الأربعاء 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

خطاب “الجهاد الإسلامي”

الأربعاء 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par د.احمد جميل عزم

رغم الوزن النسبي المحدود لحركة الجهاد الإسلامي على المستوى الجماهيري، وهو عموماً وزن يصعب حسابه نتيجة لاستنكاف الحركة عن خوض الانتخابات المختلفة؛ إلا أنّ الحركة من جهة تزداد حضوراً. لكن الملاحظ أيضاً أنّها تمر بتحولات في المواقف السياسية، وتحديداً بشأن حل الدولتين، مع استمرار تقديمها خطابا وطنيا متقدّما.
اكتسب خطاب “الجهاد الإسلامي” خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، احتراماً كبيراً، بما في ذلك فضائيتها، ووسائل إعلامها، والناطقون باسمها، نتيجة الموضوعية والوحدويّة؛ فضلا عن دور الحركة في الحرب. وهو دور كان قد تكرس في مواجهات سابقة، إذ نتج عنه مثلا، في آذار (مارس) الماضي، مواجهة شبه منفردة بين الحركة والإسرائيليين، أخذت شكل اغتيالات نفذها الاحتلال في غزة، وقصف صاروخي مضاد لـ“الجهاد”. وتوقفت المواجهة بمفاوضات غير مسبوقة توسطت فيها مصر، من حيث عدم وجود دور لحركة “حماس” أو غيرها، في مؤشر حينها على تفرد خط “الجهاد”، وقدرتها على التحرك باستقلالية. أيضا، كانت المواجهة والمفاوضات مؤشرا على علاقات “الجهاد” الأفضل نسبيا مع مصر، مع أنّ الحركة مستفيدة، مثلها مثل “حماس”، من الأنفاق في تهريب السلاح القادم من إيران.
تتناثر همسات حول أنّ “الجهاد” يمكن أن تحقق مكاسب كبيرة في مرحلة ما بعد الحرب. ولعل إحياء الحركة لكتلها الطلابية في الجامعات الفلسطينية مؤخراً، وعزمها خوض انتخابات الحركات الطلابية (وهو ما كانت تستنكف عنه في سنوات ماضية)، مؤشر على حراك سياسي وجماهيري تعيشه الحركة أو تنوي القيام به.
اللافت الآن أنّ هناك مواقف سياسية لـ“الجهاد” تشي بتغيرات قائمة أو مقبلة، وآخر وأوضح المؤشرات تصريح رمضان شلّح، أمين عام الحركة، أنّه “لا توجد حركة تحرر في التاريخ اعترفت بعدوها قبل تحقيق أهدافها، إلا إذا هزمت وأعلنت الاستسلام”، وانتقد اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل قبل تحقيق مشروعها التحرري. هذا التصوّر يعني ضمنيّاً، ولكن بوضوح شديد، أنّ مسألة الاعتراف، بموجب هذه الكلمات، مسألة مشروطة، ولكن ليست محرّمة؛ لا شرعاً ولا سياسيّاً. وهو تحول لا يمكن إغفاله.
على أنّه إلى جانب هذا الموقف، تطرح “الجهاد” مواقف متقدمة في فهم الحركة الوطنية الفلسطينية. هنا، لا بد من تذكر أنّ “الجهاد” تأسست كحركة إسلامية تتبنى المشروع الفلسطيني التحرري، على عكس جماعة الإخوان المسلمين التي كانت حتى تأسيس الجهاد (مطلع الثمانينيات) تكاد تقتصر على الجوانب الدعوية والاجتماعية، بعيدا عن المواجهة مع الاحتلال، وخصوصاً المسلحة منها؛ فكانت “الجهاد” استدراكا لغياب التيار الإسلامي عن مشروع التحرر الوطني، ورفضا لفكرة انتظار قيام الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي قبل العمل على المواجهة. أي بكلمات أخرى، كانت “الجهاد” نقلة نوعية للتيار الإسلامي من “الأممية (الإسلامية)”، إلى “الوطنية الفلسطينية الإسلامية”. والآن، يطرح شلح “فكرة الجماعة الوطنية، من أجل حركة وطنية على قاعدة الانتماء للوطن، بعيداً عن أي صراع أيديولوجي أو عقائدي، لأنّ الصراع الوحيد الذي له الأولوية هو الصراع مع الاحتلال”. وهذه الفكرة هي وطنية وعلمانية بامتياز، تقوم على الفصل بين الأيديولوجيا والنضال التحرري، من دون التخلي عن الالتزام الإسلامي، وما يعني مجددا أن “الجهاد” تقدم خطابا “وطنيا إسلاميا”، يقوم، أولا، على عدم إقصاء الآخر بتكفيره، أو تخوينه، أو اتهامه بالمعصية أو الجاهلية، أو ما إلى ذلك. وهو، ثانيا، يرفض أن يربط نفسه بحركة عالمية موحدة (أي أن يكون جزءا من تنظيم دولي -رغم خصوصية العلاقة مع إيران)، إلا من حيث (كما يقول) أنّ نضال الحركة هو “من أجل الحرية، وليس من أجل فرض عقيدتنا أو ديننا على الآخرين، لأن تعاليم ديننا تقول”لا إكراه في الدين".
رغم أنّ السؤال يبقى: مَن مِن القوى الفلسطينية تطرح برنامجا عمليا حقيقيا لكل فلسطين؟ ومن دون غض النظر عن خصوصية علاقة الجهاد بإيران، فإنّه لا يمكن إلا ملاحظة تقدم خطاب شلّح. ويمكن زعم أنّه من دون التخلي عن إسلاميته، يُقدّم خطابا قادرا على نفي التناقض بين الوطنية والليبرالية التعددية من جهة، والإسلام من جهة أخرى. وهذا ربما لأنّ “الجهاد” لم تقدم، وغير مطالبٍة في الوقت الراهن بتقديم خطاب عن رؤيتها للنظام السياسي وسوى ذلك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2182210

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2182210 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40