الأحد 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2020

الاستهداف الإسرائيلى للسودان ودلالاته

الأحد 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2020 par عبدالله الاشعل

تعرض السودان لغارة جوية على مصنع الفتح فى الخرطوم فى الأسبوع الأخير من أكتوبر 2012 وقبلها بعام تعرضت بعض السفن والمدن السودانية لغارة مماثلة. خرجت هذه المعلومات فى بيان الحكومة السودانية وحدها يتهم إسرائيل فى الحالتين، وكانت الحكومة السودانية قد اتهمت إسرائيل رسمياً بمساندة الجنوب على الانفصال كما تساند حركات التمرد فى دارفور، أى أن السودان مستهدف بشكل كامل من إسرائيل وأن هذا الاستهداف قديم يهدف إلى تمزيق السودان وإضعافه كما يهدف إلى إذلاله وقمعه. فى كل الأحوال تحدث السودان ولم تنكر إسرائيل ولكنها لم تعترف والغريب انها رغم عدم الاعتراف بعدوانها فانها برر في الحالتين أيضا : وفي الحالتين سكت العالم العربي تماما كما يسكت علي ضرب غزة واغتيال القيادات الفلسطينية وكأنه يسلم بحق اسرائيل في ذلك.وقد ادانت مصر مبارك حزب الله وبرت عدوان اسرائيل علي غزة واحتفلت بوزيرة خارجية اسرائيل وهي تعلن خطة احراق غزة من القاهرة في مؤتمر صحفي بدا فيه ابوالغيط الوزير السابق والحبور يملا وجهه.وفي الحالتين استندت اسرائيل الي موقف مصر وبعض دول الاعتدال العربي في المعسكر الامريكي تبريرا لهذا العدوان البربري الغاشم.في العام الماضى قالت إسرائيل إنها ضربت سفينة سودانية محملة بالأسلحة ومتجه إلى غزة حتى لا تقع الأسلحة فى أيدى المقاومة الفلسطينية.
فى الغارة الأخيرة قالت إسرائيل أن مصنع الفتح الذى تم ضربه يقوم بتصنيع صواريخ لحساب إيران، أى أن إسرائيل تريد أن تقول بصراحة أن السودان هو الطرف العربى الوحيد الداعم للمقاومة عسكرياً أو الوسيط بين المقاومة وإيران،بعد انشغال سوريا في المأساة التي سيدفع العرب جميعا ثمنها غاليا، وأنه لذلك تمت مهاجمته. الغريب أن العالم العربى والجامعة العربية لم تعلق على هذا العدوان كما أن السودان لم يتابع الموضوع فى الجامعة أو الأمم المتحدة ولم نسمع سوى تصريح للرئيس المصرى يدين العدوان ويعلن تضامنه مع السودان ثم وقف الأمر عند هذا الحد مما يثير الكثير من الأسئلة . السؤال الأول حول دوافع العدوان وهو أن يكون ضربة استباقية فى اطار ما أجادته إسرائيل من فنون الضربات الاستباقية خارج الحدود وكان أشهرها عملية مطار عنتيبى 1976 التى قتل فيها شقيق نتانياهو والذى أنشأ بأسمه مركزا لمكافحة” الإرهاب “.
والغريب أن العالم العربى وكتابه وإعلامه يسكتون عادة عن رفض التبريرات الإسرائيلية وهو ما يقنع إسرائيل بصحة موقفها ومحاولاتها تغيير قواعد القانون الدولى وفقاً لأساطيرها. السؤال الثانى يتعلق بسبب الصمت السودانى والعربى: هل هو عجز من هذه الأطراف على الاستمرار فى متابعة مسلسل العدوان أم اقرار منهم بأنهم يستحقون ذلك. يبدو أننا يجب أن نضيف سبباً هاماً يستقر تحت كل التفسيرات الظاهرة وهو أن الأزمة السورية ورطت إيران ودولاً خليجية وجدت أن إيران أخطر من إسرائيل وأن قوة إيران ودعمها للمقاومة العربية سواء فى فلسطين أو فى لبنان هو كسب على حساب الخليج والعالم العربى ولذلك فإن الخليج لا يشعر بالارتياح إلى وجود السودان كدولة وسيطة بين إيران والمقاومة، كما لا يرتاح الخليج إلى التقارب السودانى الإيرانى، وهو صراع إيرانى خليجى انعكس على صفحة الكثير من المناطق المجاورة فى افغانستان والبحرين ولبنان والعراق والسودان وسوريا وحتى مصر التى لم تتمكن من اعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، والتي لم تتابع مبادرتها بضغط من الخليج في الازمة السورية.
