السبت 26 أيلول (سبتمبر) 2020

خالد علوان وملحمة بيروت

نصف قرن على رحيله... جمال عبد الناصر هو المستقبل (2)
السبت 26 أيلول (سبتمبر) 2020 par معن بشور

- خالد علوان وملحمة بيروت

في الحرب العربية – الإسرائيلية التي شهدها لبنان عام 1982 والتي استمرت أكثر من 88 يوماً، والتي كانت درّة تاجها ملحمة بيروت الخالدة، حصاراً وقتالاً ومقاومة بطولية أجبرت العدو، ولأول مرة في تاريخ الصراع معه، أن ينسحب بعد أيام دون قيد او شرط بل مذعوراً ينادي بمكبرات الصوت «يا أهل بيروت لا تطلقوا النار علينا… اننا منسحبون».

يردّد اللبنانيون عموماً هذه الاستغاثة الإسرائيلية، كما يردّدون مانشيت جريدة “السفير” في تلك الحرب “ بيروت تحترق ولا ترفع الأعلام البيضاء”، تماماً كما يردّد أبطال المقاومة في بيروت مع أول شهيدين في ملحمة بيروت شهيدي الطريق الجديدة (محمد الصيداني وعصام اليسير): “ليس من العار ان تدخل دبابات العدو مدينتنا، لكن العار كلّ العار أن لا تجد من يطلق الرصاص عليها” فكانت الرصاصات الأولى التي لحقتها رصاصات في كلّ أحياء بيروت وأزقتها وشوارعها حتى أكتشف العدو انّ خروج قوات المقاومة الفلسطينية من العاصمة، كما القوات العربية السورية ومئات المتطوّعين العرب والأمميّين، لم يُخرج روح المقاومة من عاصمة كانت تهبّ انتصاراً لكلّ مقاومة في وطننا العربي، بل على مستوى العالم…

بين مقاومي بيروت في تلك اللحظات كان العروبي والناصري والقومي والشيوعي والاشتراكي والإسلامي، الذين وحّدتهم العمليات البطولية في شوارع العاصمة، والذين توّجوا عملياتهم بما عرف بـ “عملية الويمبي” حيث أقدم الشهيد السوري القومي الاجتماعي ابن بيروت خالد علوان ورفيقاه الراحلين عارف البدوي وشربل عبّود على إطلاق النار على جنود صهاينة ظنّوا انّ “الأمر قد أستتبّ لهم” فجلسوا في مقهى “الويمبي” في الحمرا لتفاجئهم رصاصات المقاومين التي أردت أحد ضباطهم البارزين قتيلاً…

لم يكن خالد علوان ورفيقاه وحدهم يجسّدون في عملياتهم البطولية روح العاصمة المتجدّدة عطاء وصفاء وتضحية وإبداعاً، بل كان هناك أيضاً المرابط إبراهيم منيمنة، والشيوعيون جورج قصابلي، ومحمد مغنية وقاسم الحجيري ومهدي مكاوي، والناصريون محمود وهبة، ومحمد أحمد إسماعيل ومنير سعدو وجهاد عادل الخطيب، وأبو علي محمد عرابي، ومناضلو حزب البعث، وحزب الاتحاد، والاتحاد الاشتراكي العربي – التنظيم الناصري، واتحاد قوى الشعب العامل، وحركة أنصار الثورة، بالإضافة إلى مقاتلي جيش لبنان العريي وحركة أمل والهيئات الإسلامية، بل كانوا جميعاً امتداداً لإرث بيروت المقاوم منذ عام 1948 على يد أمثال الدكتور بشارة الدهان، ووفيق الطيبي وعماد الصلح و”جمعية كلّ مواطن غفير”، ومع الشهيد خليل عز الدين الجمل أول شهيد لبناني في صفوف الثورة الفلسطينية في أغوار الأردن عام 1968، ومع الشهيد أياد نور الدين المدوّر أول شهيد جبهة المقاومة الشعبية لمقاومة الاحتلال بعد غزو 1978، ومع الشهيد الناصري صالح سعود أول شهداء الحرب 1982، ومع المفقود بلال الصمدي الذي حمل السلاح متوجهاً الى الجنوب مع رفاقه الخمسة في تجمع اللجان والروابط الشعبية ليواجه العدو الزاحف من الجنوب باتجاه العاصمة بل مع وقفة المفتي الشهيد حسن خالد في صلاة العيد في الملعب البلدي، وخطب الشيخ الراحل عبد الحفيظ قاسم التي كانت تدوّي بها إذاعة “صوت لبنان العربي”.

وحين نتحدث عن الشهيد خالد علوان نتحدث عن كلّ شهداء المقاومة بكلّ تياراتها واتجاهاتها، وصولاً الى المقاومة الإسلامية التي تحوّلت اليوم الى رقم صعب في معادلة الصراع في المنطقة، والتي بات وجودها ونموها مصدر قلق رئيسي لعدو نجح في تصوير نفسه بأنه “الجيش الذي لا يُقهر” وإذ به في لبنان، ثم في غزة، يصبح الجيش الذي لا ينتصر.

