الاثنين 28 نيسان (أبريل) 2014

المصالحة لا تغني عن المقاومة

الاثنين 28 نيسان (أبريل) 2014 par د. عصام نعمان

أن تكون «إسرائيل» ضدّ المصالحة بين الفلسطينيين، فهذا أمر بديهي. لكن أن يكون الفلسطينيون ضدّ المصالحة في ما بينهم، فهذا أمر عجيب غريب. مع ذلك فإنّ المنازعة بين الفصائل كانت هي القاعدة إلى درجة بدت معها المصالحة الأخيرة استثناء لافتاً.

هل تصمد المصالحة الجديدة؟

كاد اسماعيل هنية وعزام الأحمد يقسمان أثناء مؤتمرهما الصحافي بأنّ المصالحة جدّية والتزامها صارم ونهائي. غير أنّ أصواتاً في الوطن والشتات لم تكتم شكوكها. بعضها تساءل: ألم يفشل الفلسطينيون في تطبيق «اتفاق القاهرة» عام 2011 وبعده «إعلان الدوحة» في الوقت الذي تتمّ المصالحة الأخيرة بالاستناد إلى هاتين المرجعيتين؟

بعض الإسرائيليين أظهر شكوكاً مماثلة. الباحث ايال زيسر عبّر عن رأي المشككين في صحيفة «يسرائيل هيوم» 24/4/2014 بقوله: «إنّ اتفاقات مشابهة كان توصل إليها الطرفان في الماضي خُرقت أكثر من مرة، وآخر حكومة وحدة وطنية شُكّلت عام 2006 انهارت مُحدثة ضجةً كبيرة بعد سيطرة «حماس» على قطاع غزة … وفي الواقع، من الصعب الافتراض أنّ أبو مازن وزعماء «حماس» قادرون فعلاً على تخطي مخلّفات الماضي، ولا سيما الاختلافات الأساسية في نظرتهم إلى العالم، والاختلاف في مصالحهم السياسية على المدى البعيد. لذلك نفترض أنّ حكومة الوحدة الوطنية، في حال شُكّلت، لن يكون عمرها طويلاً».

صحيح أنّ بنيامين نتنياهو بدا متشنّجاً في رد فعله على المصالحة بقوله: «إنّ على محمود عباس أن يختار بين السلام مع «حماس» والسلام مع «إسرائيل»، إلاّ أنّ المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون السياسية والأمنية قرّر في اختتام اجتماعٍ برئاسة نتنياهو «عدم إسقاط السلطة الفلسطينية والاكتفاء بوقف المفاوضات معها والقيام بخطوات مؤلمة اقتصادياً، وذلك إلى حين تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة لرؤية ما إذا كانت ستلتزم بشروط الرباعية الدولية وفي مقدمها الاعتراف بـ«إسرائيل» والالتزام بالاتفاقيات الموقعة معها».

أميركا تحفّظت عن المصالحة الجديدة، لكن وزير خارجيتها جون كيري لم يفقد أمله «حيال احتمالات السلام»، حاثّاً الطرفين على «القيام بالتسويات الضرورية بحيث تستمرّ المفاوضات إلى ما بعد 29 نيسان الجاري».

إذاً، اتفاق المصالحة «ليس خراب الهيكل الثالث»، كما قال أحد المعلّقين الإسرائيليين. «إسرائيل» ستنتظر، خلال الأسابيع الخمسة المقبلة، تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، وسترى ما إذا كانت «حماس» ستشارك فيها، وما إذا كانت ستلتزم الاتفاقات الموقعة مع السلطة، بينما تكون عقوباتها الاقتصادية قيد التنفيذ.

عقوبات «إسرائيل» تتلخّص بإجراء مقاصّة فورية لاقتطاع ديونها من أموال الضرائب ورسوم الجمارك التي تجبيها لحساب السلطة الفلسطينية. وقد يبدأ هذا الإجراء باقتطاع ديون شركة الكهرباء الإسرائيلية على شركة الكهرباء الفلسطينية، ما يؤدي إلى عرقلة وصول موارد مالية منتظمة إلى خزينة السلطة، والى اضطراب في تسديد رواتب الموظفين الفلسطينيين. وثمة اتجاه أيضاً إلى التضييق على تنقلات القيادات الفلسطينية بين الضفة الغربية وغزة.

يبدو أنّ القيادة الفلسطينية احتاطت مسبقاً للعقوبات الإسرائيلية واتخذت التدابير اللازمة لمواجهتها. كبير المفاوضين صائب عريقات عبّر عن ذلك بقوله: «إنّ القيادة تدرس كلّ الخيارات للردّ على «إسرائيل» لأنّ أولوية الشعب الفلسطيني الآن هي المصالحة ووحدتنا الوطنية». الأمين العام للمبادرة الوطنية مصطفى البرغوتي كشف سراً: «اجتمعنا قبل إعداد ورقة المصالحة وتوقيعها مع قيادات عربية من المجتمع المدني لتحصين اتفاق المصالحة من أي تهديدات دولية بفرض حصار على السلطة الفلسطينية وللمطالبة بتوفير مظلة أمان عربية له». رهان البرغوتي في هذا المجال يتركّز على أنّ قرار تشكيل حكومة كفاءات من شخصيات مهنية ومستقلة برئاسة محمود عباس «لن يترك حجة لأي طرف دولي لمحاصرتنا».