فدور إسرائيل مع جنوب السودان ومع دارفور لا يخفى على أحد وسعيها إلى تفتيت السودان وغيرها من الدول العربية لا يحتاج إلى بيان. ولذلك فقد أصبح السودان على الأقل منذ عام 1967 واستضافته للطائرات المصرية والقمة العربية الشهيرة عام 1967 طرفا فى الصراع العربى الإسرائيلى وهذا هو السبب فى استهدافه. ولكن الغريب هو أن الدول العربية جميعاً ومعها الجامعة العربية تدرك هذه الحقيقة ولم استطع أن أفهم لماذا أصبح العدوان إسرائيلى على السودان مثل عدوانها على غزة أمراً مفروغاً منه ولا يحتاج إلى موقف عربى. بل أن الضعف العربى هو الذى يشجع إسرائيل على مثل هذا العدوان، ولعل هذا العدوان الذى يستغل هذا الضعف يهدف أيضاً إلى اختبار رد فعل النظام فى مصر ونرجو ألا يكون قد أطمأن إلى أنه حتى بيانات الاستنكار والشجب والتى كانت مسلكاً عربياً مألوفاً قد أصبحت من تراث الماضى. والغريب أيضاً أن الغارات تتم فى ظروف وتلبيس لا يتمكن معها المواطن العربى من التظاهر والاحتجاج خاصة وأن الإعلام الغربى يحاول أن يرسم صورة الرئيس البشير تماماً كما فعل مع صدام حسين عندما صوره بأنه دكتاتور فى مواجهة شعبه مما برر لهم محاكمته واعدامه ولم يعترض العالم العربى على ذلك لأن صورة صدام كانت قد شوهت بالحق والباطل منذ غزو العراق للكويت. أما البشير فقد ركز الغرب على أنه يقود نظاماً إسلامياً ويتبني المنظمات الارهابية رغم أن سلم كارلوس وبن لادن صنيعة الولايات المتحة في فترة توظيف التيار الاسلامي واستغلال عاطفته الدينية ضد السوفييت الملحدين والكفار في أفغانستان، وأنه تسبب فى فرار جنوب السودان منه بدينه وحريته وأنه ارتكب الجرائم فى دارفور ضد شعبه وأنه يؤيد المقاومة وهى فى نظرهم حركه إرهابية يسعون للقضاء عليها ويرون أنهم بغيرها يعم السلام طبعاً الاسرائيلى وليس السلام الذى نعرفه.
أن الصمت الذى أحاط بإستهداف السودان يوشك أن يدفع إلى الحذر فى إثارة الملف خشية أن تكون كل الأطراف عالمة بما دفعها إلى السكوت بينما جهل الكاتب والمراقب، ويكفى أننا نسجل واقعاً ننكره خاصة وأن السودان مستهدف فى أرضه وانتمائه ووحدته الوطنية كما اننا لسنا بحاجة إلى التأكيد على أن السودان بعد فلسطين والعراق يجرى تفتيته وتلحق به ليبيا وسوريا ولبنان ويكتمل مخطط تفتيت العالم العربى فهل تدرك الشعوب العربية أنها تسعى إلى الانعتاق من ربقة الاستبداد لتقع أوطانها ضحية التفتيت والتقسيم، ونرجو ألا تكون الدول العربية من خلال هذا المشهد السودانى قد استسلمت لاقدارها وجنحت إلى التسليم بأن التقسيم والاذلال قدرمكتوب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 185 / 2184528

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبدالله الاشعل   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2184528 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40