السبت 27 كانون الأول (ديسمبر) 2014

من إدارة الأزمة إلى إدارة الصراع

السبت 27 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par د. عصام نعمان

الصراع الفلسطيني الصهيوني قديم ومزمن . اشتدّ على مراحل في منتصف ثلاثينات وأربعينات وستينات وسبعينات القرن الماضي . تراجعت وتيرته بعد إخراج منظمة التحرير وفصائل المقاومة الفلسطينية من لبنان عقب حرب “إسرائيل” العام ،1982 واحتلالها نحو نصف مساحة البلاد . توقف أو كاد عقب اتفاقات اوسلو العام ،1993 وتحوّل شكلاً من أشكال إدارة الأزمة . صحيح أن اضطرابات أمنية كانت تتفجر في الضفة الغربية أحياناً وحروباً كانت تشنها “إسرائيل” ضد قطاع غزة أحياناً أخرى، لكن إدارة الأزمة كانت، وما زالت، السمة العامة لحال العلاقات الفلسطينية “الإسرائيلية” .
مع اتفاقات أوسلو تراجعت قضية فلسطين، وفقدت مركزيتها في الحياة السياسية العربية . ولأن “إسرائيل” لم تنفذ أحكام الاتفاقات المذكورة، تكبّد الفلسطينيون المزيد من الخسائر: عزل الأراضي المحتلة العام 1967 عن الأراضي المحتلة العام 1948 بإقامة جدار فاصل من الشمال إلى الجنوب، وتوسيع دائرة الاستيطان، وتكثّيف تهويد القدس، وفرض حصار شديد على قطاع غزة ، ومضاعفة قمع الفلسطينيين في الضفة وداخل الكيان الصهيوني، وإطالة أمد المفاوضات دونما طائل اكثر من عشرين سنة، وإدارة الاحتلال لحساب “إسرائيل” من قبل السلطة الفلسطينية ما أدى إلى إعفاء المحتل من موجباته وترسيخ الاحتلال .
في إطار إدارة الأزمة، قامت السلطة الفلسطينية أخيراً بخطوة إضافية ناقصة: قدّمت، عبر الأردن وبدعم من جامعة الدول العربية، مشروعاً إلى مجلس الأمن الدولي يقضي بإنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” قبل آخر ،2017 وقد أُجريت عليه لاحقاً تعديلات أفرغته من مضمونه الناقص أصلاً، فما عاد يلبي حقوق الفلسطينيين الوطنية التاريخية، هابطاً إلى ما دون سقف قرارات الأمم المتحدة، ولاسيما بإهماله حق تقرير المصير، وحق العودة، والحق في القدس، وإزالة المستوطنات، وحقوق اللاجئين .
معظم منظمات المقاومة الفلسطينية الوازنة رفضت ما يسمى مشروع القرار العربي، ودعت إلى سحبه . “إسرائيل” رفضته ودعت الولايات المتحدة إلى استخدام حق “الفيتو” لنقضه . إدارة أوباما دعت الفلسطينيين إلى تأخير تقديمه إلى ما بعد الفراغ من الانتخابات البرلمانية “الإسرائيلية” ولوّحت باستخدام “الفيتو” .
ما ردُّ السلطة الفلسطينية؟
الرئيس محمود عباس هدّد بوقف التعامل مع “إسرائيل” في حال عدم إقرار المشروع في مجلس الأمن . فوق ذلك ، هدد كبير المفاوضين صائب عريقات بالانضمام الى جملة معاهدات ومواثيق دولية أبرزها اتفاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية .
المشروع العربي سيئ وخطر في مضمونه، وتوقيته، ومآله .
هو سيئ في مضمونه لأنه يشكّل تراجعاً غير مشروع وغير مقبول عن الحقوق الوطنية التاريخية للشعب الفلسطيني، ويضع في يد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة مستَنَداً يمكّنهما، حتى لو لم يقرّ في مجلس الأمن، من الالتفاف على ما تبقّى للفلسطينيين من حقوق بغية حرمانهم منها . أليس المشروع العربي من أسقط لهم حقوقاً وطنياً؟
