الأحد 6 كانون الأول (ديسمبر) 2020

إشكالية الشعارات القومية حول الحدود وأثارها فى العلاقات العربية

الأحد 6 كانون الأول (ديسمبر) 2020 par عبدالله الاشعل

أطلق بعض الزعماء القوميين مثل عبدالناصر وصدام حسين والسادات وغيرهم عددا من الشعارات التى إن تحققت لصارت الأمة العربية دولة واحدة أى دولة أمة. ذلك أن القومية لعبت أدوارا مختلفة فى العلاقات الدولية بعضها سلبى والبعض الآخر ايجابى. فعندما رفع بسمارك شعار ألمانيا واحدة أدخل الإمارات الألمانية كلها عدا النمسا بالحديد والنار فى ألمانيا الموحدة ثم اعتنق هتلر نفس الفكر القومى ولكنه كان انتقاميا، فبسمارك ضم إمارات أمانيا ضمن أمة واحدة أما هتلر فأثار النعرة القومية وأحيا الروح الألمانية الكسيرة والجريحة لكى تنتقم ممن قهروها خاصة فرنسا وكانت النمسا التى استعصت على بسمارك أول ضحايا شعار هتلر بأن جيوشه تقف حيث ينتهى وجود ألمانى.
وكان هتلر يقول أن ألمانيا إما أن تذهب إلى حيث يوجد الألمان أو البديل هو أن يأتى الألمان إلى ألمانيا، المهم أن تلتئم الأمة الألمانية وكان أستاذنا العبقرى حامد ربيع معجبا ببسمارك وكان مثل كيسنجر يحث عبدالناصر على توحيد العرب رغما عنهم مثل الألمان لكى يكونوا أمة دولة عاصمتها القاهرة.
ولكن د. حامد ربيع أعجب بالفكرة ولم يبحث الواقع وإمكانيات الزعماء العرب خاصة العسكريون منهم وقارنهم بظلم وبراءة بالزعماء الألمان فكانت الكوة فى ألمانيا الهتلرية أنه بالغ فى القومية الانتقامية ولم يدرك حدود القوة الألمانية كما تدخل فى أعمال العسكريين الألمان العباقرة وظن أن زعامته السياسية تمتد إلى الفرض العسكرى وهذا مربط الداء الذى وقع فيه كما تورط فيه عبدالناصر والسادات وصدام وغيرهم.
ومعنى ما تقدم أن الشعارات القومية وردية وجميلة لكنها نزلت على واقع مختلف معقد ثم أن من رفعوها كانوا قد استسلموا لعقدة الزعيم والتعلق المرضي بالسلطة فتصور نفسه هو الوطن وأنه حارسه وأن أى مخالف له خائن مادام هو مخلص لهذا الوطن مما أورد الوطن فى ألمانيا وفى الدول العربية مورد التهلكة ورحل الزعماء وبقيت آثارهم المدمرة. ففى ألمانيا وجدوا من يصلح، أما عند العرب فقد وجدوا من يكرس الاستبداد وطريقة الدراويش والتغطية على أخطاء الزعيم وسط شعوب ضيع عقلها مما جعل مآل المانيا شئ ومآل العرب فى الحضيض.
المهم أن الزعماء العرب دغدغوا مشاعر الناس بأن الأمة مادامت واحدة فهى تستحق دولة واحدة تحت إمرة الزعيم، فتشاجر الزعماء وتحولت آمال الأمة إلى نزاعات شخصية وخيبات.
ومن أهم الشعارات التى انعكست على صفحة العلاقات العربية بكل الضرر هو قولهم أن الحدود بين الدول العربية حدود وضعها الاستعمار ورتب ذلك لكى يتنازع العرب والحل هو الوحدة العربية بحيث تندمج هذه الكيانات فى دولة واحدة لها حدود خارجية واحدة، أما الحدود بين الدول العربية فهى حدود استعمارية لا تعترف بها. هذا الشعار رفع بينما مقومات الوحدة متوفرة ولكن التنازع حول من زعيم الدولة الجديدة جعل كل الدول تتمسك بهويتها الوطنية وتحذر الوحدة التى تطمس هذه الهويات تحت رئاسة زعيم غير رئيسها. وكانت تجربة الوحدة المصرية السورية سابقة فهمت بشكل خاطئ وظن بعض الزعماء أن الواقع قد اندمج مع الخيال فتعاملوا مع الخيال قفزا على الواقع. مما خلف مآسى كثيرة فى العلاقات المصرية السودانية والعلاقات العراقية الكويتية والموريتانية المغربية والمغربية الجزائرية وكذلك الفلسطينية الإسرائيلية.
أولا: عبدالناصر
1- رفع شعار الوحدة العربية بينما تقلص الاتجاه القومى وتلقى الشعار وتجربة الوحدة المصرية السورية با لإحباط ولذلك فهى بحاحة إلى دراسة شاملة. فالوحدة العربية شعار لكن لم يتم انزال الشعار بطريقة عقلية فأحدث تنفيذه بطريقة عشوائية كارثة وسابقة سيئة.
