أثبَتَ الشعب الفلسطيني مرة جديدة أن خياراته الكفاحية مُتعددة، ولاتقف عند حدود قبوله بعملية التسوية الهزيلة كما اعتقد الكثيرون، بل وأذهل العالم في الفترات الماضية، وفي المُنعطفات الكبرى التي كانت تتطلب منه موقفاً وطنياً واضحاً أمام تسويات مُذلة عُرِضت عليه، كما وقع في (كامب ديفيد الثانية) في يوليو 2000، عندما رفض الرئيس الراحل ياسر عرفات ماتقدم به الرئيس الأميركي الأسبق ويليام جيفرسون كلينتون، فانطلقت شرارات الانتفاضة الكبرى الثانية، التي انبثقت خيوط إشعاعها فجر (28/9/2000)، وجاءت أيضاً بفعل تراكمات هائلة، فأعادت إنعاش مفاعيل العملية الوطنية الفلسطينية، حيث واجه الفلسطينيون جبروت الاحتلال بإرداة فولاذية نالت إعجاب وتعاطف العالم بأسره.
ولكن، ولسوء حظ الفلسطينيين، جاءت التطورات الإقليمية في حينها (حرب الخليج الثالثة واستتباعاتها) لتنعكس سلباً على قضيتهم الوطنية وعلى انتفاضتهم الكبرى الثانية، ولتُهمّش من حضور القضية الفلسطينية على أجندة المجتمع الدولي.
وَتَحتَ عباءة التسوية المأزومة أصلاً، واصلت سلطات الاحتلال كل ممارساتها المعروفة بحق الإنسان الفلسطيني، وبحق الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، والتي تَعَرَضَت ومازالت تتعرض لحملات الاستيطان الكولونيالي التوسعي التهويدي، خصوصاً في منطقة القدس وداخل أحيائها العربية والإسلامية.
عودة الروح الكفاحية للشعب الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1967، ليست عودة لأمرٍ غائب عن الوعي والتاريخ الوطني الفلسطيني، بل هي روحٍ وطنية مُتأصلة عند شعبٍ مازال يُقارع أعدائه منذ سنوات الانتداب البريطاني على فلسطين بعد خروج العثمانيين ودخول الجنرال البريطاني (اللنبي) لأرض فلسطين على رأس قواته عام 1916.
وبعد استشهاد الفتى محمد حسين أبو خضير بعملية قتلٍ غادرة، قامت بها أيدي النازيين الجدد، كان الرد الشعبي الفلسطيني الواسع في عموم مناطق الضفة الغربية والقدس، وفي الداخل المحتل عام 1948 في الجليل والمثالث والنقب والساحل، كما من قطاع غزة بالرغم من الغارات المتتالية التي قام بها سلاح الجو «الإسرائيلي» على مناطق مختلفة من القطاع.
فالجريمة التي اقترفتها عصابات المتطرفين من المستوطنين، هي فصل من فصول السياسات العدوانية التي تُمارس بحق الشعب الفلسطيني، والتي كان ضحيتها قرابة (14) شهيداً سقطوا خلال الأسابيع الماضية، جُلهم من الأطفال وكبار السن، إضافة لعمليات التخريب والقمع والتدمير ومصادرة الأجزاء المتتالية من الأرض.