ما زال حزب الجبهة الوطنية اليميني المُتطرف في فرنسا بعيدًا كل البُعد عن أبواب قصر الأليزيه الباريسي، وما زالت زعيمة الجبهة ماري لوبن بعيدة أيضًا عن تحقيق حلم والدها المؤسس عن أبواب الأليزيه، بالرغم من التقدم المحسوس والملموس الذي أنجزه حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في انتخابات الأقاليم تمهيدًا للانتخابات الرئاسية القادمة في فرنسا، والمُتوقع إجراؤها بعد حوالي (14) شهرًا من تاريخه، وذلك بالرغم من إعادة التموضع الجديد في المشهد السياسي الفرنسي، حيث بات حزب الجبهة الوطنية اليمينية في مواقع أفضل مما كان عليه في الفترات السابقة منذ تأسيسه بقيادة الأب جان لوبن، من حيث حضوره وفعاليته في المجتمع الفرنسي.
فالجبهة الوطنية اليمينية بقيادة ماري لوبن تَقدَمت تكتيكيًّا وبشكلٍ ملموس في انتخابات الأقاليم، وخَسِرَت موقعها شخصيًّا، لكنها لم تَخسَر الانتخابات كحزب، وكجبهة وطنية فرنسية، بالرغم من النكسة الكبرى لأبرز ثلاث شخصيات في حزبها: خسارتها شخصيًّا في الشمال، وابنة شقيقتها ماريون ماريشال لوبن في الجنوب، وفلوريان فيليبو المخطط الاستراتيجي للحزب في الشرق.
إذًا، تَقَدُّم الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، تَقَدُّم قد لا يقود لنهايات إيجابية في الانتخابات الرئاسية القادمة. مع أن الآخرين من عموم الأحزاب الفرنسية كانوا في تراجع، والهزيمة الكبرى هنا كانت للرئيس فرنسوا هولاند وائتلاف اليسار والحزب الاشتراكي من خلفه، بالرغم من دعوته وسعيه لقيام (الجبهة الجمهورية)، وتحقيق تحالف مع اليمين بقيادة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وحزبه (الجمهوريون) في وجه (الجبهة الوطنية اليمنية المُتطرفة) التي تقودها ماري لوبن بعدما حققت فوزًا مدويًا في الجولة الأولى. لكن يبقى بأن سياسة “الجبهة الجمهورية” التي دعا إليها اليسار الحاكم قد تُشكل على الأرجح حاجزًا أمام الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة التي توجه أنظارها نحو الانتخابات الرئاسية 2017، بالرغم من الطريق الوعر الذي ينتظر الاشتراكيين جراء الإجراءات الاقتصادية المُشددة، والتي قد تُثير رود فعل شديد عند قطاعات واسعة من الناس في فرنسا، وقد تُسبب فوضى اجتماعية.
ومن حيث المبدأ، إن نتائج انتخابات الأقاليم في فرنسا، أعادت رسم صورة المشهد السياسي، بعد أن فَرَضت (الجبهة الوطنية) بقيادة ماري لوبن، نفسها طرفًا أساسيًّا في خريطة القوى السياسية بعد الفوز التاريخي لحزب (الجبهة الوطنية) في الدورة الأولى من انتخابات المناطق الفرنسية. لكن هذا الفوز يبقى أسير المعادلات الإضافية التي تُقرر المواقف النهائية للجمهور الفرنسي في الانتخابات الرئاسية القادمة. فقد أدّت حالة التنافس الحرج في الانتخابات الفرنسية للأقاليم، إلى تعالي الأصوات التي باتت تصرخ وتحرض الشارع منطلقة من أوساط اليسار واليمين، مُحذرة من خطر خطر صعود اليمين المُتطرف. ووصلت لدرجة عالية حين مع تحذير رئيس الوزراء الاشتراكي (مانويل فالس) من حصول “حرب أهلية” إذا وصلت (الجبهة الوطنية) بقيادة (ماري لوبن) التي تُمثل اليمين المُتطرف إلى السلطة في فرنسا.