إنّ الإضاءة كلّ عام على هذه الأسماء الساطعة في سماء الوطن والأمة، هي إضاءة على دور بيروت التاريخي في حمل راية النضال الوطني والقومي والإيماني على مدى العقود، بيروت التي علمتنا جغرافيا الوطن العربي يوم انتصرت لجبال الأوراس في الجزائر، ولجبال الأطلس في المغرب، ولجبال ردفان في اليمن، ولجبال ظفار في عُمان. وللجبل الأخضر في ليبيا، ولمعركة بنزرت في تونس ولثورات العراق منذ ثورة العشرين وحتى مقاومته المتواصلة بعد الاحتلال الأميركي، ولثورات سورية ضدّ الاستعمار والانتداب والتي كانت بيروت وكلّ لبنان شركاء فيها، وبالتأكيد لثورة جمال عبد الناصر في مصر، ولثورة فلسطين المستمرة رغم كلّ مشاريع التطبيع والتصفية…

في تلك الملحمة الخالدة، تلاحمت الرايات في الدفاع عن بيروت واجتمعت قوى الأمة كلها لا سيّما اللبنانية والفلسطينية والسورية، وفيها كان الانتصار الأول على العدو الذي تلته كلّ الانتصارات، بل بسببها كان كلّ هذا الحقد الصهيوني على بيروت خصوصاً، ولبنان عموماً، وهو حقد ما زلنا نعاني أثاره حتى اليوم في حروب وفتن وانفجارات وتجويع ومحاولات تركيع وتطويع.

إنّ استحضار هذه الذكريات “الخالدة”، وهذه الأسماء العطرة اليوم، هو استحضار لدور مدينة يحاولون تغييبها وتشويه صورتها وطمس دورها، وذلك في إطار الانتقام من مدينة كان شارعها الرئة التي تتنفس من خلاله كل قضايا الأمة العادلة، وثانياً في إطار مؤامرة شطب عاصمة كانت قاعدة لوحدة الوطن الذي تتعاظم هذه الأيام مشاريع تصفية مقاومته ومخططات تقسيمه إلى كانتونات وفيدراليات طوائف ومذاهب.

- نصف قرن على رحيله... جمال عبد الناصر هو المستقبل

مع إصرارنا منذ رحيل القائد الخالد جمال عبد الناصر ان نحيي ذكرى كافة المناسبات المتصلة بمسيرة القائد الكبير ( ثورة يوليو، الرحيل، الانفصال)، كنا نواجه بسؤال ألا يكفيكم العيش في الماضي...

لم نكن نحتاج الى أسباب تبرر حرصنا على تذّكر مثل تلك القامة التاريخية التي عرفتها أمتنا خلال النصف الثاني من القرن الماضي، أكثر من تلك الحملات التي لم تتوقف ضد الرجل منذ رحيله، وضد تجربته ونهجه ومبادئه، وهي حملات تؤكد على أهمية الرجل وتأثيره وفعالية دوره الوطني والقومي.
لكن من الأسباب الموجبة أيضاً ان ما شهدته أمتنا منذ منذ رحيل جمال عبد الناصر (28أيلول/ سبتمبر/1970)، أي منذ نصف قرن من الاحداث والتطورات والمواجهات، ما كان يفرض استحضار الرجل ونهجه ومدرسته في مواجهة التحديات.
عبد الناصر لم يكن نظاماً، رغم الإنجازات الكبرى وطنياً وقومياً التي حققتها الثورة الناصرية ونظامها، بقدر ما كان نهجاً وخيارات ونموذجاً يجري الاقتداء به من شرفاء الأمة وأحرار العالم.
فهل ننسى جمال عبد الناصر ولاءاته الثلاث (لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف) في زمن هرولة بعض الحكام العرب الهامشيين إلى التطبيع مع العدو، وسط رفض شعبي كاسح على أمتداد الأمة؟
وهل ننسى عبد الناصر وتبنيه الدائم لنهج المقاومة التي «وجدت لتبقى وستبقى»، و«ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة»...؟ فيما تحيط بنا المؤامرات من كل حدب وصوب مستهدفة إرادة المقاومة وثقافتها وسلاحها في هذه الأمة من محيطها الى الخليج.
وهل ننسى جمال الناصر ووقفات الكرامة التي وقفها مجسداً بذلك شعاراً رفعه منذ بداية ثورة 23 يوليو «إرفع رأسك يا أخي، فقد ولى عهد الاستعباد»؟ والاستعباد هنا يعني الاستبداد والاستعمار معاً.
وهل ننسى جمال عبد الناصر والعروبة التي حمل رايتها، وخاض معاركها ضد الأحلاف والمشاريع الاستعمارية، في زمن يسعون فيه إلى ترسيخ التجزئة لوطننا العربي بل لتفتيت اقطارنا إلى عصبيات طائفية ومذهبية وعرقية، وهو الذي كان يؤكد دائماً ان الوحدة الوطنية هي المقدمة للوحدة القومية.
هل ننسى جمال عبد الناصر الذي عاش نظيفاً ونزيهاً، ومات نزيهاً ونظيفاً؟ في زمن يصبح الفساد ونهب أموال الشعب وسياسات تجويع المواطنين وتركيع الأمم بالعوز والفاقة، هي السمة المهيمنة على حكامنا ودولنا ومجتمعاتنا.
هل ننسى جمال عبد الناصر الذي أدخل إلى قاموسنا الفكري والسياسي والاقتصادي مصطلحات «التنمية والتخطيط»؟ فيما نعيش هذه الأيام انكساراً مريعاّ لمشاريع التنمية، وتهميشاً خطيراً لكل تخطيط يخرجنا من حال الفوضى الاقتصادية والاجتماعية التي نعيش...
لذلك لا نتحدث عن جمال عبد الناصر كذكرى جميلة من الماضي فحسب، بل أيضاً كحاجة ضرورية لمواجهة تحديات الحاضر، وجسراً وطيداً نعبر بأفكاره وخياراته الى المستقبل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2183326

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2183326 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40