الأحد 13 أيلول (سبتمبر) 2015

تأجيل الموعد مهم.. لكن

الأحد 13 أيلول (سبتمبر) 2015 par علي جرادات

منذ استدعائه للانعقاد في غزة، عام 1996، لإلغاء ما يتعارض مع اتفاق أوسلو من بنود الميثاق الوطني، لم يُدعَ المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى الانعقاد. عشرون عاماً مرت على تلك الدورة التي حضرها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وهذا المجلس، الهيئة التشريعية الأعلى للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، يعاني، ككل مؤسسات واتحادات وأطر المنظمة، حالة من التغييب، على الرغم مما وقع خلال هذه المدة من أحداث سياسية مصيرية تخص عموم أبناء الشعب الفلسطيني، ولا تملك جهة غير المجلس الوطني الحق في اتخاذ القرارات اللازمة بشأنها.

فمن انتهاء المدة الزمنية لاتفاق أوسلو في مايو/أيار 1999 إلى صفر نتائج، إلى فشل مفاوضات كامب ديفيد حول قضايا «الوضع النهائي» في يوليو/تموز 2000، إلى اندلاع الانتفاضة الشعبية «الثانية» في سبتمبر/أيلول من العام ذاته، بكل ما وقع خلالها من اجتياحات واستباحات احتلالية، شملت موجة اعتقالات واغتيالات غير مسبوقة، طالت فيما طالت، قيادات وطنية كبيرة ومن الفصائل كافة، إلى اجتياح الاحتلال الشامل للضفة في إبريل/نيسان 2002، إلى اغتيال رئيس الشعب الفلسطيني ورمزه وزعيمه، منذ انطلاقة ثورته المسلحة المعاصرة، ياسر عرفات في نوفمبر/تشرين الثاني 2004، إلى وقوع الانقسام الداخلي المدمر وغير المسبوق في يوليو/حزيران 2007، إلى حروب الحرق والتدمير والإبادة على قطاع غزة في 2009 و2012 و2014، إلى حرب الاستيطان والتهويد والتطهير المفتوحة على «مناطق 48»، والضفة وقلبها القدس، وصولاً إلى القائم منذ سنوات في مخيمات اللجوء والشتات، خصوصاً في سوريا ولبنان، من مأساة إنسانية، بل نكبة ثانية، تستهدف حرف بوصلة أهلها عن قضيتهم الأساس، حق العودة، عبر زجهم في أتون معارك مدمرة لا ناقة لهم ولا جمل فيها.
والآن، لئن كان مصيبة ألا يُدعى المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى الانعقاد لاتخاذ القرارات اللازمة لمعالجة المأزق الوطني، والناجم أولاً عن وجود الاحتلال، وتشديد هجومه السياسي والميداني، ووصول أوسلو إلى طريق مسدود، وثانياً عن تراكم المشاكل الداخلية بسبب إحلال «السلطة» الفلسطينية الشكلية أصلاً، والمنقسمة عمودياً منذ العام 2007، محل المنظمة، وعن تفرد قيادتي هذه «السلطة»، «فتح» و«حماس»، وكل منهما على طريقته، في معالجة كل ما سبق ذكره من أحداث مصيرية، فإنها مصيبة أعظم ألا يُدعى المجلس الوطني إلى الانعقاد لتطبيق اتفاق القاهرة الوطني 2005، حيث تم التوافق على تجديد الشرعيات وإعادة بناء وتفعيل وتوحيد المرجعيات الوطنية العامة، واتفاق القاهرة الوطني 2011، حيث تم التوافق على تشكيل اللجنة الوطنية لتطوير وتفعيل وتوحيد منظمة التحرير، (الإطار القيادي المؤقت للمنظمة)، لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية، وتشكيل مجلس وطني جديد، بالانتخاب على أساس التمثيل النسبي الكامل حيث أمكن، وبالتوافق حيث تعذر، ووضع «وثيقة الوفاق الوطني»، (وثيقة الأسرى)، 2006، موضع التطبيق. بل، وعوض ذلك، يبادر رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة وتسعة من أعضائها يمثلون فصائل محدودة الوزن، إلى تقديم استقالاتهم، بصورة مفاجئة ومرتجلة وغير محسوبة النتائج والتبعات والعواقب، لتبرير دعوة المجلس الوطني بعضويته القائمة في الوطن والشتات إلى عقد دورة استثنائية، (بمن حضر)، في منتصف الشهر الجاري في مقر الرئاسة بمدينة رام الله لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة، بينما لم يغير تعديل رئيس المجلس، سليم الزعنون، جوهر الدعوة،(من حيث طريقة اتخاذ القرار وتسمية اللجنة التحضيرية وتحديد زمان ومكان وجدول أعمال الدورة)، حين دعا إلى «عقد دورة عادية تتحول إلى استثنائية في حال عدم اكتمال النصاب».
