شهدت حيفا قبل ثلاثة أسابيع تظاهرة شعبية حاشدة؛ انتصاراً لحق العودة، وعروبة القدس، شارك فيها المئات من مواطني الجليل والمثلث، ذكوراً وإناثاً، رافعين العلم الفلسطيني، وهاتفين بالشعارات الوطنية، في تحد لإرهاب سلطة الاحتلال.
أن تأتي تظاهرة حيفا المطالبة بحق العودة وعروبة القدس بعد سبعين عاماً من النكبة، وبالجموع المشاركة فيها، خاصة من الشباب والصبايا، والمظاهر الوطنية التي جسدتها، ففي ذلك دلالة واضحة على عمق الشعور بالانتماء الوطني والقومي المتجذر لدى غالبية الصامدين في الأرض العربية المحتلة منذ العام 1948، وإفشالهم استراتيجية طمس شخصيتهم الوطنية، وتغييب تاريخهم القومي، التي تواصل العمل بها طوال العقود السبعة الماضية لفرض ذلك، خاصة بالنسبة للأجيال المولودة بعد النكبة، والتي شبت في ظل الاحتلال، وأُخضِعت لبرامج «أسرلة» أعدها وأشرف على تنفيذها أخصائيون في التربية والاستيطان والتمييز العنصري.
وتظاهرة حيفا تجسيد واقعي للتطور الكيفي المتنامي طردياً في معرفة ووعي قطاع غير يسير من المتجذرين في أرض آبائهم وأجدادهم؛ بحيث لم يعودوا فقط قادرين على تحدي العنصرية «الإسرائيلية»، وإنما أيضاً على التفاعل مع الحراك الوطني والقومي في المشرق العربي. والثابت أنه كان لصعود الحركة القومية العربية في خمسينات وستينات القرن العشرين انعكاسه الإيجابي على مواطني الأرض المحتلة؛ بحيث أسهم في تجاوز قطاع مهم منهم حالة اليأس والإحباط التي رانت عليهم بعد النكبة.
كما أن لتظاهرة حيفا دلالة تغلب معظم مواطني الأرض المحتلة على سلبيات «اتفاق أوسلو»، الذي حصر صلاحيات السلطة المُنشئ لها على الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا تتجاوز مساحتهما 22% من التراب الوطني الفلسطيني، ولا يتعدى مواطنوهما ذات النسبة من الشعب العربي الفلسطيني في وطنه المحتل، ومواطن اللجوء العربي والشتات الدولي. ما يعني أن الفريق القيادي الذي أبرم ذلك الاتفاق، بوعي منه أو بلا وعي، أهمل الحقوق الوطنية المشروعة لكل من الصامدين في الأرض المحتلة منذ العام 1948، وفي أقطار المشرق العربي والشتات الدولي.
صحيح أن تداعيات النكبة كانت الأشد قسوة على الصامدين في الأرض المحتلة سنة 1948؛ حيث انتقلوا بين عشية وضحاها من كونهم جزءاً لا يتجزأ من الأكثرية في وطنهم؛ ليصبحوا أقلية في دولة عنصرية، قامت على بعض وطنهم، واعتبرتهم «إسرائيليين» دون أن يختاروا ذلك. فضلاً عن أنها لم تتعامل معهم باعتبارهم من المواطنين الذين لهم حقوق المواطنة، وإنما على نحو جعل منهم «مستعمرة داخلية».
وكان الظن أن التعايش الطويل مع الانقسام المتأتي عن النكبة سوف يؤدي لتنامي مشاعر وطموحات متمايزة تعيق استعادة الشعور بوحدة المسيرة والمصير.
غير أن ما أبداه المئات من أبناء الجليل والمثلث من تضامن نضالي مع مسيرات قطاع غزة، وتأييدهم دعوتها لكسر حصار القطاع، دليل لا لبس فيه على عمق شعور غالبية الشعب العربي الفلسطيني بوحدة المسيرة والمصير.
ويمكن القول، بكثير من الثقة، إن مسيرات قطاع الصمود والتصدي، وما تجلى في تظاهرة حيفا من شعور بوحدة المسيرة والمصير، مؤشران واضحان على أن الزمن منذ النكبة لم يسر بما يعمق مفاعيل الانقسام، الذي أحدثته، بقدر ما سار باتجاه تعميق الشعور بوحدة المسيرة والمصير.
وفيما أبداه الجيل الجديد من شباب وصبايا فلسطين من إبداعات متجددة في كل مسيرة وحراك وطني دلالة على التقدم طويل النفس على درب الالتزام الاستراتيجي بعروبة القدس، وحق العودة، وإفشال كل مخططات الإمبريالية وأداتها «إسرائيل»، وأصدق دليل على ذلك تفجر تظاهرة حيفا في تحد لإرهاب سلطة الاحتلال المسكوت عنه من جانب ما يُسمى «المجتمع الدولي».
السبت 23 حزيران (يونيو) 2018
دلالات تظاهرة حيفا
السبت 23 حزيران (يونيو) 2018
par
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
40 /
2183476
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة كتّاب إلى الموقف عوني فرسخ ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
21 من الزوار الآن
2183476 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 22