الأربعاء 26 آذار (مارس) 2014

أسئلة حول مصير المفاوضات

الأربعاء 26 آذار (مارس) 2014 par علي بدوان

قبل أن يُشهِرَ وزير الخارجية الأميركية جون كيري إفلاس جهوده وسقوط مبادرته التي ذاع صيتها خلال الشهرين الماضيين، تَدَخَلَ الرئيس الأميركي باراك أوباما ضمن مساعي اللحظة الأخيرة لمنع انهيار المفاوضات بترتيب لقاءي واشنطن المنفردين والمتتاليين، مع رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتانياهو، ومع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حيث عاد الرئيس عباس بـ «خفي حنين» كما يُقال، باستثناء تحقيق غرضين ومنجزين تفاوضيين، وهما الإعلان عن الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى وعددهم «29» أسيراً، والأهم الإعلان عن عدم موافقته على مبدأ «يهودية اسرائيل»، ما يُكرس صورة الموقف الفلسطيني المطلوب من السلطة الوطنية الفلسطينية تجاه هذا المطلب الخطير الذي مازالت تتمسك به حكومة نتانياهو.

الرئيس محمود عباس لم يستطع عملياً أن يُجري تحويراً ولو بسيطاً على الموقف الأميركي والخطة المطروحة، ولا استطاع أن يَنَاَل موقفاً أميركياً حازماً بالنسبة للضغط على الدولة العبرية من أجل وقف عمليات تهويد واستيطان الأرض الفلسطينية، بل سعى وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإقناع الرئيس محمود عباس بقبول عاصمة فلسطين في بلدة «بيت حنينا» وهي من البلدات المجاورة لمدينة القدس، حيث أبلغه بأن وزارة الخارجية الأميركية قد شكّلت فريقاً من خبيرين، سَيُكلفان بإعداد خرائط مُتعلقة بالجزء الفلسطيني من القدس «أي الجزء الشرقي وفق المفهوم الأميركي»، وبتبادل الأراضي ضمن نطاق المُستعمرات على أن تكون بلدة «بيت حنينا» هي الجزء المعني بإقامة مقرات لحكومة الدولة الفلسطينية المنتظرة بموجب مقترحات مشروع جون كيري.

كان واضحاً، وقبل توجه الرئيس محمود عباس لواشنطن، أن جُهد الرئيس الأميركي باراك أوباما الأكبر سينصب على الطرف الفلسطيني وعلى الرئيس محمود عباس وحده دون الطرف «الإسرائيلي»، لأن الولايات المتحدة و«إسرائيل» حققتا تقدماً كبيراً في التفاهمات المتبادلة بشأن الحل وبشأن الخطة الأميركية الموضوعة والتي تم صياغتها أصلاً بتوافق مع الطرف «الإسرائيلي» طوال الفترة الماضية التي تلت عملية استئناف المفاوضات منذ عدة أشهر.

إذن، زيارة الرئيس محمود عباس لواشنطن، لم تأتِ بالجديد الجوهري كما ذكرنا سوى بالمنجزين الواردين أعلاه، وهما رفض مبدأ «يهودية الدولة»، وماتقرر على هامش لقاءاته التزام «إسرائيل» بالإفراج عن «29» أسيراً فلسطينياً، يشكّلون الدفعة الرابعة في التاسع والعشرين من شهر مارس 2014 الجاري، ومن بينهم «15» أسيراً من فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948، من الذين ترفض «إسرائيل» شمولهم وتعتبرهم «إسرائيليين» ولا يحق للسلطة الفلسطينية المطالبة بإطلاق سراحهم، لكن وحسب المُعطيات المُتوفرة وذات المصداقية فإن حكومة نتانياهو تريد تبادل هؤلاء الأسرى الـ «15» مقابل إفراج واشنطن عن الجاسوس «الإسرائيلي» جوناثان بولارد المعتقل في الولايات المتحدة، في إطار تفاهم ثنائي مع الإدارة الأميركية لا علاقة للفلسطينيين به.

في زيارة الرئيس محمود عباس لواشنطن، بان الاتجاه العام للموقف الأميركي عبر الإصرار على تمرير خطة «الحل الانتقالي» والترتيبات الأمنية المُلحقة به، مع اقتراب انتهاء المُهلة الزمنية التي كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد حددها للحصول على توقيع الطرفين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، وهي المُهلة التي تنتهي مع نهاية إبريل 2014 القادم، حيث يُتوقع أن تَعَمَلَ الإدارة الأميركية على تمديد الوقت حال لم يتم حسم الأمور مع نهاية التاريخ المحدد، في ظل حديث مُستجد عن سعي أميركي لتمديد مهلة المفاوضات وتأجيل إعلان انهيارها، وهو الاحتمال الراجح على كل حال كما تشي كل الوقائع والمعطيات على الأرض.

