السبت 21 حزيران (يونيو) 2014

الإرهاب يؤدي إلى التقسيم والعكس صحيح

السبت 21 حزيران (يونيو) 2014 par د. عصام نعمان

تطرح ضربة “داعش” المفاجئة والمذهلة في الموصل أسئلة عدّة على الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بأزمة العراق . ولعل أخطر الأسئلة ذلك المتعلق بوحدة العراق . هل تؤدي سيطرة “داعش” على المحافظات الشمالية والغربية ذات الأغلبية السنّية إلى تقسيم بلاد الرافدين؟
الأطراف المعنية بأزمة العراق محرجة وما زالت تتخبط في الحيرة والذهول ما يجعلها تتلكأ في الإجابة عن السؤال . لعل اكثرها حيرة وحرجاً الولايات المتحدة . فهي تحصد الآن الثمار المرّة لسياساتها الخاطئة طيلة السنين العشرين الماضية من حيث إنها:
- موّلت وسلّحت ودرّبت تنظيم “القاعدة” لمساعدتها على محاربة قوات الاتحاد السوفييتي (آنذاك) في أفغانستان، حتى إذا أكرهته على الخروج من البلاد، عاد المقاتلون “القاعديون” إلى أوطانهم وأخذوا يمارسون العنف ضد الولايات المتحدة وحلفائها . أليست هجمات 11 سبتمبر 2001 وتدمير برجي التجارة الدولية في نيويورك مثالاً ساطعاً على ذلك؟
- اتهمت صدام حسين بأنه يقوم بإنتاج أسلحة نووية . ورغم أنها تأكدت مسبقاً أن ذلك غير صحيح، فقد أصرّت على مهاجمته واحتلال بلاده وحلّ جيشه ما أدى إلى نتيجتين سلبيتين بالنسبة إليها: تفجير مقاومة ضارية ضدها تطورت إلى تنظيمات إرهابية، وازدياد نفوذ إيران بعد إقصاء خصومها السياسيين وعودة أصدقائها وتسليمهم السلطة في بغداد .
- دعمت المعارضة المسلحة في سوريا ضد النظام، وأوعزت إلى حليفتها تركيا بغض النظر عن الأفراد والجماعات القادمة من أربع جهات الأرض ل“نصرة” المعارضة السورية، فكان أن تسلل أفراد التنظيمات الإرهابية عبر الحدود التركية- السورية وتجمعوا في مناطق محددة في سوريا وتظاهر بعضهم بمباشرة “الجهاد” ضد حكومتها، حتى إذا تجذروا وتحصنوا في مواقع ومناطق حاكمة فتحوا النار على “رفاق السلاح” من “الجيش السوري الحر” وسائر قوى المعارضة السورية المسلحة، بل مدّوا نشاطهم إلى لبنان والعراق وأخذوا يحاربون حكومتيهما بالسيارات المفخخة والانتحاريين الإرهابيين .
- وها هو “داعش” يستجمع قواه اليوم في العراق ليضرب “نظام” المالكي حليف إيران وسوريا وحزب الله، ويطمح إلى الاستيلاء على منابع النفط في الشمال العراقي، كما كان فعل في شمال شرقي سوريا بقصد تصديره عبر تركيا والإفادة من عائداته .
قد تتمكن حكومة بغداد المركزية من استعادة محافظات شمالي العراق وغربيه من أيدي “داعش”، وقد تكتفي بمنعه من التمدد إلى بغداد وسائر المحافظات، فماذا ستكون النتيجة؟
سيحتفظ “داعش” بالمحافظات التي “احتلها” الأمر الذي يؤدي إلى قيام حال تقسيم فعلي على الأرض: إقليم حكم ذاتي كردي ناهد إلى الاستقلال في الشمال الشرقي، وإقليم “داعشي” في الشمال الغربي والغرب، وحكومة “مركزية” تدير ما تبقّى من المحافظات في الوسط والجنوب .
ما الدرس المستخلص من هذه الواقعات؟
إنه الصلة السببية والعلاقة الجدلية القائمة بين الإرهاب والتقسيم والعكس الذي يصحّ أيضاً . فحيث يسيطر تنظيم إرهابي يصبح تقسيم البلد نتيجة منطقية . ذلك أن التنظيم الإرهابي قد يعجز عن احتلال كل البلد المضطرب، فيجد نفسه مضطراً إلى إقامة سلطة منفصلة عن الحكومة المركزية (وقد يحوّلها إلى سلطة مستقلة) ويحوّل الإقليم الذي يسيطر عليه إلى قاعدة لتدريب الإرهابيين ودفعهم إلى مناطق أخرى داخل البلد نفسه للسيطرة عليها، أو قد يدفعهم إلى دول مجاورة للقيام بمهمة مماثلة . أليس هذا ما حدث في سوريا؟ فقد سيطر تنظيما “داعش” و“النصرة” على مناطق في شمالي سوريا وشرقيها حتى إذا استتب الأمر لهما، بادر “داعش” إلى التوسع داخل سوريا، ثم ما لبث أن دفع بمجموعات من “جهادييه” إلى العراق فسيطرت، أولاً، على الفلوجة في محافظة الأنبار ثم تعاونت مع مجموعات أخرى حزبية ومعارضة في الموصل لتضرب ضربتها المفاجئة .
اذا قيض ل “داعش” ان ينجح في تثبيت سلطته في محافظات العراق الشمالية والغربية فإنه سيحقق المحظورين معاً: التقسيم وتحويل مناطقه إلى قاعدة لنشر الإرهاب . في ضوء هذين التحديين البالغي الخطورة، أرى أنه يجدر بالأطراف المعنية أكثر من غيرها بتداعيات أزمة العراق المستجدة القيام بالآتي:
* أولاً، ضرورة أن تسلّم الولايات المتحدة بخطورة العلاقة الجدلية بين الإرهاب والتقسيم، فلا تلجأ إلى أي منهما لأن أحدهما يؤدي إلى الآخر حتماً، الأمر الذي يلحق الأذى بها وبحلفائها .
* ثانياً، إن القوى السياسية المتنافرة والمتصارعة في العراق مدعوة إلى الإدراك أن الإرهاب والتقسيم هما الخطران الأساسيان اللذان يهددان وحدة البلاد، وأنه يقتضي التوصل إلى فهم مشترك للأزمة الراهنة وبالتالي إلى وضع ميثاق للعمل الوطني والاجتماعي وحكومة وطنية جامعة لمواجهة الأخطار والتحديات التي تحيق بالبلاد .
* ثالثاً، عقد مؤتمر قمة عربية استثنائية في إطار جامعة الدول العربية من أجل التوافق على أن الإرهاب يهدد الأمة في حاضرها ومستقبلها، وعلى دعوة العالم عموماً والولايات المتحدة وتركيا خصوصاً، إلى وقف أي تسهيلات تعطى للتنظيمات الإرهابية باعتبار أن الإرهاب يستهدفهما أيضاً .
* رابعاً، دعوة السعودية وإيران إلى إزالة التوتر القائم بينهما والمبادرة إلى تحسين علاقاتهما لقطع الطريق على أي جهة سياسية أو إرهابية تقوم باستغلال التناقضات بينهما لأغراض تؤذيهما معاً .
أجل، ليتحد الجميع، عرباً وعجماً، في وجه الإرهاب والإرهابيين والتكفيريين أجمعين .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2166062

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2166062 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010