السبت 16 نيسان (أبريل) 2016

الكيان فاشي بالضرورة.. لماذا؟

السبت 16 نيسان (أبريل) 2016 par علي جرادات

أن تُضفي حركة سياسية صفات التميّز، التفوق، الفرادة، الاستثناء، والقداسة الأسطورية على عِرق شعبها، أو أمتها، أو طائفتها، أو مذهبها... إلخ، يعني، عملياً، أنها قررت، عن سابق إصرار، «شيطنة» كل أو بعض «أغيارها»، توطئة لتعبئة وتنظيم وحشد، وإعداد ما أمكن من جمهورها وأتباعها، وإقناعهم بـ«عدالة»، وبـ«ضرورة» انخراطهم فيما تعد، وتستعد له من مواجهة شاملة ومفتوحة، وبكل الوسائل، مع اتباع بعض، (وأحياناً كل)، «أغيارهم». وغني عن القول إن في هذا ما يكفي لولادة الحركات والدول العنصرية الفاشية بصورها، بما فيها أبشعها التي «تشيطن» أتباع «أغيارها»، وتنزع عنهم صفة الإنسانية، لتبرير قتلهم، وتجريم كل من ينتقد ويناهض ما ترتكبه من جرائم حرب موصوفة، وإبادة جماعية ممنهجة، وتطهير عرقي مُخطط. وما نازية ألمانيا بقيادة هتلر، وفاشية إيطاليا بقيادة موسوليني، وفاشية إسبانيا بقيادة فرانكو، إلّا أبرز نماذج الحركات العنصرية الفاشية المعاصرة التي سهل طريق صعودها إلى السلطة ما ساد العالم، غداة الحرب العالمية الأولى، وعشية الحرب العالمية الثانية، من فوضى، ودمار، وعدم استقرار، وأزمة اقتصادية كبرى.
وإذا كانت تلك هي الأعمدة الإيديولوجية والظروف السياسية الاجتماعية الاقتصادية الدولية لنشوء الدول العنصرية في التاريخ المعاصر، فتحصيل حاصل أن تكون العنصرية الفاشية سمة بنيوية ملازمة لـ«إسرائيل». كيف لا؟ وهي التجسيد العملي للصهيونية، كحركة عنصرية استعمارية استيطانية إقصائية إحلالية، «شيطنت» كل العرب، وأنكرت وجود الفلسطينيين، و«قدست» أتباع الديانة اليهودية، واستثمرت «مسألتهم»، واستخدمتهم، لتحقيق هدف مشروعها الأساسي؛ إقامة «دولة اليهود» في فلسطين. ولما كان الهدف هو ما يحدد الوسائل، فبداهة أن يكون العدوان سمة ملازمة لـ«إسرائيل». وبالتالي فإن لا غرابة فيما يرتكبه جيشها ومستوطنوها، الآن، من جرائم وفظاعات الإعدام الميداني، وحرق العائلات والفتية والأطفال الرضع أحياء، وإطلاق الرصاص على رؤوس الجرحى. ولا غرابة، أيضاً، في أن يحظى مرتكبو هذه الجرائم والفظاعات بتغطية سياسية «إسرائيلية» رسمية. ولا غرابة، أيضاً وأيضاً، في أن يفلتوا من العقاب، وأن تسميهم أبطالاً أغلبية ساحقة من يهود «إسرائيل»، وفقاً لنتائج استطلاعات رأيهم، ولما يُنشر على صفحات تواصلهم الاجتماعي. فكل ما ترتكبه «إسرائيل»، الآن، من جرائم تفوق كل تصور، هو مجرد امتداد لما ارتكبته، على مدار نحو قرنٍ من الزمان، عصابات الحركة الصهيونية، ووارثها جيش «إسرائيل»، بحق الفلسطينيين، خصوصاً، والعرب، عموماً، من مجازر، ومذابح، واغتيالات ممأسسة، وجرائم حرب موصوفة، يصعب حصرها.
ولئن كانت «إسرائيل» تتساوى، في كل ما تقدم، مع الدول العنصرية الفاشية التي عرفها التاريخ المعاصر، فإن ما يميزها عنها، هو أنها لاتزال تتمسك بكذبة أنها «دولة يهودية ديمقراطية»، (بل، و«واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة»)، وبكذبة أن جيشها هو «الجيش الأكثر أخلاقية بين جيوش العالم قاطبة»، وبكذبة «أن الفلسطينيين عندما يأتون لقتل مواطنيها اليهود، هم من يجبر جيشها على قتلهم».
وهذا هو بالضبط ما يفعله، الآن، صناع الانتفاضة «الثالثة»، التي أدخلت فلسطين، قضية وشعباً، في مرحلة انتقالية يتشابك فيها، (ويشتبك بمعنى ما)، مساران لإدارة الصراع مع الكيان الصهيوني، ومعالجة الخلافات الداخلية، هما، «مسار أوسلو» الذي، رغم اتضاح فشله، وكارثية نتائجه، وجهنمية ديناميكيته التفكيكية الاختزالية لخارطة الوطن والحقوق، إلّا أن قطعاً وطنياً، كلياً وشاملاً، مع منظومته الفكرية والسياسية والأمنية القديمة لم يحصل بعد، ومسار الاشتباك الانتفاضي الميداني المستمر الذي رغم إنجازاته الملموسة وتضحياته الكبيرة، وفظاعة ما يرتكب بحق صُنَّاعه من جرائم تجاوزت كل معقول، إلّا أن اتفاقاً وطنياً شاملاً على منظومته الفكرية والسياسية والنضالية الجديدة لم يُنجز بعد. لكن، ولمّا كانت هذه هي حال الصراع الآن، فلنقل، إن تعاظم عنصرية «إسرائيل» الفاشية لن يترك للشعب الفلسطيني وقياداته سوى خيار التخلي عن خيار التفاوض، والتبني الشامل لخيار المقاومة الشعبية بمعناها الواسع والشامل. فالمقاومة، هنا، ضرورة من ضرورات رؤية «إسرائيل»، وإدارة الصراع معها، وفقاً لممارساتها، وليس وفقاً لأقوالها عن «التسوية والسلام». فهي فاشية بالضرورة، لأنها وليد الصهيونية التي رغم تعدد أحزابها، تبقى صهيونية واحدة، و«الدولة اليهودية»، هو هدفها، وفرض التعايش بين المستعمِر والمستعمَر، هو مسعاها، وتذويب الهوية الوطنية والقومية الفلسطينية، عبر «تحويل الفلسطينيين إلى غبار»، هو حلمها، والعدوان والتوسع من مقتضيات هدفها، وموضوع الأرض والسيطرة والسيادة عليها، هو محور الصراع الوجودي الشامل والمفتوح معها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2160565

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2160565 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010