2- رفع عبدالناصر شعار تحرير فلسطين وأن فلسطين جزء من أمة وعلى الأمة أن تستنقذ هذا الجزء من السرطان الصهيونى فاستأمن الفلسطينيون إلى هذا الطرح المغرى والمنطقى فتعلق الفلسطينيون بعبد الناصر ومقولاته دون أن يدركوا أن هذا شعار لم يكن عبدالناصر مدركا لمطلوباته فأنتهى الأمر بكارثة 1967 التى احتلت إسرائيل بها كل فلسطين وبدأت برنامج التهويد والتهام فلسطين.
3- إصرار عبدالناصر على أن حدود الدول العربية مؤقتة وصنعها الاستعمار لتمزيق الأمة دون أن يفطن إلى أن الشعار جميل ولكن التمسك به دون تحقيقه أدى إلى كوارث أول هذه الكوارث فى قضية الكويت حيث اعتقد صدام ببطلان الحدود الاستعمارية كما حثه استاذنا حامد ربيع على أن يكون بسمارك فقام يضم الكويت بالقوة وألا يعترف بالحدود الكويتية العراقية.
أما مصر والسودان فقد أغلق عبدالناصر القضية التى رفعها السودان إلى مجلس الأمن حول حلايب وشلاتين عام 1958 بالقول بأن الوحدة العربية تنهى هذه الحدود المصطنعة . ففهم السودان أن عبدالناصر تخلى عن حلايب وسلم بملكية السودان لها مما زرع أساس الشقاق حتى الآن بين البلدين.
ثانيا: صدام حسين
اعتقد صدام حسين أن العراق كان يضم الكويت تحت الدولة العثمانية وأن الكويت كان من ولايات العراق فحبه للعراق وللوحدة العربية والقضية الفلسطينية أقنعه بضم الكويت بالقوة وفاءا للعراق ومقدمة للوحدة العربية الشاملة وأن محو الحدود الاستعمارية واجب وطنى.
فجمع صدام حسين بين الوطنية والقومية وعدم الاعتراف بالحدود الاستعمارية. والطريف أن صدام اشترط للانسحاب من الكويت أن تنسحب إسرائيل من فلسطين وفى ذلك دلالة مركبة فهو اعتراف بأن احتلاله للكويت مثل احتلال إسرائيل لفلسطين وثانيا هو لا ينوى الانسحاب مادامت إسرائيل جاءت إلى فلسطين لتبقى. ولاشك أن احتلال العراق للكويت كان مقدمة لضياع العراق والقضية الفلسطينية معا. وقال صدام أيضا أنه احتل الكويت لكى يكون قادرا على تحرير القدس أملا فى أن يكسب التيار الإسلامى فيكون قبوله الاحتلال الكويتى ثمنا لتحريره للقدس. ولا أظن أن صدام كان جادا فى هذه المقولة ثم أن صدام حين غزا الكويت كان مؤيدا من واشنطن وإسرائيل والتيارات الإسلامية وهى سنية لسبب بسيط وهو أن هذه التيارات تكفر الشيعة واعتبرت غزو صدام لإيران عملا جهاديا فى سبيل الله خاصة تحت علم العراق وعليه لا إله إلا الله محمد رسول الله.
صحيح أن الكويت كانت محافظة من محافظات العراق ولكن بعد استقلالها صارت دولة بعد أن كانت تحت الإدارة العثمانية جزءا إداريا يتبع ولاية بغداد والطريف أن العراق رفض استقلال الكويت وناصب بريطانيا العداء وطالب بضم الكويت إلى العراق فى عهد عبدالكريم قاسم الذى تربص بالقوات البريطانية عند رحيلها من الكويت فهم باحتلالها لولا أن عبدالناصر وقف لهذا الاتجاه فى إطار الجامعة العربية وكان هذا الموقف غريبا مناقضا لقناعة عبدالناصر القومية المتفقة مع قناعة البعث العراقى بأن الحدود الإدارية العثمانية والسياسية تعد الاستقلال حدودا استعمارية هدفها تمزيق الأمة الواحدة وكأن هذه الوحدات بعد انحسار الولاية العثمانية عنها كان يجب أن تكون دولة واحدة بعاصمة واحدة بدلا من تعدد العواصم والهويات الوطنية. وقد ضربت القضية الفلسطينية ضربة نجلاء عندما أيد ياسر عرفات احتلال صدام للكويت ربما لأنه انخدع بشعار أن الاحتلال هدفه تحرير القدس فكانت تلك الواقعة مؤشر العد التنازلى للقضية كما تأثر الفلسطينيون فى الخليج كثيرا بهذا الموقف الذى انطوى على تناقض واضح وهو أن حرية فلسطين على حساب احتلال الكويت، أو ربما فهم عرفات أيضا وهو ينتمى إلى التيار القومى أن الحدود العراقية الكويتية حدودا استعمارية أملا فى أن تحقق الوحدة العربية للدفاع عن التهام إسرائيل لفلسطين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 459 / 2184661

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبدالله الاشعل   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2184661 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40