فنزيل معوقات إصلاح الحاكم وإصلاح المحكوم في نفس الوقت. ذلك أن الانفجارات والثورات لا تتوفر فيها شروط الصلاحية للتغيير السلمي، ولذلك لا مفر من تفادي هذا الاحتكاك العنيف بين الحاكم والمحكوم كما حدث خلال عامي 2011- 2012، وكانت النتيجة وبالا على الوطن لأسباب متعددة.
أولها عدم نضج الثورات وتحكم بعض القوى فيها لصالحها، وثانيا أن هذه الثورات هدفها اقتلاع الحاكم بالقوة ومحاكمته فدافع عن بقائه ومصالحه ومصالح تحالفاته الداخلية والخارجية، وثالثا أن أوضاع السلطة استقرت على معادلات لصالح قوى داخلية مستفيدة وخارجية.
فصار نمط الحكم العربي مفيدا لحلفائه الأجانب ولذلك حاربوا كل تغيير للوضع الراهن، ورابعها أن التغيير وآلياته ليس في ثقافة العرب، والأمثلة الشعبية تؤكد المحافظة على الوضع الراهن.
وخامسها أن الحاكم العربي مصاب بداء حب السلطة وما يحيط بها من امتيازات، وسادسها أن المصالح الأجنبية تم ترتيبها على وضع حاكم معين ونمط حكم يناسبهم، وسابعها أن إسرائيل لها تأثير كبير في كل ما يتعلق بأوضاع السلطة العربية وعلاقاتها الخارجية والبينية.
ويمكن أن نحصر هذه التحديات في مجموعتين: الأولى تتعلق بالحاكم والأخرى تتعلق بالمحكوم، وقد فصلنا في مناسبة أخرى التحديات المتعلقة بالحاكم واقترحنا أفكارا لتفكيكها حتى يستقل الحاكم العربي ثم يستشعر الحاجة إلى شرعية من شعبه ولكن ذلك سوف يستغرق وقتا يعد التخلص من أمراض السلطة وأزمة الحكم وأخطرها الطبقية، طبقة الحاكم واتباعه وطبقة المحكوم وهي الأغلبية حيث يستقوي الحاكم بالمستفيدين والمنتفعين والخارج ويستعلي على المحكوم ويفرق بين المحكومين على أساس الولاء للحاكم.
التداخل عند الحاكم بين نظام الحكم والوطن والدولة.
ابتداءا الوطن هو الدولة وهي تشمل الأرض والشعب والسلطة المديرة للدولة ولا يجوز الخلط بين الدولة والسلطة أو بين الدولة والحكومة وهي الجهاز التنفيذي من السلطة.
أزمة السلطة في العالم العربي كله هي أن الحاكم يعتقد أنه البداية والنهاية، صحيح أنه رأس الدولة وصاحب السلطة العليا فيها لكن الحاكم يعتقد أنه الأحرص على مقدرات الدولة وأن في سلامة السلطة سلامة للبلاد. ولكن المشكلة امتدت إلى قطاعات جديدة وهي أن المعارض يعتبر عدوا للوطن وأن وطنيته مجروحة وأنه عرضة للتآمر الخارجي واستغلاله ضد أمن البلاد.
وقد التبس على الحاكم العربي مفهومان الأول أمن الوطن والثاني أمن نظام الحكم، أما الثاني فهو مقدم تماما على الأول على أساس أن الحاكم مسؤول عن سلامة البلاد، فهذا العمل يخول له أن يفعل ما يشاء لتحقيق هذه الغاية، فيوزع الوطنية على أساس أن الولاء له وليس للوطن، فأغلق مساحة التمييز بين الحاكم والوطن.
وقد صورت الأعمال الدرامية المصرية خاصة بعد عبدالناصر هذه المفاهيم حيث اعتقد ضباط يوليو أن الطبقة السياسية هي التي أفسدت الحياة السياسية فتخلصوا من السياسة والطبقة السياسية وحاكموها بتهم الفساد.
وكان ضابط الجيش والذي قام بدوره الممثل (رشدي أباظة) يعذب السجناء السياسيين فيرقى بقدر تعذيبه لهم وليس لكفاءة عسكرية عنده، والمنطق من وراء ذلك أن الضابط في الجيش يواجه العدو الخارجي، أما ضابط السجن الحربي فهو في معركة مع أعداء الوطن في السجون.
ومن حسن السياسة ألا نلقي اللوم على أحد وإنما نعيد تقييم هذه التجربة بأمانة حتى نحدث التغيير المطلوب. والحل أن يقبل الحاكم فكرة المواطنة المطلقة وحكم القانون، وأن يمارس المحكوم حقوقه القانونية بشكل مستنير.
فكيف نقنع الحاكم أن شخصه شيء وكيان الوطن شيء آخر وأن الحاكم فرد ينتهي أجله مهما طال عمره أما الوطن فحقيقة إنسانية وجغرافية ممتدة تتبدل عليها الحكام وأنماط الحكم.
وقد بلغ الأمر في مصر أن قرنوا بين ميلاد الحاكم وميلاد الوطن، بحيث يفنى الوطن برحيل الحاكم.
والطريف أن الممارسات السياسية لحكام مصر المعاصرة وتصريحاتهم تعكس هذه المعاني المختلفة خاصة إذا مكث الحاكم أحقابا وعبث بالسلطة خارج أي نوع من الرقابة، فكان الرئيس مبارك يردد إما هو أو الفناء والفوضى.
فاعتقاد الحاكم أنه حارس الوطن وبقية الشعب مشكوك في ولائهم ولابد من مراقبتهم لسلامة الوطن إساءة للوطن. تماما كما حاول هيكل أن يكرس استبداد عبدالناصر فأطلق نظريته بأن أمن الوطن مقدم على امن المواطن، فأحدث تقابلا وتناقضا زائفا بين أمن الوطن وأمن المواطن ذلك أن أمن الوطن هو يقوم على أحرار الوطن واتبع هذه النظرية بأن حرية الوطن مقدم على حرية المواطن فكل مصادرة لحرية المواطن هي لصالح حرية الوطن وهذه صيغة بائسة حسبت عليه.
فالوطن الحر يقوم على سواعد الأحرار وقد ربط الحاكم العربي بين الولاء له والولاء للوطن بحيث أي نقد يوجه له يزعزع استقرار الوطن ويفتح الباب للمؤامرات الخارجية.
فلا بد للحاكم أن يتخلى عن هذه الأوهام ويعتقد ان المواطنين هم أيضا حريصون ربما أكثر منه على الوطن وأن المواطنة الحقة هي أن تكون علاقة المواطن بوطنه مباشرة ولا يجوز أن تمر عبر الحاكم حتى يوزع صكوك الوطنية.
ولهذا السبب لابد من دراسة التشوهات في معتقدات الحاكم العربي ورده إلى الصحيح من الأحكام حتى ينزل من عليائه ويثق بأنه من بني آدم وكل ابن آدم خطاء وأن الوطن لا يمكن أن يدار من جانب فرد وإنما لابد أن يشعر المواطنون جميعا أنهم شركاء في هذاالوطن قبل الحاكم وبعده فإن أحسن إلى الوطن فاز وإن أساء إلى الوطن فعليه إساءته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2184662

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبدالله الاشعل   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2184662 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40