الأحد 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

هبّة القدس تربك قادة الاحتلال

الأحد 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par علي جرادات

في مارس/آذار الماضي تراجعت حكومة الاحتلال “الإسرائيلي” عن تعهدها إطلاق “الدفعة الرابعة” من قدامى الأسرى، ما أدى إلى وقف جولة المفاوضات التي قادها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري . ولم تنجح جهود الأخير في اقناع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية باستئناف المفاوضات بفعل تبنيه لمطالب حكومة الاحتلال الصهيونية التعجيزية وشروطها الرافضة حتى للتجميد المؤقت الجزئي والمحدود لعمليات مصادرة الأرض والاستيطان والتهويد، وتحديد خطوط 4 يونيو/ حزيران 1967 مرجعية للتفاوض، ناهيك عن التمسك بمطلب الاعتراف ب“إسرائيل” “دولة للشعب اليهودي” .
لم تكن مطالب وشروط حكومة الاحتلال هذه تعبيراً عن تشدُّدٍ تفاوضي، بل تعبير عن سياسة هجومية لاستكمال تنفيذ مخطط صهيوني استراتيجي . ففي مقابل المطلب الفلسطيني بالإفراج عن الأسرى تم تصعيد التنكيل بهم، بل وسن “الكنيست” قانوناً أساسياً يمنع الإفراج السياسي عن أسرى فلسطينيين من ذوي الأحكام المؤبدة والعالية قبل مرور 40 عاماً على اعتقالهم . وفي مقابل المطلب الفلسطيني بالوقف الشامل والكلي لعمليات مصادرة الأرض والاستيطان والتهويد، جرى تكثيف هذه العمليات بصورة غير مسبوقة، بل ويتجه “الكنيست” لمناقشة مشروع قانون أساسي ملتبس ينص على “تطبيق القانون”الإسرائيلي“على الضفة الغربية”، ما يعني، على الأقل، تحويل الضم الواقعي للكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة إلى ضم رسمي معلن على غرار ما تم في القدس والجولان .
وفي مقابل الرفض الفلسطيني الاعتراف ب“إسرائيل” “دولة للشعب اليهودي”، تدعم أغلبية مكونات حكومة نتنياهو تسريع سن قانون أساسي يكرس “إسرائيل” غير محددة الحدود “دولة لليهود” في جميع أماكن وجودهم . وفي مقابل التزام قيادة “السلطة الفلسطينية” بشقيها في الضفة وقطاع غزة ب“التهدئة” الميدانية، لم تكتفِ حكومة الاحتلال بشن حرب تدمير وإبادة جماعية مبيتة على قطاع غزة، بل بادرت إلى شن أشرس هجمة تهويدية على القدس لحسم معركتها أرضاً وسكاناً ومقدسات . وفي مقابل المطلب الفلسطيني بوضع حدٍ لفلتان عصابات المستوطنين في الضفة والقدس غطت حكومة الاحتلال، (وهي حكومة مستوطنين بامتياز)، جرائم هؤلاء المستوطنين، ما شجعهم على تصعيد جرائمهم إلى حدود حرق فتى حياً وشنق آخر وتصعيد عمليات الاعتداء متعددة الأشكال على حياة الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم، عموماً، وعلى المسجد الأقصى، خصوصاً .
في العام لا يختلف النهج الهجومي لحكومة الاحتلال القائمة عن نهج كل ما سبقها من حكومات، لكن ما يميزها، ارتباطاً بتركيبتها هو أنها عصابة بمسمى حكومة، يصنع قراراتها السياسية والميدانية، ائتلاف يجمع الجناحين العلماني والديني للصهيونية، ويشغل الوزارات الأساسية فيها وزراء يسكنون المستوطنات، ويتقلد أعضاء في الجناح الصهيوني الديني ثلث المراتب العليا والمتوسطة في الجيش والأجهزة الأمنية . هذه حقيقة لا يحذر من عواقبها الفلسطينيون وحدهم، بل وجهات سياسية وإعلامية وعسكرية وأمنية صهيونية، أيضاً . وكان لافتاً وذا دلالة كبيرة أن يتهم رئيس جهاز المخابرات العامة، يورام كوهين، من شجع على اقتحامات الأقصى من وزراء وأعضاء “كنيست” وحاخامات بالمسؤولية عن التصعيد الجاري في القدس، بل وينفي مزاعم نتنياهو، ومعه الفاشيان نفتالي بينت وليبرمان، حول تحميل الرئيس الفلسطيني لهذه المسؤولية . ماذا يعني هذا الكلام؟
