الخميس 27 آب (أغسطس) 2015

عن الدعوة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني

الخميس 27 آب (أغسطس) 2015 par علي بدوان

شَهِدت الأيام الأخيرة مُداولات واعتراضات ونقاشات بين مُختلف القوى والفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في الوسط الفلسطيني بالداخل والشتات، تمحورت حول الدعوة التي أَطلقها الرئيس محمود عباس لعقد دورة جديدة كاملة ومتكاملة للمجلس الوطني الفلسطيني «البرلمان الفلسطيني المُوحد للداخل والشتات»، والمنتهية ولايته منذ سنواتٍ طويلة، لتشكيل وانتخاب قيادة جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية بما في ذلك اللجنة التنفيذية وهي الهيئة القيادية الأولى المُفترضة للمنظمة.

يَضُم المجلس الوطني الفلسطيني «719» عضواً من الداخل والشتات، بمن فيهم جميع أعضاء المجلس التشريعي المُنتخب للضفة الغربية وقطاع غزة والبالغ عددهم «132» عضواً، يُمثلون الفصائل والقوى والاتحادات الشعبية والتجمعات الفلسطينية في فلسطين والشتات وأعدادٍ جيدة من المُستقلين تنظيمياً؛ حيث كان المجلس الوطني الفلسطيني قد عَقَدَ آخر دورة له عام 1996 في مدينة غزة بحضور الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، وهي الدورة التي جرى خلالها تعديل وإلغاء العديد من بنود الميثاق الوطني الفلسطيني الأمر الذي أثار خلافات حادة بين مختلف الأطراف في الساحة الفلسطينية، وهي خلافات مازالت تُجرجِرُ نفسها حتى الآن.

هنا علينا أن نتذكر أن الحالة الفلسطينية تواجه على مستوياتها المؤسساتية الداخلية في ظل الدعوة لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني، إشكالاً قانونياً، يتلخص فحواه في انقضاء المدة القانونية على تشكيلاتها السلطوية والمؤسساتية كالحكومة، والمجلس التشريعي، والرئاسة، وعضوية المجلس الوطني الفلسطيني (البرلمان الموحد للداخل والشتات)، وهو ما كان يَدفع بالقيادة الفلسطينية إلى اللجوء إلى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، لاستصدار قرارات منها، تُعالج المسائل التي لا يُمكن مُعالجتها بمرسوم، مثل انتهاء مدة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، ثم استصدار قرار بالتمديد له، أو انتهاء مدة المجلس التشريعي، واستصدار قرار بالتمديد له، ونيل الموافقة على اتفاقيات وغيرها، وهكذا كان الحال مع انعقاد لقاء طارئ في إطار منظمة التحرير على مستوى المجلس المركزي «الهيئة الوسيطة بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية للمنظمة» لانتخاب أعضاء جُدد في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية «بدلاً من الأعضاء المتوفين» قبل عدة سنوات، اعتماداً على العُرف الذي يَعتبر منظمة التحرير الفلسطينية المصدر الأساسي للتشريع، ومن خلال المجلس الوطني الفلسطيني، وكذلك بناء على العُرف الفلسطيني الذي يَعتبر منظمة التحرير الفلسطينية أعلى من السلطة الوطنية الفلسطينية، وأن المنظمة هي التي أوجدت السلطة، وهي بالتالي مسؤولة عنها.

الدعوة لعقد دورة جديدة كاملة ومتكاملة للمجلس الوطني الفلسطيني، لاقت حتى الآن اعتراضات وتحفظات من بعض القوى الفلسطينية ومنها فصائل في منظمة التحرير كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومن أمين السر السابق للمنظمة ياسر عبدربه..!. كما لاقت ترحيب البعض منها، مع إبدائها العديد من الملاحظات المُتعلقة بطريقة الدعوة والخشية من أن تكون الدعوة استخدامية لا أكثر ولا أقل.

المُعترضون على عقد دورة جديدة للمجلس الوطني وعلى رأسهم حركة حماس، يُشككون في جدوى الدعوة من ناحية الأهداف المرجوة؛ فحركة حماس أَعلنت أنها «لن تشارك في أعمال المجلس حال تم انعقاده» انطلاقاً من تقديرها الذي يقول إن منظمة التحرير الفلسطينية «باتت شيئاً هلامياً»، كما ترى أن دعوة عَقِد المجلس «دعوة استخدامية، وغير نظامية غير شرعية وغير قانونية»؛ حيث ترى أن العضوية القديمة للمجلس قد انتهت ولابد من العودة لاختيار أعضاء جُدد عبر صندوق الاقتراع.

