رغم خطورة وجديّة الاتهامات التي وجهتها “وزارة الداخلية” الفلسطينية في غزة، السبت الماضي، لأجهزة الأمن الفلسطينية وقيادتها في رام الله، فإنّ تحديد الموقف مما يحدث هناك يتطلب التركيز على تحديد “مرجعيات” العمل الفلسطيني باعتباره أولوية قصوى، كبديل عن عمليات التراشق الإعلامي بين الفصائل.
تضمنت الاتهامات التي وُجهت في مؤتمر صحفي، ذكر أسماء أشخاص وأجهزة أمنية، مع اعترافات مزعومة موثقة بأشرطة فيديو، بشأن متابعة ضباط أمن في الضفة الغربية، لمعلومات تتعلق بكتائب عزالدين القسام والمقاومة. ويقدم المتحدثون “استنتاجات” بأنّ بعض المعلومات وصلت الاحتلال وأدت لخسائر في صفوف المقاومة.
الذين وجهوا الاتهامات أشخاص لهم منصب رسمي في الحكومة (وزارة الداخلية) التي هي، بموجب اتفاقيات المصالحة الآن، تحت مرجعية وزارة الداخلية ورئيس الوزراء رامي الحمدالله.
أسرع الناطق باسم حركة “فتح” أسامة القواسمي بالرد على مؤتمر غزة الصحفي. ومن ناحية نظرية، وعلى الأغلب عملية، لا علاقة للقواسمي أو أي ناطق باسم “فتح” بالحدث، ولا يفترض أنّ يكون مطلاً أو عارفاً بالتفاصيل التي ذكرت أو بنفيها، اللّهم إلا من زوايا محددة، مثل تحميل “مؤتمر غزة” الصراعات الداخلية في “فتح” مسؤولية بعض ما يجري في القطاع. على أنّ تدخل القواسمي بصفته الفصائلية شبيه بتدخل القيادي في “حماس” محمود الزّهار بالشأن الأمني، وتصريحاته حول ذات الشأن، وكأنه جزء من الحدث والتحقيقات. ومثل هذا التراشق لا يحل شيئاً.
أمّا رد المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية عدنان الضميري، وهو جهة مخولة متوقع منها فعلا أن تبدي رد فعل وموقف، فإنّه وإن وصف اتهامات “حماس” بالافتراءات، إلا أنّه وجّه الانتباه إلى اتجاه آخر، بمطالبته “حماس” تقديم معلومات “عن محاولة اغتيال القائد محمد الضيف، ومن قتل الجعبري والعطار والمبحوح وسعيد صيام”. وعمليا، يضيف الضميري أمام المواطن حيرة أخرى، بتذكيره بأسماء الشهداء الذين لم يكشف عمن ساعد في اغتيالهم. فالمواطن لا يعنيه من يكشف ما حدث، بل سيحمّل غالبا كل الحركة الوطنية وزر ما يحدث.
ليس مطلوباً من المواطن أو المراقب الانحياز لطرف، أو قبول أو رفض الاتهامات، بل الأصل والمطلوب أن تكون هناك أطر وطنية ومرجعيات عليا تقرر وتناقش وتحقق وتتهم، وتصدر أحكاماً وتسجن وتعتقل من تثبت عليه التهم، أو يثبت عليه الكذب والافتراء.
إضافة للهجوم الأمني الإعلامي الذي شنته “وزارة داخلية غزة”، فإنّ “حماس” تعمل بدأب لمد علاقات مع حكومات وهيئات دولية غربية وعربية، سواء لفك الحصار عن غزة، أو لتحسين علاقات الحركة الإقليمية والعالمية. كمّا أنّ الزّهار في تصريح لافت لم ينكر مد خيوط مع القيادي السابق في حركة “فتح” محمد دحلان، بقوله إن ذلك في “إطار المصالحة المجتمعية”، رغم أنّ دحلان كان خصم “حماس” الأول سابقاً. وقال الزهار إنّه لا يمكن رفض عرض دحلان المتمثل في “مشروع لبناء مبنى للأسرى المحررين، وإجراء عرس جماعي يشارك فيه الفقراء”. وموافقة “حماس” على العلاقة مع دحلان لا يمكن فهمها إلا أنها لعب على وتر تناقضات “فتح” الداخلية، في إطار صراع فصائلي.
ما يحدث هو حالة اختلاط وتشوش كاملة؛ إذ تبدو الحكومة الفلسطينية هي الحاضر الغائب الأكبر. فهي من يجري اتهامها بالتقصير، وهي من يفترض أن تتابع التحقيقات والاتهامات، ولكنها غائبة إلى حد كبير. وبالمثل، لا يوجد مجلس تشريعي أو وطني فلسطيني، يتابعان ما يحدث.
هذه الاتهامات وتداعياتها ومعانيها أكبر من أن تعالج ببيان أو مؤتمر صحفيين؛ هي قضايا تحتاج للجان تحقيق وطنية فعلية شفافة، من شخصيات مشهود لها بالنزاهة. ويجدر أن يصدر تقرير متكامل يحدد لا حقيقة الاتهامات فقط، ولكن أيضاً يحدد طبيعة العلاقة بين الأجهزة الأمنية في غزة والضفة الغربية، ودور الحكومة والفصائل.
إنّ الباب الذي دخلت منه الاتهامات الأخيرة الخطرة جداً والتي تحتاج لإجابات شفافة، كما دخل منه مد “حماس” وفصائل أخرى علاقات مع أنظمة دولية، كما قضية دحلان وعلاقاته مع أنظمة وفصائل؛ هو باب نقص المرجعيات القضائية والوطنية والسياسية الجامعة، وهلامية مؤسسات العمل الفلسطيني، خصوصاً أطر منظمة التحرير الفلسطينية.
الثلاثاء 17 آذار (مارس) 2015
من اتهامات “داخلية غزة” إلى قضية دحلان
الثلاثاء 17 آذار (مارس) 2015
par
د.احمد جميل عزم
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
55 /
2198587
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة كتّاب إلى الموقف احمد جميل عزم ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
12 من الزوار الآن
2198587 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 13