يعرف قادة الاحتلال الصهيوني أن تصعيد هجومهم السياسي، وبالتالي الميداني، لم يكن ليجني غير وأد خيار عشرين عاماً من المفاوضات العبثية، وانفجار بركان الفلسطينيين الماثل في الهبّة الشعبية التي انطلقت من القدس في يونيو/حزيران الماضي، وبلغت ذروتها في العملية الفدائية البطولية التي لم تستهدف كنيساً للصلاة كما أُشيع قصداً وعمداً، بل استهدفت معهداً دينياً لتعليم التلمود، وتفريخ غلاة الحاخامات والمستوطنين . ويعرف هؤلاء الفاشيون الجدد بقيادة نتنياهو أن إدماء هذه الهبّة السلمية والإيغال في التنكيل بنشطائها واعتقالهم واغتيالهم على يد جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية وقطعان مستوطنيه لم يكن ليفضي إلا إلى تواصلها وتصاعدها وانتقال لهيبها إلى باقي مدن وأرياف الضفة ومناطق 48 . بل ويعرفون أيضاً أنهم أمام مقاومة شعبية عصية على الردع ولديها - كل مقاومة شعبية - القدرة على ابتكار أشكال نضالية لم تخطر ببال، وتختزن خبرة قرنٍ من النضال الوطني الفلسطيني، وتستلهم ما أبدعته انتفاضتا، (1987-1994)، و(2000-2004)، من أشكال المقاومة الشعبية . هذه حقائق يعرفها أركان عصابة نتنياهو بجناحيها الصهيوني الديني والصهيوني العلماني، لكنهم، كأسلافهم، لا يعترفون، ولن يعترفوا إلا مرغمين، أنهم من يتحمل مسؤولية تأجيج الصراع، ما داموا يرفضون التسوية السياسية، ولو في حدود التخلي عن الأراضي التي احتلوها في العام ،1967 والاعتراف بحق اللاجئين في التعويض والعودة إلى ديارهم الأصلية، وفقاً للقرار الدولي 194 .
وأكثر، يعرف أركان هذه الحكومة الفاشية أن الصراع ليس صراعاً دينياً، وأن حركة التحرر الوطني الفلسطيني لم تسقط قط في رذائل “اللاسامية”، معاداة اليهود كيهود، بل ظلت منذ انطلاقها في عشرينات القرن الماضي تخوض نضالاً سياسياً وطنياً تحررياً متعدد الأشكال ضد استعمار استيطاني إقصائي إحلالي . بل ويعرفون أنهم وأسلافهم من أعطى الصراع بعداً دينياً باستخدام “المسألة اليهودية” غطاء لمشروعهم الاستعماري، ولارتكاب أبشع أشكال التطهير العرقي المُخطط وجرائم الحرب الموصوفة والإبادة الجماعية الممنهجة ضد شعب لا علاقة له من قريب أو بعيد بما وقع لأتباع الديانة اليهودية من اضطهاد في دول شرق وغرب أوروبا الاستعمارية .
قصارى القول: تؤكد هبّة القدس، بل انتفاضة القدس بتوصيف قادة الاحتلال أن خيار المقاومة الشعبية هو الخيار القادر على التصدي لمخطط أشد حكومات العدو فاشية، وإرباك حسابات أركانها، وتفجير خلافاتهم وتناقضاتهم، وبث الرعب في أوساط مستوطنيهم وردعهم، ما يستدعي توحيد الصفوف خلف هذه الهبّة سياسياً وميدانياً، لا فلسطينياً فحسب، بل عربياً بالمعنييْن الرسمي والشعبي، أيضاً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010