في حين يُقدّر آخرون أن الدعوة الأخيرة لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني الوطني غرضها الأساسي «تمرير استحقاقات جديدة تحت عباءة الإجماع الوطني، حيث يُستحضَر المجلس الوطني وقت الطلب، ولتمرير قضايا محددة»، فيما المجلس في حقيقته صار نسياً منسياً كما هي حال مؤسسات المنظمة كافة.

ومن ثم فإن الدعوة الأخيرة «من وجهة نظر بعض القوى الفلسطينية» ليس لها من وظيفة سوى إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني على نحو أكثر راحة للرئيس محمود عباس في ظل المعركة السياسية التي يخوضها في مواجهة ما بات يُسميه البعض بـ «خلية الإمارات» ومشروعها السياسي للهيمنة والسيطرة على مقادير القرار الفلسطيني، والمُتشكّلة من الثلاثي «ياسر عبدربه+ محمد دحلان+ سلام فياض».

على كل حال، ومع احترام وتقدير مواقف المُعترضين والمتحفظين وحتى المُندفعين في تأييد عقد الدورة الجديدة للمجلس الوطني الفلسطيني، نقول إن عقد الدورة الكاملة والمتكاملة والنظامية للمجلس الوطني الفلسطيني يُشكِّلُ استحقاقاً سياسياً فلسطينياً لابد منه، فعقد دورة المجلس تأخر كثيراً عن موعده الدستوري عدة سنوات، ولكن شرط التحضير الجيد لعقد الدورة وفق أنظمة العمل ولوائحها، وبعيداً عن صفقات «الكوتة والمحاصصة» السائدة في الحالة الفلسطينية، وتجديد عضوية المجلس ورفده بالدماء الصاعدة بالأساليب الديمقراطية، ومن ثم إعادة تجديد شباب المؤسسة السياسية الفلسطينية التي تعاني كهولة طاغية، وذلك عبر صندوق الاقتراع في الداخل الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، والقدس، والشتات والمهجر، وحيث أمكن، وفق نظام التمثيل النسبي الكامل.

إن وظيفة الدعوة لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني يجب أن تَنصَب في إطار السعي الجاد والحقيقي لتوحيد الحالة الفلسطينية وتجديد شرعيتها الديمقراطية الانتخابية بعد سلسلة من التعيينات التي طالت عضوية المجلس منذ الدورات السابقة، وهي التعيينات غير النظامية «ترضيات» التي حوّلت المجلس الوطني الفلسطيني لأكبر برلمان في العالم لشعبٍ لا يتجاوز تعداده «13» مليون نسمة في فلسطين والشتات، تفوق عضويته عضوية برلمان الهند بشعبها الذي تتجاوز أعداده ملياراً من البشر.

إن المطلوب من الدورة الجديدة للمجلس الوطني الفلسطيني، وبالتحضيرات النظامية، الانتقال بالحالة الفلسطينية نحو مرحلة جديدة، تَضمَن استعادة الوحدة الداخلية المُفتقدة، وتجديد الشرعية الفلسطينية على أسس ديمقراطية بالانتخابات؛ فوحدة الشعب الوطنية هي أكبر حامٍ له في الأزمات، وحين يكون الشعب مُنقسماً، كما هو حال الشعب الفلسطيني الآن في الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل وعموم الشتات، فإن مهمة أساسية تَكمُنُ في العمل الجدي لتجاوز الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، الأمر الذي يتطلب الالتزام ببرامج الإجماع الوطني وبقرارات الإطار القيادي الموحد الذي تَمخض عن أعمال الحوارات الفلسطينية التي امتدت لفترات طويلة في العاصمة المصرية القاهرة، وما تم التوافق عليه في مسار الحوارات الوطنية الفلسطينية التي شاركت بها مختلف القوى الفلسطينية، ومنها (وثيقة الوفاق الوطني في 26 /6 /2006) وفي القاهرة (2009 و2011 و2013)، فنجاح عقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني يتطلب بالضرورة وجود حالة من التوافق الفلسطيني، خشية من أن يؤدي عقد دورة المجلس دون التوافق لتكريس وترسيمه في الساحة الفلسطينية بدلاً من إنهائه وإسدال ستاره.

إن الحالة الفلسطينية لم تَعُتد تَحتمل المزيد من الانقسام والتشرذم، ولم يَعُد عامل الزمن مفتوحاً على مصراعيه، فكل تأخير في إنجاز إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية، سيجر وراءه المزيد من التراجعات والانتكاسات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2165551

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

2165551 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 35


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010