مأساة مخيم اليرموك، وعموم المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية، تتجدد هذه المرة بصورة مُتخمة بالآلام والجراح، في ظل نيران الأزمة المُستعرة، التي ألقت بظلها على فلسطينيي سوريا، بشكلٍ غير مسبوق، حيث باتت أعداد الشهداء الفلسطينيين في الأزمة السورية تقارب نحو أربعة آلاف شهيد، سقطوا في ميادين التطاحن الدموي على أرض اليرموك وفي جواره المحيط، في ميادين لاناقة ولاجمل للفلسطينيين بها.
مخيم اليرموك مأساتنا جميعاً، عارنا جميعاً، خَذلنَاهُ ولم يَخذُلنا، فما زال يقاوم ويتحدى الموت، يُقاتل بأبنائه وببسالة نادرة، كُلَ شياطين الموت والدمار، باحثاً عن الحياة، ومن أجل الكرامة والحرية والخبز تحت نور الشمس المُشرقة، مردداً: من موتنا سيولد الضياء، من موتنا ستُشرق الحياة.
مخيم اليرموك، خَذلنَاهُ ولم يَخذُلنا، فبقيت فلسطين ومُدنها مرسومة بخربشات أقلام ورسومات أطفاله ولوحاتهم على جدرانه المُدمرة وغير المُدمرة. بَقيت حيفا ويافا وعكا واللد والرملة وصفد والناصرة وطبريا، تَدُقُ وتَخفُقُ في الأفئدة، وحاضرة بقوة في وجدان كباره وصغاره، بالرغم من أهوال المآسي التي يَتعرّض لها الآن، فبات في حقيقته الراسخة العلامة الفارقة والقاصمة، والى الأبد، في سَفَر التراجيديا الفلسطينية منذ النكبة الكبرى وحتى الآن.
مخيم اليرموك نكبتُنا الجديدة، آلامنا المُتجددة، وتغريبتنا الآليمة، التي فاقت بتفعيلاتها ونتائجها ومآسيها نكبة العام 1948، حين تم القضاء على الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، وأقيمت على أنقاضه دولة الاحتلال الكولونيالي الاستيطاني الإجلائي الصهيوني.
اليرموك يَكتُب الآن صفحات جديدة من سيرة فلسطين وشعبها، سيرة الكفاح المتواصل والمآسي والنكبات التي رافقته وما تزال، سيرة الصمود والبقاء بالرغم من عاتيات الزمن، وبالرغم من التردي المُريع في الحالة العربية من الماء الى الماء.
مخيم الصمود وعاصمة الشتات الفلسطيني، كَشَفَ زيفنا، فاليرموك يُذبح من الوريد الى الوريد، والضحايا هم من تبقى من مواطنيه من فلسطينيين وسوريين، ومن تَهَجّر منهم الى خارج مناطق اليرموك، والى دياسبورا ومنافٍ جديدة.
مخيم اليرموك، أوّله حارة الفدائية، وآخره مقبرتا الشهداء الأولى والثانية، أوّل الرصاص، أوّل الشهداء، أوّل هزيع المقاومة في الحركة الوطنية الفلسطينية المُعاصرة، يَدفَع الآن الأثمان الباهظة لدوره التاريخي في مسار العمل الوطني الفلسطيني، من دَمِ ولحم أبنائه، حيث الموت المُعلن والمكشوف، الموت بالقتل المُباشر، والموت مَرضاً، وجوعاً، وعطشاً، في ظل الفاقة.