هل من سيادة محترمة لأية دولة في عالم اليوم؟
سؤال يُطرح في مناسبات عدّة، آخرها في السجال المحموم بين الرئيس الأمريكي، والسفير البريطاني في واشنطن.. السبب؟
السفير كيم داروش، كتب في مذكراته السرّية الى وزارة الخارجية البريطانية أن رئاسة ترامب «قد تتحطّم، وتحترق، وتنتهي بوصمة عار». أكثر من ذلك: وصف السفير في مذكراته تقارير إعلامية عن صراع داخلي في البيت الأبيض بأنها «صحيحة في معظمها».
صحيفة «ذا ميل أون صنداي» البريطانية، نشرت مذكرات السفير، ووصفت ترامب بأنه «غير مستقر»، و«غير كفي».
ترامب شنّ في تغريداته هجوماً حاداً على السفير البريطاني معلناً أنه «لن يكون لي معه أيّ اتصال».
رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، أعربت عن «دعمها الكامل» لسفيرها في واشنطن، وأن ما تمّ تسريبه لا يُعبّر عن العلاقة الوثيقة والاحترام الذي تكنّه للولايات المتحدة. ما كان في وسع ماي أن تقول كلاماً أقل وقعاً دفاعاً عن سفير يمثل دولة كبرى ذات سيادة. ومع ذلك، فإن من شأن هذه التسريبات تهديد جهودها لتوقيع اتفاق جديد للتجارة مع واشنطن يساعدها في تخفيف الضرر المتوقع من انسحابها من الاتحاد الأوروبي.
ليس اتفاق التجارة الجديد هو الضحية المحتملة للتسريبات المنشورة، بل مفهوم السيادة بين الدول المعاصرة. ذلك أن ما من سرّ يمكن حالياً كتمه بعد النجاح الهائل الذي حققته تكنولوجيا المعلومات، والآليات، والتقنيات التي وفّرتها لأجهزة الاستخبارات، ومؤسسات الاستقصاء. أليس في ما كشفته «ويكيليكس» شواهد حيّة على هذه الحقيقة البازغة؟
إن مفهوم السيادة التقليدي لا يعني حماية إقليم الدولة البري، والبحري، والجوي، فحسب، بل يشمل أيضاً المحافظة على سجلاّتها، ومحفوظاتها، وأسرارها. والحال أنه لم يعد بالإمكان المحافظة على هذه الأمور بوجود التقنيات التي وفّرتها تكنولوجيا المعلومات والاستقصاء.
في ضوء هذه الحقيقة يُمكن التعرّف إلى تطوّرٍ بالغ الدلالة، هو تقدّم الاستخبارات وتفوقها في نشاط الدولة المعاصرة على مفهوم السيادة، ومتطلباته. فأجهزة الاستخبارات في أدائها لا تقيم حرمة، أو احتراماً لقواعد السيادة. ما يهمها هو الإنجاز والنجاح فقط، ويساعدها في ذلك طابع السرّية الذي يتسم به نشاطها. لكن تقدّم فن الاستقصاء بفضل الثورة في تكنولوجيا المعلومات، وتقنياتها العجائبية، أفقد أجهزة الاستخبارات احتكارها لميزة السرية، إذ اصبح بإمكان أفراد، ومنظمات غير حكومية أن تتملك تقنيات الاستقصاء الحديثة المتقدمة، وأن تستعملها لأغراض خاصة بها، وأن تتسبّب تالياً بإحراجات وأضرار لأفراد، ومنظمات، وحكومات منافسة، أو معادية. أليس هذا ما نجم عن كشوفات «ويكيليكس» المذهلة بحق أمريكا، و«إسرائيل»، ودول أخرى؟
إذ تتقدم الاستخبارات في معظم الدول، وتتفوق في أهميتها ونشاطها على معظم مؤسسات الدولة المعاصرة، ينعكس ذلك على العلاقات الدولية، وعلى تطبيق القانون الدولي. فها هي وزارة الخزانة في الولايات المتحدة تأمر بتوقيفات، واعتقالات، بحق أفراد متمولين من غير جنسيتها، ومن دول مختلفة في الشرق والغرب، وتحظر على مصارف أمريكية، وغير أمريكية، التعامل معهم، أو إجراء تحويلات خارجية تتعلّق بهم.
هذه الطرائق في المعاملة، والملاحقة، والمعاقبة، مارستها أمريكا بحق شخصيات، وشركات، ومنظمات متعددة لا تحمل جنسيتها.
لمن ستكون الغلبة في المواجهة: لمفهوم السيادة الوطنية، أم لسلطة الاستخبارات الأمريكية؟
السبت 13 تموز (يوليو) 2019
الاستخبارات منافس متفوّق على السيادة
السبت 13 تموز (يوليو) 2019
par
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
68 /
2193985
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة كتّاب إلى الموقف عصام نعمان ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
6 من الزوار الآن
2193985 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 6