لذلك كله، كان من الطبيعي أن تثير هذه الدعوة ما أثارته من انتقادات حادة وردود فعلٍ غاضبة ومواقف رافضة، أجمعت، برغم اختلاف دوافعها، على الدعوة إلى تأجيل موعد عقد هذه الدورة التي دعت إلى مقاطعتها، لأسباب وغايات مختلفة، حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» من خارج المنظمة، وفصائل أخرى من داخلها، أبرزها ثاني فصائلها، الجبهة الشعبية، وقوى مجتمعية مؤثرة وشخصيات وطنية مستقلة وازنة، بينما تباينت الآراء داخل اللجنة المركزية لحركة «فتح» التي أيد أغلب أعضائها تأجيل موعد انعقاد الدورة، كمخرج من الأزمة التي حصلت، سواء داخل الصف الوطني أو داخل أطر قيادة حركة «فتح» نفسها. بل، وكان من الطبيعي أكثر أن يتراجع أصحاب الدعوة عنها عبر الموافقة على تأجيل موعد دورة المجلس لمدة ثلاثة أشهر، (حتى نهاية العام).
مما لا شك فيه أن قرار التأجيل مهم، لكن المهم أكثر، هو أخذ العبرة، والاستفادة، مما أحدثه قرار الاستقالة لتبرير انعقاد دورة «مسلوقة» للمجلس الوطني، من حراك سياسي فصائلي ومجتمعي، يكثف ويشير إلى ما ينبغي اتخاذه من قرارات وطنية، أولها مغادرة سياسة أوسلو، وطي صفحة الانقسام، بما يُخرج الحالة الوطنية الراهنة من مأزقها، ويفتح الباب واسعاً أمام خيار الوحدة والمقاومة لمواجهة عدو يحترف الحروب والتطهير العرقي ويغلق باب التسويات.
فحتى باب ما يسمى «حل الدولتين»، بات مغلقاً بمواصلة سياسة الاستيطان والتهويد لتحقيق حلم «الدولة اليهودية» التي باتت خارج الممكن التاريخي اتصالاً بمعطيات سياسية وحقائق موضوعية، أهمها: أن المشروع الصهيوني لم يستقدم إلى فلسطين سوى نحو 6 ملايين يهودي، وأن نحو 6 ملايين فلسطيني يعيشون الآن في فلسطين التاريخية، وأن قرابة 6 ملايين لاجئ اقتلعوا في عملية تطهير عرقي بشعة عام 48 ونزوح قهري عام 67، ما انفكوا يتمسكون بحقهم في العودة الذي عمدوه بكفاحهم الوطني وتضحياتهم ودمائهم رافضين التوطين وجحيم التشرد، فيما مساعي «الأسرلة» للتجمع الفلسطيني في 48 والتفكيك للتجمع الفلسطيني في 67 والتوطين للاجئين، إنما تصطدم بعناصر الهوية والذاكرة التاريخية والحلم المشترك وموجات النضال التي لا تتوقف. ما يعني أنه محض خداع مواصلة الادعاء بأن الشعب الفلسطيني الذي شتته الغزو الصهيوني، ويوحده سياق تاريخي مديد، ليس بنية واحدة.
هنا ثمة عنصرية صهيونية سياسية إيديولوجية تجثم على صدر فلسطين شعباً ووطناً، لكنها لم تقوَ، ولن تقوى، على إلغاء حقائق الحياة، ولم تنتج، ولن تنتج، غير تأبيد الصراع وتأجيجه وإعادة إنتاجه، ذلك لأنها ترفض الاعتراف بما حل بالشعب الفلسطيني من نكبة ممتدة، وتنكر أن الخطوة الانعطافية لاستئصال أسباب الصراع هي عودة اللاجئين إلى ديارهم، بوصفهم المادة الأساسية لحركة التحرير الفلسطينية والحلقة المركزية في البرنامج الوطني الفلسطيني.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2160535

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2160535 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010