المُشكلة تكمن هنا، وكما أفضت نتائج لقاءات الرئيس عباس في واشنطن، أن الإدارة الأميركية لاتريد أن تسمع من الطرف الفلسطيني مايريد، ولاتريد أن تسمع منه أي شكوى أو تذمر، بل تدفع بكل إمكانياتها للحصول على التوقيع الفلسطيني و«الإسرائيلي» على الخطة العتيدة المطروحة، وذلك في مهرجان احتفالي كما جرت العادة حتى لو ماتت الخطة بعد ذلك كما كان مصير ماسبقها من الخطط والتوافقات التي جرى التوقيع عليها في احتفالات مدوية خلال العقدين الأخيرين ومنها التوقيع على بروتوكول الخليل 1996، وأوسلو 2، وأنابوليس وغيرها..

الرئيس محمود عباس، يدرك في قرارة نفسه أن الأمور باتت على مسار مُنعطف نوعي استثنائي، فالقبول بالخطة الأميركية على ما هي عليه، والنزول عند الشروط «الإسرائيلية» المُتعلقة بالترتيبات الأمنية، وتمرير مقولة «الدولة اليهودية» سيجعل منه الخاسر الأكبر ليس على صعيد مجمل العملية السياسية فقط، بل أمام الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وعموم فصائله وقواه، وحتى عند القاعدة العريضة لحركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية، وهو مابان واضحاً من خلال كلمته المُطولة التي كان قد ألقاها في افتتاح أعمال الدورة الثالثة عشرة للمجلس الثوري لحركة فتح في رام الله الأسبوع قبل الماضي.

في المقابل، ذهب نتانياهو لواشنطن، مدعوماً بغالبية حزبية في «إسرائيل» ليس من داخل الائتلاف الحكومي فقط بل ومن قبل الإطارات الحزبية الموجودة في المعارضة، وبشعبية تؤيد مواقفه من وجوب اعتراف الفلسطينيين بـ «يهودية الدولة» ورفض تجميد عمليات التهويد والاستيطان. ففي استطلاعٍ نُشِرَ مُؤخراً وقبل مُغادرة نتانياهو لواشنطن فإن نسبة «52%» من «الإسرائيليين» رفضت استجابة حكومة «إسرائيل» لمطلب تجميد الإستيطان كشرط لمواصلة المفاوضات مع الطرف الفلسطيني. كما أنّ نسبة «65%» من جمهور العينة العشوائية المختارة تُعارض التوقيع على اتفاق تسوية مع الفلسطينيين لا تتضمن الاعتراف الفلسطيني والعربي بـ «إسرائيل كدولة يهودية».

إن الخطابات والمُقابلات والتصريحات التي ألقاها الرئيس محمود عباس في الآونة الأخيرة تَدُل على أنه اختار أن يكون جوابه على خطة جون كيري بكلمة سحرية معروفة ومُستعارة من سياسات وتكتيكات الرئيس الراحل ياسر عرفات وهي كلمة «اللعم». فالرسالة التي أرسلها الرئيس عباس إلى الإدارة الأميركيّة قبل زيارته الأخيرة لواشنطن، والتي أرسل نُسخًا منها إلى الأطراف العربيّة والدوليّة المعنيّة، وما تضمّنته من مواقف وأسئلة، كان فيها الجواب الفلسطيني الذي يقول بصعوبة الاعتراف بـ «إسرائيل» كــ «دولة يهوديّة».

في هذا السياق تشير معطيات متوفرة من مصادر دبلوماسية غربية، وفلسطينية ذات صلة، إلى أن الأنظار تتجه دبلوماسياً إلى «إعلان مُهم» سيقدمه الرئيس الأميركي باراك أوباما شخصياً على هامش زيارته المقبلة للمنطقة، ويتعلق بالقضية الفلسطينية، ولكن من يدري فربما وهو المرجح أن يعيد الرئيس باراك أوباما تكرار المكرر في زيارته المقبلة للمنطقة، كما كان في زياراته الماضية وخطاباته والتي أثارت التفاؤل عند الكثيرين لكنها كانت بوعودها تذهب أدراج الرياح.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2165911

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165911 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010