السبت 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2019

مساكنة الأكراد للأمريكيين انتهت

السبت 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 par د. عصام نعمان

أليس من حق الدول العربية، بل من واجبها، أن تتدخل قبل غيرها، داخل الجامعة العربية أو خارجها، من أجل إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية برمتها.
الأكراد السوريون في خيبة مدوّية. بعضهم أشاح بوجهه عن وطنه سوريا، ويمّمه صوب الأمريكيين، وارتضى بأن يتعاون معهم لقاء مال وسلاح ووعود. بعضهم الآخر أشاح بوجهه عن دمشق، وارتضى بأن يتعاون مع الأمريكيين (والأتراك) في مقاتلة تنظيم «داعش» بمعزل عن الجيش السوري المنخرط ضد مختلف التنظيمات الإرهابية في مواجهةٍ عنيفة.
القتال ضد «داعش» انتهى أو كاد. نجح خصوم «داعش» وسائر تنظيمات الإرهابيين في احتوائهم ثم في طردهم من مناطق شرق الفرات. الأكراد المتعاونون مع الأمريكيين أطلقوا على تنظيمهم اسم «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، واتفقوا مع حلفائهم على حراسة مخيمين شرق الفرات، أحدهما يضم أسرى «داعش» (نحو خمسة عشر ألفاً) والآخر يضم عوائلهم (نحو ثمانية عشر ألفاً).
وما إن اطمأن رجب طيب أردوغان إلى أن الأكراد السوريين شرق الفرات (الذين يعتبرهم إرهابيين متعاونين مع حزب العمال الكردستاني التركي المصنّف إرهابياً) قد أصبحوا في قبضة الأمريكيين المنتشرين في محافظتي الرقة والحسكة السوريتين حتى بدأ يتفاوض مع واشنطن من أجل إقامة «منطقة آمنة» على طول حدود تركيا مع سوريا تؤمّن تحقيق أغراضه، وأهمها اقتطاع مساحة من سوريا لا تقل عن 400 ألف كيلومتر مربع بدعوى إيواء أكثر من ثلاثة ملايين مهاجر سوري مقيمين حالياً في تركيا. واشنطن راوغت، ثم وافقت من حيث المبدأ على إقامة «المنطقة الآمنة»، آملة أن يوافق أردوغان على إعطاء حلفائها الأكراد حكماً ذاتياً في شمال سوريا برعاية أنقرة وبحماية واشنطن.
أردوغان رفض الخطة الأمريكية المقترحة، وأصرّ على أن تكون «المنطقة الآمنة» بحماية أنقرة وحدها، واضطر ترامب أخيراً إلى الرضوخ، وأعلن سحب قواته من شمال شرق سوريا، وهو ما اعتبرته «قسد» طعنة في الظهر وخيانة. أما إيران وروسيا، فعارضتا إقامة «المنطقة الآمنة»، ودعتا إلى الامتناع عن أي إجراء يؤدي إلى تعطيل مفاوضات جنيف الهادفة إلى اجتراح تسوية سياسية للصراع في سوريا وعليها. ما موقف سوريا؟
دمشق قرأت في التطورات الأخيرة فرصة لدعوة الأكراد «للعودة إلى الوطن». نائب وزير الخارجية فيصل المقداد ذكّرهم بموقف دمشق القديم الجديد: «من يرتمي في أحضان الأجنبي فسيرميه الأجنبي بقرف بعيداً عنه، وهذا ما حصل». إلا أنه لم ينزلق إلى نعت فعلة بعض الأكراد السوريين بالخيانة، بل أطلق على تعاونهم مع الأمريكيين نعت «المساكنة».
حسناً، المساكنة انتهت، فلماذا لا يعود الأكراد السوريون إلى الوطن؟
بعضٌ من هؤلاء بات مقتنعاً بذلك، ويبدو أنه عاد إلى جسّ نبض دمشق. الخيبة من الأمريكيين والخوف من الأتراك سيحملانهم، كلهم أو معظمهم، عاجلاً أو آجلاً، إلى التفاهم مع دمشق. غير أن تحديات جمّة تعرقل طريق التواصل والتفاهم. ذلك أن تركيا التي تنوء بملايين السوريين اللاجئين إليها تتمسك بخطتها الرامية إلى إقامة «المنطقة الآمنة». وهي تعتقد أن أوروبا ستساعدها في ذلك مخافة أن تفتح أنقرة طريق هجرة المهاجرين السوريين إليها. أمريكا ربما ستضطر، هي الأخرى، إلى مجاراة أوروبا في ذلك، ربما لتبرير تراجعها عن دعم الأكراد، ولتجاوز مواقف بعض أعضاء مجلس الشيوخ وجنرالات «البنتاجون» المعارضين لموقف ترامب المسيء، في نظرهم، إلى خطط أمريكا الاستراتيجية ومصالح حلفائها في المنطقة.
إلى ذلك، ثمة مصاعب أخرى لا سبيل إلى معالجتها إلا بالتعاون مع حكومة سوريا، وأهمها مشكلة المهاجرين السوريين في تركيا، ومتطلبات إعادتهم إلى الوطن الأم. وكذلك مسألة الأسرى الدواعش وعائلاتهم الذين يربو عددهم، مجتمعين، على نحو أربعين ألفاً.
إزاء هذه التحديات والصعوبات، ثمة سؤال يطرح نفسه: أليس من حق الدول العربية، بل من واجبها، أن تتدخل قبل غيرها، داخل الجامعة العربية أو خارجها، من أجل إيجاد تسوية سياسية للأزمة برمتها، سواء لجهة ما بين سوريا وتركيا من خلافات، أو لجهة متطلبات إعادة المهاجرين السوريين في تركيا إلى ديارهم، وتدبّر أمر الأسرى الدواعش وعائلاتهم المحتجزين في مخيمات شرق الفرات؟
لعلّي أجازف فأدعو مصر والإمارات العربية المتحدة والعراق، التي ما زالت تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع سوريا، إلى إطلاق مبادرة داخل جامعة الدول العربية أو خارجها ترمي إلى انتزاع دورٍ للعرب، أو لبعضهم على الأقل، في الصراعات والمحادثات الرامية إلى إيجاد تسوية سياسية للنزاعات التي ما انفكت تتحكم بقدرات المنطقة ومقاديرها منذ نحو ربع قرن؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 59 / 2183372

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

30 من الزوار الآن

2183372 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 30


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40