الجمعة 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

قبيلة معولمة

الجمعة 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par د.احمد جميل عزم

عندما وصلت منزلهم، وجدت على الباب ثلاث لغات. الأولى، عربية (أهلا وسهلا)، وبالإنجليزية، وبالعبرية التي لا أفهمها. عندما جلسنا في غرفة ذات واجهة زجاجية، كانت نبتة الزينة، على طاولة الوسط، شجرة زيتون صغيرة أتوا بها من القدس. كانوا أميركيين بروتستانت، قضوا سنوات في القدس جزءاً من الكنيسة، وعادوا إلى اسكتلندا يرتدون المطرزات ويقاطعون البضاعة الإسرائيلية.
في رواية “خلسة في كوبنهاجن”، لكاتبتها سامية عيسى، عائلة فدائي شهيد كان في مخيم أوزو في لبنان. تتشتت العائلة، ويتيه أفرادها يبحثون عن بقايا خضار في القمامة، ويرتكبون أفعالا مخجلة، ويحتالون ليصبحوا لاجئين سياسيين إلى أوروبا. وقبل أيّام، أخبرني زائر من بيروت عن قوارب هجرة فلسطينية من لبنان شبيهة بقوارب الهجرة من غزة التي شاع حديثها مؤخرا.
في الرواية، تصبح شجرة التين مُعَولَمة عبر ثلاث شخصيّات؛ فاطمة الجدّة التي تعيش على ذاكرة مغامرات عاطفية، جَلَبَت شجرة تين خصيصاً إلى الدنمارك لتؤنس وحشة أرملة ابنها الشهيد. وكانوا يعرفون أنّها لن تنبت في البيئة الغريبة، لكنها صارت شيئاً أساسيّاً في حياتهم الوجدانية والعقليّة. وكانت فاطمة تحلم ليلاً حلماً “قويّاً وساطعاً”، جعلها “تظن أنّ شجيرتها الصغيرة لقّحت أرض المدينة، فأثمرت كل أشجارها”.
الشخصية الثانية، هو ابن فاطمة الذي تاه يوماً في الولايات المتحدة. وعند استيقاظه من حادثٍ أفقده الذاكرة، جاء إسرائيلي ادّعى أنّه والده، ولم يقتنع هو. سمى نفسه آدم، وصار إسرائيليا، تخصص في التدمير الذي يلحق بالبيئة جرّاء زراعة نباتات وأشجار وأزهار في بيئات غريبة عنها، وكان يتحدث في التلفاز عن التين مثالاً وما قد تسبب زراعته من آثار في أرض غريبة. وكانت هوايته “حب استكشاف الذات البشرية”.
والشخصية الثالثة، هي حسام حفيد فاطمة، ابن الشهيد الذي قادَت مغامرته العائلة إلى الدنمارك، حيث تنفتح الأسئلة الوجدانية أمامه. وقد أسس موقع إنترنت يجمع شتات فلسطينيي أوروبا. لكن الأمر لا يقف عند الشبكة العنكبوتية، بل يذهب بنفسه إلى لاجئين من غزة ولبنان وكل مكان، يزورهم في مخيمات اللاجئين الباردة في أوروبا ويسعفهم. ويستمر بالتفكير في معنى العودة؛ وبمذكرات والده الفدائي الذي كتب فيها أنّ حلم تحرير الوطن هو حلم تحرير الإنسان. يؤكّد حسام على “كرامة البقاء في أرض الأسلاف”، ثم يضيف فقرة جديدة.
كانت فلسطين “فكرة يعودون إلى السكنى فيها كلما طال الغياب”. وحسام الذي عمل “مواسرجيا”، أنهى بحثا جامعيا عن الهوية، يصرّ على العودة. لكنه يفكر أيضاً أنّ “الشتات ميزة تخلى اليهود عنها واستقروا في أرضنا. هم خسروا الشتات لأنّهم لم يفهموا الميزة التي يمنحها الشتات للبشر”. يتحدث عن استغلال الشتات من أجل “إنقاذ العالم من هذا الهباء”.
في روايتها “الطنطورية”، تشرح رضوى عاشور كيف يمكن لفلسطينيي الغرب قيادة نضال قانوني عالمي لأجل قضيتهم.
سمعت من عفيف صافية، أحد ألمع الدبلوماسيين الفلسطينيين، عبارة “القبيلة المعولمة”. وسألتُهُ، وقادني لكتب منها كتاب “سيث غودين” (القبائل: نحن بحاجتك لتقودنا)، والذي يتحدث فيه كيف كانت الجغرافيا مهمة، وكانت القبلية بمعناها الفضفاض تتكون من أهل قرية ما، أو مجموعات أصحاب نوع سيارة مستمتعون بصحبة بعضهم في مدينة ما، وأنواع قبائل أخرى. ويرى غودين أن الإنترنت أزالت الجغرافيا، فتكوّنت قبائل كثيرة من دون لقاء. لكن كل أدوات الإنترنت لا قيمة لها، ولا فائدة للقبائل الشبكّية، إذا لم تكن هناك قيادة، وحصل تواكل، وضَعُفَ الالتزام. ويمضي الكتاب للحديث عن الفرق بين رئيس أو ملك، وبين قائد، وكيف يكون هناك قادة كثر يقودون من الأسفل للأعلى، و“قادة القبيلة” الذين يحتاجون لقائد أيضاً، ولبرنامج.. إلخ.
يمكن أن يكون الفِلسطينيون قبيلة عالمية، وأن تصبح فلسطين فكرة يسري اعتناقها، كما “دخّلها” حاملو شجرة الزيتون إلى اسكتلندا؛ فيتغير العالم، تصبح “الفلسطينية” فكرة قوامها رفض الصهيونية لأنّها ضد الإنسانية، وتتحدث عن معنىً جاءت به أديان وأنبياء وفلاسفة عن قبيلة تذوب فيها القبائل. فالأفكار على عكس النباتات، تنبت في بيئات مختلفة، وتتكون قبيلة حلم بها فدائي حمل بندقية سعيّاً للسلام، وتعطي للقدس معنى مختلفا. قبيلةٌ تستخدم كتب علم الإدارة والقيادة، لتكون شيئا عمليّاً ورومانسيّاً في آن.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 87 / 2165332

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165332 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010