الحقيقة أن ثمة «ضمانات» أخرى للحؤول دون فرض الحصار على السلطة الفلسطينية يمكن إيجازها بثلاث:

أولاها، أن اتفاق أوسلو المعقود بين منظمة التحرير و»إسرائيل» ما زال قائماً، وتأليف حكومة وحدة وطنية خلال خمسة أسابيع، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال ستة أشهر إنما يتمّان تحت سقف أوسلو. بذلك يكون أبو مازن واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قد صرفا النظر عن حلّ السلطة الفلسطينية، وليدة اتفاق أوسلو، ما يعني أنّ كلّ ما تقرّر إجراؤه سيتمّ تحت سقفه. ألا يُطمئن هذا التدبير «إسرائيل» وأميركا؟

ثانيتها، أنّ «حماس» عادت أخيراً إلى السلطة الفلسطينية بعد هجرٍ دام نحو سبع سنوات. صحيح أنها لن تشترك بأعضاء من تنظيمها في حكومة التكنوقراط المرتقبة، لكنها وافقت مسبقاً على إقامتها وعلى المشاركة في الانتخابات التشريعية في إطار السلطة. ألا تدلّ هذه المواقف على أنها، بعودتها إلى كنف السلطة، تكون قد تخلّت عن معارضتها للمفاوضات كوسيلة لإزالة الاحتلال وأنها جمّدت، في الأقل، مطلبها القديم باعتماد المقاومة سبيلاً إلى تحرير فلسطين من النهر إلى البحر؟ ألا يطمئن ذلك كله «إسرائيل» وأميركا؟

ثالثتها، أن اتفاق المصالحة ينصّ على الشروع في تجديد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية تمهيداً لعودة «حماس» إليها والمشاركة في أنشطتها. ألا يعني ذلك عودة «حماس» إلى «بيت الطاعة» الدولي كون منظمة التحرير معترفاً بها إسرائيلياً وأميركياً وأممياً؟

ما تقدّم بيانه هو، في الواقع، «ضمانات» لـِ»إسرائيل» وأميركا أكثر مما هو للشعب الفلسطيني وكفاحه من أجل التحرير والعودة. فما ضمانات الشعب وقوى المقاومة في حال أقدمت «إسرائيل»، كعادتها، على رفض المصالحة الجديدة ومنع تنفيذ بنودها بغية تمديد الاحتلال وتوسيع نطاق الاستيطان؟ ماذا ستفعل القيادة الفلسطينية إذا تظاهرت «إسرائيل» بالموافقة على استئناف المفاوضات وفق بعض الشروط الفلسطينية الجزئية لتعود لاحقاً إلى المماطلة والمخادعة كما كانت تفعل طيلة السنين العشرين الماضية؟

الوطنيون المتعقّلون لا يطالبون القادة الفلسطينيين بالقيام بمهام فوق طاقتهم، بل يطالبونهم بوضع استراتيجية ثورية وواقعية في آن تكون بديلاً من الاستراتيجية المتهافتة الحالية كي يصبح بمقدورهم مواجهة «إسرائيل» في حال تصعيد حربها على الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. كيف؟

لعلّ أهم مفاصل الاستراتيجية المرتجاة خمسة:

أولاً: تعميق المصالحة الوطنية بتحديد ثوابتها وضوابطها وأسس محاسبة الخارجين عليها.

ثانياً: تسريع عملية إعادة بناء منظمة التحرير بما هي قيادة الشعب الفلسطيني وحركة تحرير ترابه الوطني، ومرجعية قراره السياسي المتجسّدة في المجلس الوطني، الممثل الشرعي للشعب في الوطن والشتات.

ثالثاً: تفعيل المقاومة المدنية والميدانية للشعب الفلسطيني وتوحيد فصائل المقاومة بغية ترفيع فعاليتها التعبوية والقتالية. فالمصالحة لا تغني عن المقاومة.

رابعاً: تفعيل بناء الدولة الفلسطينية وتوسيع الاعتراف بها أممياً بالانضمام إلى المعاهدات والمؤسسات الدولية، ولا سيما تلك التي تمكّنها من ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين لارتكابهم جرائم موصوفة في الأراضي المحتلة كالاستيطان، والإساءة إلى الأسرى والجرحى، والإبادة، والعنصرية.

خامساً: الفصل بين هدف بناء الدولة بالانضمام إلى المعاهدات والمؤسسات الدولية وبين خيار المفاوضات، وبالتالي رفض تجميد عملية بناء الدولة على النحو المبين آنفاً، كما رفض تجميد المقاومة المدنية والميدانية كشرط لاستئناف المفاوضات.

إنّ اعتماد هذه الاستراتيجية الثورية والواقعية في آن ومباشرة تنفيذها بالسرعة الممكنة يشكّلان رافعة حقيقية للانتقال بقضية فلسطين من حال السكون والمراوحة إلى حال الفعل والإبداع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2182165

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2182165 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40