لقد شكّلت نتائج إنتخابات الأقاليم الفرنسية تحوّلًا هامًّا لصالح صعود اليمين المُتطرف في الأقاليم المُختلفة، في مواجهة “التحالف الظرفي الآني المَصلَحي” بين اليسار واليمين، وهو صعود بدأ عمليًّا منذ العام 2000. وانتهى الآن بسيطرة اليمين المُتطرف على نحو سبعة مناطق من أصل ثلاثة عشر منطقة. مع تقدّم الحزب اليميني المُتطرف في تلك المناطق، بينها ثلاث مناطق أساسية. مُسجلًا نتيجة قياسية جديدة بحصوله على أكثر من (28%) من الأصوات، ومُتقدمًا على الحزب (الجمهوري) وحزب الرئيس هولاند.
حلَّ الحزب الاشتراكي، حزب الرئيس فرانسوا هولاند في المرتبة الثانية بعدما كان حلَّ في المرتبة الثالثة في الجولة الأولى، لكنه خسر مناطق أساسية بالنسبة إلى حزبه الاشتراكي وتحالف اليسار الذي يتزعمه، ولا تنتهي الأمور أمام واقع أن هذا التحالف يعيش أسوأ أيامه التي اضطرته إلى التحالف مع المعارضة اليمينية، من أجل الخروج بأقل قدر من الهزيمة.
لقد كَسبت ماري لوبن الرهان في تحويل حزبها إلى حزب يحظى بتموضع جيد في الخريطة السياسية الفرنسية، كما كان يحلم والدها مؤسس الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، مُستغلةً حالة التذمر الشعبي للطبقة السياسية التقليدية في فرنسا، التي تعاني أزمات متتالية، وعلى رأسها أزمة البطالة التي باتت تطول نحو ثلاثة ملايين فرنسي. فالرئيس فرانسوا هولاند لم يستطع أن يحقق خطوات ملموسة مُقنعة للناس في محاربة الأزمات الاقتصادية التي تَعصِف بالبلاد ومنها البطالة، حيث حالة الاقتصاد القاتمة، ووضع التوظيف والدين العام، وأزمة منطقة اليورو، وزيادة الضرائب من أجل تمويل الإنفاق، فضلًا عن الارتباك في السياسة الخارجية المُتعلقة بالعديد من المواضيع الدولية. إضافة لاستثمار الجبهة الوطنية وماري لوبن الفعّال للمناخ السائد في الغرب الأوروبي بشأن الرعب من “فوبيا الإسلام” القادم على أيدي المُهاجرين من الأجانب، وخصوصًا بعد تفجيرات باريس الإرهابية التي وقعت في تشرين الثاني/أكتوبر الماضي، وهو ما كان يُثيره باستمرار والدها جان ماري لوبن مؤسس الجبهة قبل وفاته بسنواتٍ طويلة. فالكثير من العناوين والقضايا، ساعدت زعيمة الجبهة الوطنية على التحشيد لانتخابات الأقاليم، تمهيدًا للانتخابات الرئاسية القادمة بعد عام وشهرين تقريبًا للانتخابات الرئاسية، مُستفيدة من اعتداءات باريس، وأزمة اللاجئين إلى أوروبا وغيرها من العناوين الساخنة التي أمست على جدول أعمال الهموم اليومية للشعب الفرنسي.
وخلاصة القول، إن انتخابات الأقاليم في فرنسا، والتي رافقها صعود وتقدم ملحوظ لحزب الوطنية اليمينية المتطرفة، لا يعني بأي حال من الأحوال أن طريق الأليزيه بات مفتوحًا أمام ماري لوبن، بل إن قراءة الأمور بتأنٍّ وبدراية لواقع المجتمع الفرنسي، تشي بأن انتخابات الأقاليم كانت “انتخابات بلا فائز” أو “انتخابات هُزِمَ فيها الجميع”، في إشارة إلى خروج الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة خالية الوفاض بعد فوزها في الدور الأول والمراوحة بالمكان في الدور الثاني، حيث لم تَفُز بأي منطقة، وعدم استفادة اليمين من التصويت العقابي التقليدي، وخسارة الحزب الاشتراكي تفوقه في المناطق.
الجمعة 25 كانون الأول (ديسمبر) 2015
بعيدة عن أبواب الأليزيه
الجمعة 25 كانون الأول (ديسمبر) 2015
par
علي بدوان
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
42 /
2197617
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة كتّاب إلى الموقف علي بدوان ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
8 من الزوار الآن
2197617 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 8