وهو سيئ في توقيته لأن موازين القوى الاقليمية والدولية في الوقت الحاضر ليست في مصلحة العرب والمسلمين، الأمر الذي يؤدي حتماً إلى إسقاط المشروع في مجلس الأمن، وبالتالي تسديد صفعة شديدة لأصحاب المشروع عموماً وللفلسطينيين خصوصاً وهم جميعاً في غنى عنها .
وهو سيئ وخطير في مآله إذْ يتيح ل“إسرائيل”، بعد نقضه في مجلس الأمن، إلى الاسترسال في عدوانها على حقوق الفلسطينيين بتكثيف الاستيطان وتهويد القدس ومباشرة تنفيذ مخططات تهجير الفلسطينيين من الضفة كما من الأراضي المحتلة العام 1948 .
إلى ذلك، المشروع غير واقعي وغير قابل للتحقيق بوجود خلافات عميقة بين الفلسطينيين أنفسهم، قيادات وتنظيمات ، حول مضمونه وتوقيته ومآله، إضافة إلى إخفاق القيادات والتنظيمات في إنجاز مصالحة وطنية حقيقية والتوافق على إقامة حكومة وحدة وطنية قوية وقادرة على التقرير والتنفيذ .
هذه المعوّقات والتعقيدات تطرح مجدداً السؤال الخالد: ما العمل؟
ثمة مبادرات خمس تقتضي مباشرتها بلا إبطاء:
الأولى، المبادرة إلى إنجاز مصالحة وطنية عميقة وشاملة تكفل بناء وحدة وطنية صلبة بين جميع قيادات وفصائل الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة في الوطن والشتات .
الثانية، مبادرة قيادات المنظمة والسلطة ومختلف تنظيمات المقاومة إلى إعادة بناء وتجديد وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية لتصبح قولاً وفعلاً القيادة الحقيقية للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات .
الثالثة، مبادرة قيادة منظمة التحرير، بما أنها الممثلة الشرعية لجميع هيئات وتنظيمات وفعاليات الشعب الفلسطيني، إلى اجراء تحليل وتشخيص موضوعيين لواقع الصراع الفلسطيني الصهيوني في اطار موازين القوى المحلية والاقليمية والدولية الراهنة، ووضع استراتيجية متكاملة لتفعيل الكفاح الفلسطيني بما هو حركة تحرير وطني ببرنامج مرحلي متطور بحسب تطور الاحداث والتحديات والظروف .
الرابعة، مبادرة قيادة منظمة التحرير، وبالتالي السلطة الوطنية الفلسطينية العاملة في ضوء برنامجها المرحلي، إلى الانتقال من نهج إدارة الأزمة إلى نهج إدارة الصراع بما هو كفاح لتحرير الوطن من البحر إلى النهر وتأمين حق تقرير المصير وحق العودة وبناء دولة وطنية مستقلة وديمقراطية .
الخامسة، المبادرة إلى تفعيل المقاومة الشعبية ضد الكيان الصهيوني واتخاذ كل ما يقتضيه ذلك من اجراءات مكمِّلة كاتفاق التنسيق الامني مع حكومة العدو، وتجاوز اتفاق أوسلو، والانضمام إلى المعاهدات والمواثيق الدولية ولا سيما اتفاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، والإفادة من احكام وإجراءات هذه المعاهدات والاتفاقات لملاحقة “إسرائيل” وقياداتها السياسية والعسكرية، ومحاصرتها سياسياً واقتصادياً وشعبياً في كل أنحاء العالم .
أجل، يجب الارتقاء بالكفاح الفلسطيني، بما هو حركة وطنية للتحرير والعودة وتقرير المصير، إلى مرحلة تاريخية أعلى، قيادياً وميدانياً، لمواجهة العدو على جميع المستويات، بحكمة وشجاعة ونَفَس طويل .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2182406

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2182406 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40